والذي حصل هو أنَّ من قالوا بإجزاء مسح الجزء إنما أجازوا الاستدلال بالأحاديث الضعيفة ونحن لا نقرُّهم على ذلك، ولا نأخذ إلا بالصحيح والحسن فحسب، وممن رُوي عنهم جواز مسح الجزء: ابن عمر وسفيان وإبراهيم النخعي والشعبي والشافعي والطبري وأبو حنيفة وتلميذاه أبو يوسف ومحمد، والحسن والثوري والأوزاعي. وهؤلاء اختلفوا في قدر الممسوح، فأبو حنيفة قال: يجزيء مسح ربعه. والشافعي قال: يجزيء مسح ما يقع عليه الاسم وأقله ثلاث شعرات، وحُكي عنه أقلُّه شعرةٌ واحدة. وأجاز الثوري والشافعي مسح الرأس بإصبع واحدة. وهذه الخلافات بينهم هي في تحقيق مناط الحكم وليس في الحكم نفسه.
وممن ذهب إلى وجوب مسح جميع الرأس مالك بن أنس والمُزَني وأحمد بن حنبل وبعض أهل الظاهر، وأدلتهم على ذلك أن الآية طلبت مسح الرأس، والأحاديث الصحيحة جاءت ببيان المسح وأنه يشمل جميع الرأس. وهذه الأحاديث هي:
1- لبيان وضوء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - رُوي عن عبد الله بن زيد « ... ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمُقدَّم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه» رواه البخاري ومسلم.
2- وفي رواية أخرى عن عبد الله بن زيد «أنه أفرغ من الإناء على يديه فغسلهما ثم غسل أو مضمض واستنشق من كفة واحدة، ففعل ذلك ثلاثاً، فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ومسح برأسه ما أقبل وما أدبر، وغسل رجليه إلى الكعبين ثم قال: هكذا وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» رواه البخاري، ولم يذكر فيه غسل الوجه.
3- حديث المغيرة السابق وفيه «ومسح بناصيته وعلى العمامة» .