وأما الحديث الثالث فهو مثل حديث أنس إلا أنه يخالفه في حسر العمامة، وهذا الحديث المرسل اضطر معه ابن حجر لأن يبحث عن حديث آخر يعضده، فوجد حديث أنس الضعيف المار، ثم قال (قد اعتضد كلٌّ من المرسل والموصول بالآخر، وحصلت القوة من الصورة المجموعة) . فهو بهذا يعترف أن هذا الحديث المرسل يحتاج إلى دعم، فلم يجد ما يدعمه سوى حديث آخر ضعيف، وهذه القاعدة التي يأخذ بها ابن حجر غير مُسلَّم بها، لأن الحديث غير الصحيح وغير الحسن يحتاج إلى حديث صحيح أو حسن وليس إلى حديث ضعيف لدعمه، وفي هذه الحالة فإن الاحتجاج يكون بهذا الصحيح أو بهذا الحسن، فكيف وأنَّ حديث أنس وحديث عطاء مختلفان؟ الأول يقول إن العمامة لم تُنقض، والثاني يقول بحسرها، فكيف يعضد حديث أنس حديث عطاء؟ وعلى فرض صلاح هذا الحديث للاحتجاج فإنه يُحمل على أنه - صلى الله عليه وسلم - قد حسر العمامة عن مقدَّم رأسه، ومسح مقدَّم رأسه ثم مسح على العمامة، ليتوافق هذا الحديث مع حديث مسلم «ومسح بناصيته وعلى العمامة» أو «ومُقدَّم رأسه وعلى عمامته» .
وأما الحديث الرابع فهو فعلُ صحابي، وفعل الصحابي يصلح للتقليد، ولا يصلح كدليل، فمن أراد تقليد ابن عمر فلْيكتفِ بمسح مُقَدَّم رأسه، أما من أراد الاجتهاد فإنه لا يستدل به. قال ابن القيم (إنه لم يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة) .