أما قول الطبري بأن غسل المرفق غير واجب فهو قول غير دقيق، وإليكم البيان: إن الصحيح الذي ترجَّح لديَّ هو أن غسل جزء من المرفق واجب عملاً بالقاعدة الشرعية _ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب] . أما وجه الاستدلال بها على الدعوى فهو أن اليد متصلة تماماً بالمرفق، ولا يوجد حدٌّ فاصل بينهما معلوم بالنظر، وحيث أن الواجب هو غسل جميع اليد دون استثناءِ أيِّ جزء، فإنه لا يتأتَّى أن تُغسل اليدُ كلها دون غسل جزء من المرفق، فبغسل جزء منه يُطمئَنُّ إلى الوصول إلى تحقيق الواجب، فيكون غسل هذا الجزء واجباً، وما عداه يدخل في الندب كسائر الأفعال الزائدة على الوضوء المُجْزِيء كما أسلفنا أكثر من مرَّة، وهذا القول وهذه القاعدة هما ما أخَّرتُ ذكرَهما عند تناول استدلال الطبري. وإذن فغسل جزء من المرفق يعني التَّثبُّتَ من غسل جميع اليد الواجب في الوضوء، ولا يتم غسل جميع اليد حتماً إلا بغسل جزء من المرفق، فوجب غسله لذلك.
قال تقي الدين النبهاني رحمه الله في كتابه في الأصول ما يلي (قوله تعالى {فاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ} و {ثم أَتِمُّوا الصِّيامَ إلى الليلِ} فإلى في قوله {إلى المَرَافِقِ} وفي قوله {إلى الليلِ} أفادت أنه ما لم يُغسلْ جُزءٌ من المرفق لا يتم غسل اليد إلى المرفق، فلا بد أن يتحقق حصول الغاية لا أن تدخل الغاية في المُغيَّا، وأنه ما لم يدخل جزء من الليل ولو دقيقة لا يتحقق إتمام الصيام، فصار غسل جزء مهما قلَّ من المرافق، وصيام جزء مهما قلَّ من الليل واجباً، بدلالة الآيتين لأنه لا يتم ما أوجبه - وهو غسل اليدين وصيام النهار - إلا بالقيام به) .