أما قول الشافعي من أنه لا يعلم خلافاً، فإني أوردت أسماء ثلاثة من كبار الأئمة خالفوه الرأي، وأما قول إسحق إن السُّنَّة بينت أن [إلى] معناها [مع] فدعوى تحتاج إلى إثبات، وهذه الدعوى قد استدلوا عليها بحديث نعيم بن عبد الله الذي أخرجه مسلم «حتى أشرع في العَضُد» . والحق أن هذا الحديث لا يفيدهم في إثبات دعواهم، لأن غاية ما فيه أنه ندب وليس وجوباً، فالحديث يقول «فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضُد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العَضُد، ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ... إلى أن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتم الغُرُّ المُحجَّلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فلْيُطِل غُرَّته وتحجيله» فقد بدأ الحديث بقوله «فأسبغ الوضوء» وعقِب ذلك شرع في ذكر كيفية الإسباغ، فذكر الشروع في غسل العضد عند غسل اليدين، والشروع في غسل الساق عند غسل الرجلين، مشيراً إلى أن هذا الشروع هو الإسباغ، وعقب ذلك بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا الإسباغ يؤدي إلى زيادة الغرة وزيادة التحجيل، ثم عطف على ذلك بقوله «فمن استطاع منكم فلْيُطِل غُرَّتَه وتحجيله» وهذا القول يفيد استحباب إطالة الغُرَّة والتحجيل، لأنه لم يعزم عليه، وإذن فالشروع في العضد والشروع في الساق مندوبان غير واجبين. وما دام الحديث يتحدث عن الإسباغ المندوب فإن ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام من غسل العضد والمرفق إنما هو أخذٌ بالاستحباب فحسب، فلا يصلح الحديث هذا دليلاً يسند دعواهم على وجوب غسل المرفق.