1ـ إن كانت اللحية كثيفة تستر البشرة فإنها تغسل ولا يغسل ما تحتها، لأن كثافة الشَّعر تقوم مقام الجزء المستور من الوجه فتأخذ حكمه، والدليل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنه من حديث أخرجه البخاري - وقد مرَّ في بحث المضمضة - وجاء فيه « ... ثم أخذ غَرفةً من ماء فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه ... » . ووجه الدلالة لهذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام وكانت لحيته كَثَّةً - قال القاضي عياض: ورد ذلك في أحاديث جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة. ورُوي عن جابر بن سمرة وصفُه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال « ... وكان كثير شعر اللحية ... » رواه مسلم. وعن علي قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل ولا بالقصير ضخم الرأس واللحية ... » رواه أحمد. وكثيرٌ غير ذلك ـ قد غسل وجهه ومن ثم لحيته العظيمة الكثة بغَرفة يد واحدة، مما يجعلنا لا نتصور أن يكون قد استوعب بها غسل الوجه وظاهر اللحية وباطنها، ولا بد من أن يكون الغسل للوجه وظاهر اللحية فحسب. وممن قال بذلك أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي والثوري والليث. وخالفهم عطاء وسعيد بن جبير وأبو ثور وإسحق وأهل الظاهر. وحجة هؤلاء هو ما جاء من تخليل اللحية في الأحاديث مثل: عن عثمان رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته» رواه الترمذي وقال (هذا حديث حسن صحيح) وحسنه البخاري. ومثل: عن أنس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عزَّ وجلَّ» رواه أبو داود. وعن هؤلاء أن هذين الحديثين يفيدان وجوب تخليل اللحية، وهذا غير صحيح، ذلك أن الله سبحانه لم يأمر به في كتابه حين أمر بواجبات الوضوء، ثم إن الأحاديث التي ذكرت وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تذكره، ولو كان واجباً لذُكر هنا وهناك، وغاية ما في الحديثين