وقبل الانتقال إلى الماء المستعمَل بفروعه الثلاثة أود أن أُثْبِت ملاحظة هي أن هذه الأدلة والمناظرات الواقعة بين الفريقين إنما كانت من الفقهاء والأئمة دون صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل دون سائر التابعين، ولكنني قرنت بين الأئمة والتابعين والصحابة لاشتراكهم في الرأي.
الماءُ المستعمَل
اختلف العلماء في الماء المستعمَل كثيراً، وذهبوا فيه مذاهب شتى، وحتى يسهل علينا أن نناقش آراءهم فقد جمعت هذه الآراء في أصول ثلاثة، تاركاً التفاصيل والتفريعات إلى نهاية البحث، إلا ما لا بد من ذكره، فأقول: الماء المستعمل قسمان: قسمٌ مستعمَلٌ في رفع الحدث الأكبر والحدث الأصغر، وقسمٌ مستعمَل فيما سوى ذلك، ونحن سنناقش القسم الأول ثم ننتقل لمناقشة القسم الثاني.
1) ذهب الأئمة في هذا القسم مذاهب ثلاثة، فذهب الليث والأوزاعي ومالك في رواية، وأبو حنيفة في المشهور عنه، والشافعي وأحمد إلى أن الماء المستعمَل في رفع الحدث طاهر ولكنه غير مطهِّر لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجاسة، واستدلوا على رأيهم بالأحاديث التالية:
أ- عن الحَكَم بن عمرو - وهو الأقرع – «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة» رواه أبو داود والترمذي وأحمد. وفي رواية لأحمد وابن ماجة عن الحَكَم بلفظ «وضوء المرأة» . وحسنه الترمذي وصححه ابن ماجة وابن حِبَّان.
ب- عن رجل صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، ولْيغترفا جميعاً» رواه أبو داود والنَّسائي. وصححه ابن حجر.
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يغتسل أحدُكم في الماء الدائم وهو جُنُب، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولاً» رواه مسلم وابن ماجة.