وصرّح ابن حبان بترجيح هذا الثالث من هذه الأقوال، وهو أن المراد بموافقة تأمين أهل الأرض لتأمين أهل السماء، الموافقة في الإخلاص. فقال: “معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “ فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة “. أن الملائكة تقول: آمين. من غير علة رياء وسمعة، أو إعجاب. بل تأمينهما يكون خالصاً لله. فإذا أمّن القارئ لله من غير أن يكون فيه علة من إعجاب، أو رياء، أو سمعة، كان موافقاً تأمينه في الإخلاص تأمين الملائكة، غُفر له حينئذ ما تقدّم من ذنبه”[1].
إلا أن ابن عبد البر ضعّف هذا القول واستبعده، فقال: “وأما قوله في الحديث: “ من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدّم من ذنبه “ ففيه أقوال، منها:
أنه يحتمل أن يكون أراد: فمن أخلص في قوله: (آمين) بنية صادقة، وقلب صاف، ليس بساه، ولا لاه، فيوافق الملائكة الذين في السماء، الذين يستغفرون لمن في الأرض، ويدعون بنيات صادقة، ليس عن قلوب لاهية، غُفر له، إذا أخلص في دعائه. واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا دعا أحدكم، فليجتهد وليخلص. فإن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه” [2]. وقال: “ اجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يُستجاب لكم “ [3]. فكأنه أراد بقوله صلى الله عليه وسلم: “فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة” الذين يُخلصون في الدعاء، [1] انظر: الإحسان 3/146. وتعقبّه الزيلعي في نصب الراية 1/368، فقال: (هذا يندفع بما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى، غُفر له ما تقدم من ذنبه “) . [2] كذا أورده ابن عبد البر. ولعله أراد حديث أبي هريرة المتقدم. [3] جزء من حديث ابن عباس رضي الله عنه. أخرجه مسلم في الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع 4/196.