المطلب الثاني: صفة تأمين المأموم
لا خلاف بين العلماء القائلين بمشروعية التأمين للمأموم، أنه لا يجهر به، إذا أسرّ الإمام بالقراءة. أي: في الصلاة السرِّية، كالظهر، والعصر.
واختلفوا في صفة تأمينه إذا جهر الإمام. أي: في الصلاة الجهرية: كالفجر، والمغرب، والعشاء، والجمعة، والعيدين وغيرها1. اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: إن المأموم يجهر بالتأمين، إذا جهر الإمام بالقراءة.
وإلى هذا القول ذهب: القائلون بمشروعية التأمين له. ومنهم: أصحاب المذاهب الثلاثة: (مالك في رواية المدنيين [2]، والشافعي في القديم وهو الأصح3،
(فائدة) قال في مغني المحتاج 1/161: (يجهر المأموم خلف الإمام في خمسة مواضع، أربعة مواضع تأمين، يؤمّن مع تأمين الإمام، وفي دعائه في قنوت الصبح، وفي قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان، وفي قنوت النازلة في الصلوات الخمس، وإذا فتح عليه) . [2] انظر: التمهيد 7/13، الاستذكار 4/252، الجامع لأحكام القرآن 1/129، بداية المجتهد 1/146، شرح الزرقاني 1/259. وصححه القرطبي.
3 انظر: الحاوي 2/112، حلية العلماء 2/90، الوسيط 2/121، المهذب 1/73، المجموع 3/371، روضة الطالبين 1/247، المنهج القويم 1/194، فتح المعين 1/147، فتح الوهاب 1/74. ووصفه في مغني المحتاج، 1/161، ونهاية المحتاج 1/491: بأنه الأظهر.
تنبيه: اعتبر النووي القول: بعدم جهر المأموم بالتأمين. غلط ممن ذكره. وهو القاضي حسين في تعليقه، أو من الناسخ. فقال في المجموع 3/371: (إن كانت جهرية، وجهر بالقراءة، استُحب للمأموم الجهر بالتأمين، بلا خلاف. نص عليه الشافعي، واتفق الأصحاب عليه للأحاديث السابقة، وفي تعليق القاضي حسين إشارة إلى وجه فيه. وهو غلط من الناسخ، أو من المصنف بلا شك ... ، وأما المأموم، فقد قال المصنف وجمهور الأصحاب.
قال الشافعي في الجديد: لا يجهر. وفي القديم: يجهر. وهذا غلط من الناسخ، أو من المصنف بلا شك، لأن الشافعي قال في المختصر ـ وهو من الجديد ـ: يرفع الإمام صوته بالتأمين، ويُسمع من خلفه أنفسهم. وقال في الأم: يرفع الإمام: يرفع الإمام بها صوته، فإذا قالها قالوها، وأسمعوا أنفسهم. ولا أحب أن يجهروا. فإن فعلوا، فلا شيء عليهم. هذا نصه بحروفه. ويحتمل أن يكون القاضي حسين رأى فيه نصاً في موضع آخر من الجديد) .
والذي يظهر لي: أن ما ذهب إليه النووي من تغليط مَن نسب للشافعي في الجديد، القول بعدم الجهر بالتأمين للمأموم، غير صحيح. بل الصواب معهم. وفيما أورده النووي من نص (المختصر، والأم) ما يدل على خلاف ما ذهب إليه. إذ فرق الشافعي بين تأمين الإمام والمأموم، فعبّر عن تأمين الإمام بأنه: يرفع بها صوته. وأما تأمين المأموم فعبّر عنه، بأنه: يُسمع نفسه. وفرق بين رفع الصوت، وإسماع النفس. بل إن النص الذي أورده من (الأم) فيه التصريح بذلك، إذ جاء فيه: (ولا أحب أن يجهروا) .
ولعل الذي أوقع النووي فيما ذهب إليه، قول الشافعي في (المختصر) : (ويسمع من خلفه أنفسهم) وقوله في (الأم) : (فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم) . فإن ظاهر ذلك: أنهم يجهرون بها، فيُسمعون أنفسهم. فلو أراد عدم الجهر بها، لعبّر عن ذلك بالإسرار. والله أعلم. وانظر: المختصر ص 14، الأم 1/109.