اسم الکتاب : موسوعة الفقه المصرية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 48
إثبات
تعريف الإثبات:
فى اللغة:
فى المصباح: ثبت الشىء يثبت ثبوتا: دام وأستقر، فهو ثابت. وثبت الأمر: صح 0 ويتعدى بالهمزة والتضعيف. وثبت فى الحرب فهو ثبيت مثل قرب فهو قريب، والاسم ثبت، ومنه قيل: للحجة ثبت. وفى المختار: ثبت الشىء من باب دخل وثباتا أيضا. وأثبته غيره وثبته. وتقول: لا أحكم بكذا إلا بثبت: أى إلا بحجة 0
فالإثبات على هذا تقديم الثبت: أى الحجة كالإتحاف تقديم التحفة.
فى الاصطلاح:
يؤخذ من استعمال الفقهاء أن الإثبات بمعناه العام: إقامة الدليل على حق أو على واقعة من الوقائع، وبمعناه الخاص: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التى حددتها الشريعة على حق أو على واقعة معينة تترتب عليها آثار.
آراء الفقهاء فى الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى:
للعلماء فى بيان الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى طريقان:
الأول: حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من أدلة يتقيد بها الخصوم فلا يقبل منهم غيرها. ويتقيد بها القاضى فلا يحكم إلا بناء عليها، وهذا هو رأى الجمهور من العلماء..
جاء فى " الدر المختار" و" حاشية رد المحتار" لابن عابدين: أن طرق القضاء سبعة: البينة، والإقرار، واليمين، والنكول عنه، والقسامة، وعلم القاضى، والقرينة الواضحة التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به (1)
والثانى: عدم تحديد طرق معينة للإثبات يتقيد بها الخصوم أو القاضى 0 بل للخصوم أن يقدموا من الأدلة ما يستطيعون به إقناع القاضى بصحة دعواهم 0 وللقاضى أن يقبل من الأدلة ما يراه منتجا فى الدعوى ومثبتا لها، ومن أكبر أنصار هذا الرأى، العلامة ابن القيم، فقد قال [2] : " إذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأى طريق كان، فثم شرع الله ودينه، فأى طريق استخرج بها العدل والقسط فهى من الدين وليست مخالفة له ".
ومع اتفاق جمهور العلماء على حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من الأدلة فإنهم لم يتفقوا على أنواع هذه الأدلة، فبعضهم يعتبر كلا من اليمين والنكول عنه طريقا للقضاء، وبعضهم لا يعتبره طريقا له.. وقد يتفقون على اعتبار نوع من الأدلة طريقا للقضاء، ولكنهم يختلفون فى نطاق الاستدلال به كشهادة الشاهدين رجلين أو رجل وامرأتين، أجمعوا على أنها طريق للقضاء، ولكنهم اختلفوا: هل تكون فى مسائل الأموال والمعاملات فقط أو فيما عدا الحدود والقصاص من الأموال والنكاح والطلاق 0
والأدلة التي تردد ذكرها فى كتب الفقه كطرق للقضاء أو أدلة يمكن إثبات الدعوى بها بين متفق عليه ومختلف فيه منها، هى: الإقرار، والشهادة، واليمين، والشاهد واليمين، والنكول، وعلم القاضى، والقرينة، والخط والقسامة، والقيافة، والقرعة، والفراسة.
وسنتكلم على كل واحد منها بالترتيب الذى أوردناه.
الإقرار:
الإقرار: إخبار الشخص بثبوت حق للغير على نفسه ولو كان هذا الحق سلبيا، أى بطريق النفى كإقراره بأن لا حق له على فلان، فإنه يثبت للمقر له على المقر حق عدم مطالبته بشىء من الحقوق.
مذهب الحنفية:
والإقرار عند الحنفية: يكون باللفظ وبالإشارة المفهمة من غير القادر على التلفظ كالأخرس. ومعتقل اللسان إذا طال أمده وثبتت له إشارة، وبالكتابة، وبالسكوت كسكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالولد بعد الولادة يكون إقرارا منة بنسبه، وسكوت الزوجة والولد والأجنبى عند بيع العقار بحضرته، يكون إقراراً من الساكت بملكية البائع للعقار المبيع حتى لا تسمع منه دعوى ملكية هذا العقار على المشترى بعد ذلك [3] .
مذهب المالكية:
وعند المالكية: يكون الإقرار باللفظ أو ما يقوم مقامه كالإشارة المفهمة من الأبكم والمريض، والكتابة فى صحيفة أو لوح أو خرقة أو على الأرض، والسكوت كسكوت غريم الميت عند بيع التركة أمامه، لا يقبل منه ادعاء الدين فى التركة بعد ذلك إلا أن يكون له عذر [4] .
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة عند من يجوز الاعتماد عليها، وبالإشارة من الأخرس والمريض العاجز عن الكلام [5] .
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: يكون الإقرار باللفظ والكتابة وبالإشارة المعلومة من الأخرس دون معتقل اللسان والمريض [6] .
مذهب الظاهرية:
تحدث ابن حزم فى"المحلى" عن الإقرار ولم يذكر ما يكون به غير اللفظ من الكتابة والإشارة [7] .
مذهب الزيدية:
وعن الزيدية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة والإشارة المفهمة من الأخرس والمصمت [8] .
واستثنى صاحب " البحر الزخار": اللعان والإيلاء والشهادة والإقرار بالزنا لأنه يعتبر فيها لفظ مخصوص.
مذهب الإمامية:
وعند الشيعة الإمامية: يكون الإقرار باللفظ وتقوم مقامه الإشارة [9] .
حجية الإقرار:
والإقرار حجة علي المقر يؤخذ به ويحكم عليه بمقتضاه وهو أقوى الأدلة لأن احتمال الصدق فيه أرجح من احتمال الكذب إذ العاقل لا يقر عادة ولا يرتب حقا للغير على نفسه إلا إذا كان صادقا فى إقراره.
وحجية الإقرار ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: (وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه (.
أمر صاحب الحق بالإملال، وإملاله هو إقراره، فلو لم يكن حجة عليه ويؤخذ به. لما كان فيه فائدة ولما أمر به.
وقال: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم (والشهادة على النفس هى الإقرار عليها بالحق.
وفى السنة الصحيحة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قبل من ماعز ومن الغامدية الإقرار بالزنا على أنفسهما وعاملهما به وأقام عليهما الحد بناء عليه.
وقد أجمعت الأمة من عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن على أن الإقرار حجة على المقر يؤخذ به جرت على ذلك فى الأقضية والمعاملات.
والإقرار حجة قاصرة على المقر لا يتعداه إلى غيره ولا يمتد أثره إلى من عداه. فمن أقر على غيره بشىء لم يقبل إقراره، ومن ذلك إقرار الوصى والولى على موليه، وإقرار القيم على محجوره فإنه لا يصح. وهذا قدر متفق عليه، ولكنهم اختلفوا مع هذا فى إقرار العبد يكون فيه مساس بحق السيد وماله وإقرار المريض مرض الموت يكون فيه مساس بحق الورثة أو بحق الدائنين.
وإذا استثنينا الظاهرية، فإن الجميع متفقون على عدم صحة إقرار العبد والمريض مرض الموت فى بعض الصور رعاية لحق السيد والورثة والدائنين وعدم الإضرار بهم مما تبين تفاصيله فى مصطلح " إقرار ".
أما الظاهرية فقد قرر ابن حزم الظاهرى فى كتابه [10] : أن إقرار العبد والمريض مرض الموت صحيح فى جميع صوره وأحواله من غير نظر إلى مساس هذا الإقرار بالسيد أو بالورثة والمداينين وتعديه إليهم بالضرر (انظر: إقرار) .
ولا يكون الإقرار حجة، ولا ينبنى عليه أثره إلا إذا صدر صحيحا ومستوفيا جميع الشروط التى ذكرها الفقهاء فى المقر والمقر له والمقر به وفى الصيغة ولم يتصل به ما يفسده أو يغير من موجبه مما هو مفصل ومبسوط فى مصطلح إقرار (انظر إقرار) .
والإقرار حجة بنفسه يثبت به الحق المقر به للمقر له على المقر ويلزمه الوفاء له به دون توقف على قضاء القاضى وحكمه بالاتفاق.
وهناك حالات لا يكفى فيها الإقرار للقضاء والحكم بل لابد من إقامة البينة معه، كما إذا أدعى شخص على مدين الميت إنه وصيه فى التركة، وصدقه المدين فى دعوى الوصاية والدين، فإن القاضى لا يثبت الوصاية بهذا الإقرار إذ الاقتصار عليه لا يفيد مع مدين آخر ينكر الوصاية. وهناك حالات تسمع فيها بينة المدعى بطلبه بعد إقرار المدعى عليه بالحق لفائدة أخرى غير ثبوت الحق، كما فى دعوى شخص على مدين أنه وكيل عن الدائن إذا صدقه المدعى عليه فى دعوى الوكالة ولكنه طلب سماع البينة عليها لتكون يده يد أمانة لا يضمن بالهلاك دون تعد ولتبرأ ذمة المدين بالدفع إليه دون رجوع، فيقبل القاضى البينة. وكما فى دعوى الدين على الميت إذا أقر بها أحد الورثة، أو أقر بها الورثة جميعا، وطلب المدعى سماع البينة ليتعدى الحكم إلى بقية الورثة فى الأولى أو إلى بقية الدائنين فى الثانية، تسمع البينة [11] ، وقد يتم الإقرار ثم
تطرأ أمور تؤثر فيه أصلا أو تؤثر فى مدى حجيته وهى موضع خلاف بين الفقهاء، من ذلك..
دعوى المقر أنه كان كاذبا فى إقراره.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إذا أعطى شخص صكا لآخر يتضمن إقراره بأنه استقرض منه مبلغا من المال، ثم ادعى أنه كاذب فى هذا الإقرار، لا تقبل منه هذه الدعوى عند أبى حنيفة ومحمد وهو القياس لأن الإقرار ملزم شرعا كالبينة بل هو آكد لأن احتمال الكذب فيه أبعد فلا يلتفت إليه، وتقبل عند أبى يوسف فى حق تحليف المقر له اليمين فيحلف على أن المقر صادق فى إقراره بالدين كما تضمنه الصك، فإن حلف ثبت حقه فى الدين وإن نكل فلا شىء له، وهو الإستحسان وعليه الفتوى، لأن العرف جار بكتابة الصك قبل أخذ المال فلا يكون الإقرار دليلا على القبض حقيقة.
ولأن الناس كثرت حيلهم ومخادعتهم، والمقر يضار بعدم التحليف، ولا يضار المقر له بالتحليف إن كان صادقا، فيصار إليه.
وهذا فى غير حقوق الله الخالصة، أما فيها فتقبل دعوى الكذب فى الإقرار، ولا يؤخذ به المقر لما يورثه من الشبهة المؤثرة فى سقوط الحد كما فى الرجوع عن الإقرار [12] .
أما إذا كان تكذيب المقر من الشارع كما إذا أقرت المطلقة بانقضاء عدتها بعد مدة تحتمله ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر بعد الإقرار يثبت نسبه شرعا من المطلق لتيقن قيام الحمل وقت الإقرار،. ويكون حكم الشارع بثبوت نسب الولد تكذيبا للمطلقة فى إقرارها بانقضاء العدة أو كان التكذيب من الحاكم، كما إذا اشترى شخص عينا من آخر، ثم ادعى ثالث علي المشترى ملكية هذه العين، وأنكر المشترى وقرر أنها ملك البائع الذى اشتراها منه، وأثبت المدعى دعواه وحكم له بالعين، فإنه يكون للمشترى حق الرجوع بالثمن علي البائع رغم إقراره بأن العين ملكه، لأن الحكم بملكية العين للمدعى تكذيب له فى إقراره. إذا كان التكذيب من الشارع أو من الحاكم يكون معتبرا ويبطل الإقرار به.
وقال الشافعية: أن المقر يؤخذ بما أقر به، ولا يقبل منه دعوى الكذب فى ذلك [13] .
وفى مذهب الشيعة الإمامية جاء فى شرائع الإسلام [14] : إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن ثم قال أنه لم يقبض الثمن وإنما أشهد بذلك تبعا للعادة، قيل: لا يقبل قوله لأنه مكذب لإقراره، وقيل: يقبل لأنه أدعى ما هو معتاد. وهو الأشبه، إذ هو ليس مكذبا لإقراره بل هو مدع شيئا آخر فيكون على المشترى اليمين.
رجوع المقر عن الإقرار:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إن رجوع المقر عن إقراره بحقوق الله تعالى الخالصة كحد الزنا والشرب والسرقة بالنسبة للقطع، يقبل ويبطل به الإقرار فلا يؤخذ به مطلقا سواء رجع قبل القضاء عليه بموجبه أو بعد القضاء وقبل الشروع فى التنفيذ أو بعد الشروع فيه وقبل تمامه، فلا يحكم عليه إن رجع قبل الحكم ولا يقام عليه إن رجع بعد الحكم وقبل إقامة الحد ولا يتمم عليه الحد. إن رجع بعد الشروع فيه وقبل إتمامه وذلك لاحتمال أن يكون صادقا فى رجوعه فيكون كاذبا فى الإقرار فهو يورث شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، ولأنه يستحب للإمام أن يلقن المقر العدول عن الإقرار كما لقن النبى - صلى الله عليه وسلم- ماعزا حين أقر بالزنا بقوله: (لعلك قبَّلت أو لمست) . ولو لم يكن الرجوع عن الإقرار جائزا لما كانت لهذا التلقين فائدة. والتعليل بأن الرجوع يورث شبهة وهى تؤثر فى الحدود يدل على أن حقوق الله الخالصة التى لا تدرأ بالشبهة، كالزكاة والكفارات، لا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها، أما بالنسبة للمال فى الإقرار بالسرقة فلا يؤثر الرجوع ويجب على المقر ضمان هذا المال.
أما فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والقصاص، والمشتركة بين الله والعباد كحد القذف فلا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها ويبقى الإقرار صحيحا ويؤخذ به المقر حكما وتنفيذا لأن هذه الحقوق تثبت مع الشبهة [15] .
مذهب المالكية:
قال صاحب " التبصرة " [16] : فإن أقر على نفسه وهو رشيد طائع بمال أو قصاص لزمه، ولا ينفعه الرجوع، وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع ولكن يلزمه الصداق والمال.
مذهب الشافعية:
يقول الإمام جلال الدين السيوطى فى" الأشباه والنظائر" [17] : وكل من أقر بشىء ثم رجع عنه لم يقبل، إلا فى حدود الله تعالى، قلت: ويضم إلى ذلك ما إذا أقر الأب بعين للابن فإنه يقبل رجوعه كما صححه النووى فى فتاواه.
مذهب الحنابلة:
يقول صاحب" كشاف القناع " [18] : ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به إلا فيما كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه لأن الحد يدرأ بالشبهة وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات، فلا يقبل رجوع المقر عن الإقرار بها.
مذهب الظاهرية
يقول ابن حزم فى " المحلى " [19] : من أقر لآخر أو لله تعالى بحق فى مال أو دم أو بشرة، وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره، وأقر إقرارا تاما ولم يصله بما يفسده فقيما لزمه ولا رجوع له بعد ذلك، فإن رجع لم ينتفع برجوعه وقد لزمه ما أقر به على نفسه من دم أو حد أو مال. وإن وصل الإقرار بما يفسده بطل كله ولم يلزمه شئ لا من مال ولا من قود ولا حد.
مذهب الزيدية:
جاء فى " البحر الزخار" [20] : ولا يجوز الرجوع عنه إذ هو خبر ماض إلا فى حق الله تعالى لأنه يسقط بالشبهة.
مذهب الإمامية
جاء فى " العناوين" لميرفتاح [21] : أن ذكر ما ينافى الإقرار بعد تحققه غير مسموع لدى ظاهر الأصحاب، ووجهه إطلاق الرواية، فإنه دال على النفوذ مطلقا سواء عقبة بما ينافيه من إنكار وتأويل أو لم يعقبه.
ثم ذكر الخلاف فى مسائل الاستثناء وبدل البعض والفصل والوصل فى ذلك، وهل يتحقق الإقرار بما قبل الاستثناء والبدل فيعتبر منافيا له أو لا يتحقق أصلا لأن الكلام كله واحد.
وجاء فى " المختصر النافع " فى باب الحدود أن الرجوع عن الإقرار بالزنا والقصاص يقبل ويسقط به الحد، فالرجوع عن إقرار عندهم غير مقبول إلا فى حدود الله تعالى الخالصة.
رد الإقرار:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إن الإقرار بغير النسب لا يتوقف على قبول المقر له وتصديقه، ولكنه يرتد برده وتكذيبه للمقر، واستثنوا من ذلك الإقرار بالحرية، فإن أقر السيد بحرية عبده ثبتت حريته وإن كذبه العبد فى إقراره وبالنسب فيما يصح الإقرار فيه من الرجل أو المرأة، لا يبطله الرد من المقر له بالنسب وإن توقف على تصديقه، فإن كذبه فى الإقرار ثم عاد وصدقه ثبت النسب دون حاجة الى إعادة الإقرار ثانياً وبالطلاق إذا أقر بطلاق زوجته وكذبته ثبت الطلاق.
وبالنكاح، إذا أقر بنكاح امرأة وكذبته ثم صدقته ثبت النكاح دون حاجة إلى إقرار آخر.
وكذا الإقرار بالعتق والرق والوقف وكل ما ليس فيه تمليك مال ولو من وجه لا يرتد بالرد، وما كان فيه تمليك المال ولو من وجه يرتد بالرد، وإذا قبل ثم رد لا يقبل الرد.
وفى كل موضع يرتد فيه الإقرار بالرد إذا أعاد المقر إقراره ثانيا بعد الرد فصدقه المقر له صح الإقرار [22] .
مذهب المالكية:
يقول صاحب" التبصرة " [23] : ويشترط أن يكون المقر له أهلا للاستحقاق وألا يكذب المقر، وإذا أكذب المقر له المقر ثم رجع لم يفده إلا أن يرجع المقر إلى الإقرار ومثل ذلك فى العقد المنظم للحكام أبو محمد عبد الله ابن عبد الله بن سلمون الكنانى [24] .
مذهب الحنابلة:
يقول صاحب" كشاف القناع " [25] : " ومن أقر لكبير عاقل بمال فى يده، فلم يصدقه المقر له بطل إقراره لأنه لا يقبل قوله عليه فى ثبوت ملكه ويستمر بيد المقر لأنه كان فى يده فإذا بطل إقراره بقى كأنه لم يقر به فإن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه ولم يقبل بعد ذلك أن يدعيه المقر له أو لا مطلقا.
مذهب الزيدية:
جاء فى " البحر الزخار" [26] : ولا يصح لمعين إلا بمصادقته، وقال الإمام يحيى: يكفى السكوت فإن رد بطل إذ شهادته على نفسه أولى، ولا يعتبر قبول المقر له، إذ ليس بعقد لكن يبطل بالرد ويكون المقر به لبيت المال.
ما يلحق الإقرار من البيان
قد يلحق المقر بإقراره كلاما يغير من معنى الإقرار ودلالته تغييرا كليا أو جزئيا بطريق الاستثناء بأداة من أدواته أو بالمشيئة أو بطريق الاستدراك أو بطريق التكلم بكلام يغير من معنى الإقرار أو يرفع من حكمه بالنسبة للمقر له أو للمقر به فى مقداره أو فى وصفه أو فى نحو ذلك، ويكون ذلك متصلا أو منفصلا.
وقد أفاض الفقهاء فى مختلف المذاهب فى شرح أنواع هذا البيان وأساليبه وما يترتب على كل منها من أحكام وآثار، ومحل ذلك كله ومجاله فى مصطلح إقرار (انظر: إقرار) .
نصاب الإقرار
مذهب الحنفية:
لابد لثبوت الزنا بالإقرار عند الحنفية من أن يقر الشخص على نفسه أربع مرات فى أربعة مجالس بالاتفاق، وفى حد القذف والشرب والسرقة يكفى أن يقر مرة واحدة عند أبى حنيفة ومحمد، ومرتين عند أبى يوسف وزفر، ويكفى الإقرار مرة فيما عدا ذلك [27] .
مذهب المالكية:.
يكفى الإقرار مرة واحدة لثبوت المقر به ومؤاخذة المقر بإقراره فى كل شىء حتى فى حد الزنا [28] .
مذهب الشافعية:
ومذهب الشافعية كمذهب المالكية يكفى الإقرار مرة واحدة فى كل شىء [29] .
مذهب الحنابلة:
يشترط الإقرار أربع مرات فى الزنا، ومرتين فى السرقة والحرابة (قطع الطريق) والقصاص، ومرة واحدة فى غير ذلك (30)
مذهب الظاهرية:
يكفى الإقرار مرة واحدة فى كل شىء من حد أو قتل أو مال [31] .
مذهب الزيدية:
يشترط فى الإقرار بالزنا تكراره أربع مرات وتكراره مرتين فى الإقرار بالسرقة، ويكفى الإقرار مرة فيما عدا ذلك (32)
مذهب الإمامية
يلزم الإقرار أربع مرات فى الزنا واللواط والسحق، ومرتين فى القذف والسرقة والشرب والقيادة ومرة واحدة فى غير ذلك (33)
اليمين:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن اليمين ليست من طرق القضاء بالحق لأنها لا تكون عندهم إلا من جانب المدعى عليه حين ينكر الدعوى ويعجز المدعى عن الإثبات ويطلب تحليفه اليمين على نفى دعواه ويوجه القاضى إليه اليمين فإن حلف منع المدعى من دعواه بتقرير رفضها وبقى المدعى به المتنازع عليه فى يد المدعى عليه لعجز المدعى عن إثبات ملكه فيه لا قضاء به للمدعى عليه بناء على اليمين، ويسمى قضاء ترك.
ومن ثم يبقى المدعى على دعواه وعلى حقه إذا أقام بينة عليها قضى له بموجبها ما لم يكن قد قرر أنه لا بينة له فإنه لا تقبل منه البينة ثانيا إلا عند محمد.
ولو كان ترك المدعى به فى يد المدعى عليه قضاء له به بناء علي اليمين لما نقض هذا القضاء بعد ذلك، فجعل اليمين من طرق القضاء عند الحنفية إنما هو بحسب الظاهر فقط باعتبار أن القضاء يقطع الخصومة وفى قضاء الترك قطع للخصومة غالبا لأن الإثبات بالبينة بعد العجز عنها نادر [34] .
وليس القصد من هذه اليمين هو التوصل للقضاء بالترك، فهو ليس بقضاء كما ذكرنا، وإنما القصد منها هو توصل المدعى إلى نكول المدعى عليه عن الحلف ليقضى عليه بالحق بناء على هذا النكول الذى يعتبر طريقا للقضاء عند الحنفية.
بناء على أنه بذل أو إقرار كما سيأتى بيانه.
ومن ثم قالوا:إن اليمين حق للمدعى ملكه الشارع إياها، وأوجبها له على المدعى عليه.
فقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم - للمدعى: (لك يمينه) واللام للتمليك.
وقال: (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه) .
و (على) تفيد الوجوب، غير أنها لا تجب على المدعى عليه ولا تتوجه عليه ولا يعتبر ناكلا إذا امتنع عن الحلف إلا بشروط سيأتى تفصيلها فى الكلام على النكول ولا يحلف فيما لا يجرى فيه البذل والإقرار كالحدود واللعان والنسب، ولا ترد اليمين على المدعى ولا يقضى له بيمينه وحدها أو بها مع شاهد عند الحنفية مطلقا على ما سيأتى بيانه.
واستدلوا بما رواه الإمامان أحمد ومسلم أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، لكن اليمين علي المدعى عليه) ، وأخرجه البيهقى بإسناد صحيح بلفظ: (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) . فحصر اليمين فى جانب المدعى عليه ولم يجعلها من جانب المدعى.
مذهب المالكية والشافعية:
ويرى المالكية والشافعية: أن اليمين إذا توجهت على المدعى عليه بطلب المدعى حين لا تكون له بينة فإن حلفها سقطت دعوى المدعى، ثم هل يعود إليها ويجددها ويقدم عليها البينة أو لا يعود؟ بحث طويل ليس هنا مجال تفصيله، انظر فى تفصيله مصطلح" دعوى".
ويشترط المالكية لجواز توجيه اليمين إلى المدعى عليه أن يكون بينه وبين المدعى خلطة وتعامل لئلا يستذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم، واستثنوا من هذا الشرط الصناع والتجار وأهل الأسواق فيما يدعى عليهم تتوجه عليهم اليمين وإن لم تكن خلطة، كما استثنوا حالة قيام تهمة أو عداوة أو ظلم، ولا يحلف إلا فيما يجرى فيه الإقرار، أما إذا نكل المدعى عليه عن الحلف أو اعتبر ناكلا بالامتناع عن الحلف أو بالسكوت عن الجواب فإنه لا يقضى عليه بالنكول عند المالكية والشافعية كما يقول الحنفية.
وإنما ترد اليمين على المدعى بطلب المدعى عليه أو من القاضى دون طلبه بعد أن يعذر إليه بقوله: إن حلفت وإلا حلف المدعى وقضيت له عليك بالحق المطلوب، لأن النكول ليس من طرق القضاء عندهم لأنه يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة كما هو الشأن فى المسلم، والترفع عن اليمين الصادقة كما فعل عثمان - رضى الله عنه - حين طلب المقداد منه الحلف وامتنع وقال لعمر: أخاف أن يوافينى قضاء فيقول الناس هذا بسبب يمينه الكاذبة، ويحتمل اشتباه الحال على الناكل فلا يدرى أصادق فيحلف أم كاذب فيمتنع.
ومع هذه الاحتمالات لا يمكن اعتبار النكول حجة وطريقا للقضاء وإذا ردت اليمين على المدعى، فإن حلف قضى له بما يدعيه قضاء استحقاق.
وتكون اليمين هنا كبينة المدعى أو كإقرار المدعى عليه، قولان: والأظهر عند أصحاب الشافعى أنها كإقرار المدعى عليه وسواء أكانت كالبينة أو كالإقرار فإنها تعتبر الطريق إلى القضاء بالحق شرعا مع النكول كما سيجىء التصريح به فى النكول 0
واستدلوا بما رواه الدارقطنى من حديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رد اليمين على طالب الحق، وما روى عن على أنه حلف المدعى بعد نكول المدعى عليه [35] .
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة: أن اليمين تكون من جانب المدعى عليه إذا طلب المدعى تحليفه عند عدم البينة ووجهها إليه القاضى فإن حلف أخلى سبيله لأنه لم يتوجه عليه حق.
وإن نكل عن الحلف قضى عليه بالحق المدعى بناء على النكول إذا طلب المدعى ذلك.
ويجب أن يقول له الحاكم: إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول، لأن النكول ضعيف فوجب اعتضاده بذلك.
ولا ترد اليمين عندهم على المدعى مطلقا لا بطلب المدعى عليه ولا من القاضى لقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: (اليمين على المدعى عليه) حصرها فى جهة المدعى عليه فلم تشرع لغيره.
وفيما رواه أحمد أن عثمان قضى على ابن عمر بالنكول.
ولا يحلف المدعى عليه عندهم إلا فى حق لآدمى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه) ، ولا يقضى بالنكول إلا فى الأموال وما يقصد به المال. أما حقوق الله تعالى كالحدود والعبادات والكفارات والنذور فلا يستحلف فيها المدعى عليه ولا يقضى عليه بالنكول إلا أن يتضمن الحد حقا للعبد كدعوى السرقة توصلا للضمان أو لرد المسروق، فإنها تسمع ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمى.
والنكول عندهم كإقامة بينة لا كإقرار إذ لا يتأتى ذلك مع الإنكار ولا كبذل لأنه قد يكون تبرعا ولا تبرع هنا [36] .
جاء هذا فى " كشاف القناع "، ولم يحك فيه خلافا. ولكن صاحب المغنى حكى خلاف أبى الخطاب فى رد اليمين على المدعى [37] فقال: واختار أبو الخطاب أن له رد اليمين على المدعى فإن ردها حلف المدعى وحكم له بما ادعاه.
ثم ساق الاستدلال للقولين.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى المحلى [38] : فإن لم يكن للطالب بينه وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شىء من الأشياء أصلا. ولا ترد اليمين على الطالب البتة، ولا ترد يمين أصلا إلا فى ثلاثة مواضع، وهى القسامة، والوصية فى السفر إذا لم يشهد عليها إلا الكفار، وإذا أقام المدعى على دعواه شاهدا واحدا فإنه يحلف معه ويقضى له بالحق، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرىء فإن نكل أجبر على اليمين.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية [39] : إذا أنكر المدعى عليه الدعوى ولم تكن للمدعى بينة فى المجلس لزمت اليمين المدعى عليه بطلب المدعى فى غير حقوق الله تعالى المحضة إذ لا يحلف فى هذه الحقوق عندهم وبشروط أخرى. فإن حلف المدعى عليه حكم بسقوط دعوى المدعى وإن نكل حكم عليه بالحق بمقتضى النكول عند الهادى والناصر، إذا كان النكول فى المجلس. وذلك فى غير الحدود والقصاص والنسب.
أما هذه فلا يحكم فيها بالنكول وإن نكل ثم أراد الحلف إن كان قبل الحكم أجيب وأن كان بعده لا يجاب. وإن حلف المدعى عليه اليمين ثم أحضر المدعى البينة قبلت منه قبل الحكم ولا تقبل بعده، وفى " البحر الزخار": واليمين شرعت لقطع الخصومة فى الحال إجماعا لا لقطع الحق فتقبل البينة بعدها، إذ البينة العادلة حق من اليمين الفاجرة، وقيل: لقطع الحق فلا تقبل البينة.
مذهب الإمامية:
جاء فى " المختصر النافع" [40] : وإن قال المدعى لا بينة لى عرفه الحاكم أن له اليمين (أى له تحليف المدعى عليه) ، ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعى، فإن تبرع أو أحلفه الحاكم لم يعتد بها وأعيدت مع التماس المدعى ثم المنكر، أما أن يحلفه أو يرد أو ينكل فإن حلف سقطت الدعوى ولو ظفر له المدعى بمال لم يجز له المقاصة.
ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه ولو أقام بينة لم تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.
ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته، فإن رد اليمين على المدعى صح فإن حلف استحق وإن امتنع سقطت، ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضى عليه بالنكول وهو المروى، وقيل: يرد اليمين على المدعى فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل الحق، ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه.
الشاهد واليمين:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: لا يصح القضاء بالشاهد الواحد ويمين المدعى، لأن اليمين لم تشرع من جانب المدعى مطلقا، وإنما شرعت من جانب المدعى عليه فى الحديث المشهود: (البينة علي المدعى واليمين على من أنكر) قسم بينهما، والقسمة تنافى الشركة والألف واللام فى البينة واليمين للجنس، وإذا كان قد جعل من جانب كل منهما جنسا فقبول اليمين من جانب المدعى يخالف ذلك.
وقد رسم الله تعالى طريق الإثبات فى الآية الكريمة: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم.. الآية ([41] . وجعل الشاهد الواحد واليمين طريقا للإثبات من جانب المدعى يخالف ذلك [42] .
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى صحة القضاء بالشاهد الواحد واليمين من جانب المدعى، لما رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد وما رواه أحمد والدارقطنى عن على بن أبى طالب أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق.
وقالوا: أن الإثبات بالشاهد واليمين إنما يقبل فى الأموال وما يقصد به المال من العقود كالبيع والشراء والإقالة والحوالة والضمان والشفعة والرهن، ونكول اليمين بعد إقامة الشاهد وتعديله [43] .
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية، يقول ابن حزم فى " المحلى " [44] : قال أبو محمد قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبى- صلى الله عليه وسلم - بالقضاء باليمين على المدعى عليه، وأنه لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بينتك أو يمينه، ليس لك إلا ذلك) .
فصح يقينا أنه لا يجوز أن يعطى المدعى بدعواه دون بينة. وبطل أن يعطى شيئا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه لأنه أعطى بالدعوى.
وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام - على المدعى عليه.
ووجب بذلك ألا يعطى المدعى يمينا أصلا إلا حيث جاء النص بأن يعطاها.
وليس ذلك إلا فى القسامة فى المسلم يوجد مقتولا وفى المدعى يقيم شاهدا عدلا فقط.
وهذا صريح فى القول بصحة القضاء بالشاهد الواحد واليمين من جانب المدعى.
مذهب الزيدية.
جاء فى " شرح الأزهار" وهامشه: واعلم أنه يكفى شاهد واحد ويمين المدعى فتقوم اليمين مقام شاهد ولو كان الحالف فاسقا فإن يمينه تقوم مقام شاهد.
وقال الناصر: لا تكفى يمين المدعى مع الشاهد الواحد إلا حيث يكون عدلا مرضيا.
ويقبل الشاهد الواحد مع يمين المدعى فى كل حق لآدمى محض دون حق الله المحض وبعض حق الله المشوب أيضا فلا يقبل فيه ذلك، وذلك كالحدود والقصاص لقوله- صلى الله عليه وسلم -: (أمرنى جبريل عليه السلام أن أحكم بشاهد ويمين) .
وفى "البحر الزخار": ويحكم بشاهد ويمين إذ قضى به - صلى الله عليه وسلم - فى روايات وقضى به عمر وعثمان رضى الله عنهما، ولا يحكم بذلك إلا فى حق لآدمى محض لا فى الحدود والقصاص إجماعا [45] .
مذهب الإمامية:
جاء فى "المختصر النافع" [46] : ويقضى بالشاهد واليمين فى الأموال والديون ولا يقبل فى غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.
ويشترط شهادة الشاهد أولا وتعديله ولو بدأ باليمين وقعت لاغية ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة - أى إقامة الشاهد -.
وجاء فيما كتبه بعض علمائهم للجنة الموسوعة أن طائفة منهم تأملوا فى اشتراط الترتيب واختاروا عدم اشتراطه وقواه فى مستند الشيعة فى باب القضاء.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية [47] : ولا يجوز عند أصحابنا أن يحكم الحاكم بشاهد ويمين المدعى ...
يمين الاستظهار:
الأصل عند الحنفية أنه متى أقام المدعى بينة شرعية على دعواه حكم له بالحق الذى يدعيه دون توقف على شىء آخر.
ولكنهم قالوا: إن هناك مسائل يتوقف الحكم فيها للمدعى على حلفه يمينا بصيغة معينة، ومن أظهر هذه المسائل ما إذا ادعى شخص دينا فى تركة ميت وأثبت دعواه بالبينة الصحيحة، فإن القاضى لا يحكم له بما يدعيه إلا بعد أن يحلف بالله ما استوفى هذا الدين من الميت ولا من أحد أداه إليه عنه ولا قبضه قابض بأمره ولا أبرأه منه ولا من بعضه ولا أحيل به ولا بشىء منه على أحد ولا عنده به ولا بشىء منه رهن.
وتسمى هذه اليمين عندهم يمين الاستظهار وهى حق للتركة، ومن ثم يوجهها القاضى إلى المدعى ولو لم يطلب الخصم المدعى عليه كالوصى والوارث توجيهها لاحتمال أن يكون هناك غريم آخر أو موصى له، وهذا باتفاق الإمام وصاحبيه وهذه اليمين ليست جزءا من الدليل: وإنما هى شرط فلو حكم بدون استحلاف لا ينفذ حكمه.
وهناك مسائل يستحلف فيها المدعى بعد الإثبات بدون طلب من الخصم، على رأى أبى يوسف، احتياطا [48] .
مذهب المالكية:
وعند المالكية: تسمى هذه اليمين يمين القضاء ويمين الاستبراء.
قال صاحب " التبصرة " فى باب القضاء بالبينة المقامة مع اليمين [49] . وصورة ذلك أن يشهد شاهدان لرجل بشىء معين فى يد آخر، فإنه لا يستحقه حتى يحلف أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن يده بطريق من الطرق المزيلة للملك وهو الذى عليه الفتيا والقضاء.
وقال ابن رشد: ويمين القضاء متوجهة على من يقوم على الميت أو الغائب أو على اليتيم أو على الأحباس أو على المساكين وعلى كل وجه من وجوه البر وعلى بيت المال وعلى من استحق شيئا من الحيوان، ولا يتم الحكم إلا بها.
ثم ذكر مسألة دعوى الدين فى تركة الميت ووجوب التحليف فيها، وذكر أن هذه اليمين واجبة مع شهادة السماع لاحتمال أن يكون أصل السماع من شاهد واحد، والشاهد الواحد لابد معه من اليمين.
ويدل كلامه على أن هذه اليمين متممة للدليل.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: يحلف المدعى اليمين مع البينة فى الدعوى على الغائب والصبى والمجنون والميت، وتسمى عندهم يمين الاستظهار كالحنفية، وقالوا: إنه لا يتعرض فى هذا اليمين لصدق الشهود بخلاف اليمين مع الشاهد الواحد يتعرض فيها لصدق الشاهد.
وعلل الشروانى فى حاشيته هذا الحكم بقوله: " لكمال الحجة هنا " وهذا صريح فى أن هذه اليمين ليست جزءا من الدليل.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: لا يلزم تحليف المدعى اليمين مع البينة التامة فى الدعوى على الغائب والصغير والمجنون والمستتر والممتنع " أن حقه باق " لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) ولكن الاحتياط تحليفه خصوصا فى هذه الأزمنة لاحتمال أن يكون قضاه أو غير ذلك [50] .
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية: جاء فى " المختصر النافع " ([51]) " ولا يستحلف المدعى مع بينة إلا فى دعوى الدين علي الميت، يستحلف على بقائه فى ذمته استظهارا فهم يسمونها يمين الاستظهار كالحنفية".
النكول:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن النكول طريق للقضاء وحده يبنى عليه القاضى حكمه بالحق لصاحبه بناء عليه دون حاجة إلى شىء آخر، كرد اليمين على المدعى.
لما روى عن سالم بن عبد الله بن عمر: أن أباه باع عبدا وأراد المشترى أن يرده بعيب، ولما اختصما إلى عثمان - رضى الله عنه - قال لابن عمر: احلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه فأبى فقضى عليه برد العبد.
وكان شريح يجرى فى قضائه فى خلافة عمر على ذلك.
والنكول: إما حقيقى، وهو أن يقول المدعى عليه: لا أحلف.
وإما حكمى، وهو أن يسكت عن الحلف والامتناع عنه مع عدم الآفة من صمم أو خرس.
ولا يصير النكول حجة عند الحنفية يباح للقاضى أن يحكم بناء عليها إلا إذا توافرت شروط صحته، بأن يكون فى مجلس القضاء وبعد عرض اليمين فيه، فإذا حصل العرض فى غير المجلس أو حصل العرض فيه وحصل النكول فى غيره لم تتوفر الحجة ولم يجز الحكم بمقتضاه، وأن يكون النكول عن يمين واجبة على المدعى عليه شرعا، وأن تكون بناء على عرض القاضى حتى لو امتنع عن حلف يمين موجهة من الخصم لا يعتبر ناكلا.
ولا تكون اليمين واجبة شرعا إلا إذا كان المدعى عليه منكرا للحق المدعى به وكانت بطلب المدعى إلا فى الأشياء التى يحلف فيها القاضى من غير طلب. وألا تكون للمدعى بينة حاضرة بمجلس القضاء. وأن تكون الدعوى صحيحة شرعا. وألا يكون المدعى به حقا خالصا لله تعالى كالحدود وما فى حكمها كاللعان.
وأن يكون المدعى به مما يجوز الإقرار به شرعا من المدعى عليه ولا يقضى بالنكول فى القصاص فى النفس، وإنما يحبس الناكل حتى يحلف أو يقر عند الإمام أبى حنيفة.
ويجب عله المال عند الصاحبين، وللمدعى عند النكول أن يقدم بينة على دعواه ليبنى الحكم عليها ويتعدى إلى غير المدعى عليه، لأن النكول فى معنى الإقرار وهو حجة قاصرة على صاحبه لا يتعداه إلى غيره بخلاف البينة.
والقضاء بالنكول لا يمنع المقضى عليه من أن يدفع دعوى المدعى المحكوم فيها بدفع يبطلها ويقيم عليه البينة فيثبت وينقض به الحكم المبنى على النكول، بشرط ألا يكون الدفع مناقضا لما تضمنه النكول الذى هو بمثابة الإقرار.
ولو قضى بالنكول ثم أراد المدعى عليه أن يحلف لا يلتفت إليه لأنه أبطل حقه، أما لو أراد الحلف قبل القضاء جاز لأن النكول لا يعتبر حجة ملزمة إلا إذا اتصل به القضاء.
وقد اختلف الإمام والصاحبان فى اعتبار النكول بذلا أو إقرارا وترتب على هذا الخلاف خلاف فى بعض المسائل والأحكام، مجال تفصيلها فى مصطلح نكول (انظر: نكول) [52] .
مذهب المالكية والشافعية:
ويرى المالكية والشافعية أن النكول ليس طريقا للقضاء، ولا يحكم القاضى بالمدعى بناء عليه وحده، وإنما ترد اليمين على المدعى بطلب المدعى عليه أو من القاضى فإن حلف قضى له به بما طلب وإن نكل سقطت دعواه، لأن النكول ليس بينة ولا إقرارا، وهو حجة ضعيفة فلا يقوى على الاستقلال بالحكم فإذا حلف معه المدعى قوى جانبه فاجتمع اليمين من جانبه والنكول من جانب المدعى عليه فقام مقام الشاهدين أو الشاهد واليمين [53] .
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة أن النكول حجة يبنى عليه الحكم، فإذا توجهت اليمين على المدعى عليه من القاضى: بطلب المدعى ونكل قال له القاضى إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول، فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول إذا سأله المدعى ذلك: ولا ترد اليمين على المدعى إلا فى رأى أبى الخطاب على ما ذكره صاحب المغنى: والنكول عندهم كإقامة بينة وليس بمثابة الإقرار لأنه لا يتأتى جعل الناكل مقرا مع إنكاره كما أنه ليس بمثابة البذل لأن البذل قد يكون تبرعا ولا مجال للتبرع هنا.
ولا يقضى بالنكول إلا فى الأموال وما يقصد به المال كالعقود والمعاملات مما تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين المدعى [54] .
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية فإن لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شىء من الأشياء أصلا. ولا ترد اليمين على الطالب البتة [55] .
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية: جاء فى" شرح الأزهار" [56] : وإذا لم يكن للمدعى بينة فى المجلس فطلب يمين المنكر فنكل اليمين فإنه يجب عليه ذلك الحق بالنكول وهذا مذهب الهادى والناصر.
وإنما يحكم بالنكول إذا وقع فى مجلس الحاكم سواء نكل مرة أو أكثر إلا فى الحد والنسب فإنه لا يحكم فيهما بالنكول وإذا سكت المدعى عليه ولم يجب أو قال: لا أقر ولا أنكر، فلا يحكم عليه بالنكول ولكن يحبس حتى يقر أو ينكر فيطلب منه اليمين وإن نكل، ولو نكل المدعى عليه عن اليمين ثم أجاب إلى الحلف وجب أن يقبل اليمين بعد النكول ما لم يحكم فلا يقبل، لأن النكول ليس بإقرار حقيقة ولا يجب به الحق إلا بعد الحكم.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية، جاء فى "المختصر النافع" [57] : ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضى عليه بالنكول، وهو المروى 0 وقيل: يرد اليمين على المدعى، فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل، وإن بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه.
الشهادة:
إتفق الفقهاء جميعا على أن الشهادة من طرق القضاء، لقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء (. (واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ([58] . (وأشهدوا ذوى عدل منكم ([59] .
وقوله - صلى الله عليه وسلم-: (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) وإجماع الأمة على أنها حجة يبنى عليها الحكم، غير أنها ليست حجة بنفسها إذ لا يثبت بها الحق ولا يلزم من عليه أن يؤديه إلا إذا اتصل بها القضاء.
هل فى الشهادة معنى الولاية؟
ما فى الشهادة من معنى الولاية
صرح الحنفية والشافعية بأن الشهادة فيها معنى الولاية ورتبوا على ذلك عدم قبول شهادة بعض الطوائف لعلة انعدام الولاية فيهم، وندد ابن القيم بذلك وقال:إنه معلوم البطلان والشهادة لا تستلزمه [60] .
ومجال ذلك وبيانه فى مصطلح " شهادة "، (انظر شهادة) .
مراتب الشهادة ونصابها:
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية إن الشهادة على أربع مراتب:
المرتبة الأولى: الشهادة على الزنا ونصابها أربعة رجال، فلا تقبل فيها شهادة النساء، ولا شهادة عدد من الرجال أقل من أربعة، لقوله تعالى: (واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ([61] .
وهذا إذا أريد إثبات الزنا لأجل إقامة الحد أما إذا أريد إثباته لأجل حق آخر يترتب على ثبوته، فلا يشترط فيه هذا العدد بل يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو بالنكول، كما إذا علق الزوج طلاق زوجته على الزنا، وادعت الزوجة حصوله وأنكر الزوج فأثبتته بالبينة أو طلبت تحليفه فنكل يثبت وتطلق المرأة ولكن لا يحد الزوج.
المرتبة الثانية: الشهادة على بقية الحدود والقصاص فى النفس أو فيما دونها، ونصابها رجلان، ولا تقبل فيها شهادة النساء لأنها تندرىء بالشبهات:" إدرأوا الحدود بالشبهات ". وشهادة النساء فيها شبهة البدلية عن شهادة الرجال، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، وإن لم تكن بدلا عنها حقيقة، ولما قال الزهرى: مضت السنة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفيتين من بعده لا شهادة للنساء فى الحدود والقصاص.
وهذا إذا أريد بإثبات ما ذكر إقامة الحدود والقصاص، أما إذا أريد إثبات حق آخر فلا تشترط الذكورة، كما إذا علق عتق عبده على شرب الخمر، فإنه يجوز إثبات الشرب بشهادة رجل وامرأتين، ويعتق العبد ولكن لا يحد المشهود عليه بالشرب لعدم توفر الشرط فى الشهادة.
المرتبة الثالثة: الشهادة على ما لا يطلع عليه الرجال عادة من عيوب النساء فى المواضع التى لا يطلع عليها الرجال كالبكارة والثيوبة والولادة والرتق والقرن، وفيها تكفى شهادة امرأة واحدة واثنتان أحوط لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه " وقول حذيفة رضى الله عنه: أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة القابلة على الولادة.
المرتبة الرابعة: سائر الحقوق والمسائل غير ما تقدم، كالبيع والشراء وسائر العقود والمعاملات والحقوق المالية والنكاح والطلاق والوصية والوقف والقتل الذى موجبه المال، ونصاب ذلك كله رجلان أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى " واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء" والآية وإن كانت فى مقام حفظ الحق والتوفق له إلا أن القصد من الحفظ إثبات هذه الحقوق عند التجاحد والتخاصم أمام الحاكم وذلك يقتضى إقامة الشهادة عند الحاكم ووجوب أخذ الحاكم بها وإلا لما ظهرت مزية الحفظ [62] .
مذهب المالكية:
وقال المالكية: إن البينات أنواع:
الأول الشهادة على رؤية الزنا، وهذا متفق على أن نصابه أربعة رجال ولا تقبل فيه شهادة النساء، وقد ألحقوا بهذا النوع أحكاما لابد فيها من أربعه شهود وحكوا فيها خلافا، منها الشهود الذين يحضرون لعان الزوجين، والمذهب أن أقلهم أربعة.
الثانى: الشهادة فيما ليس بمال ويطلع عليه الرجال غالبا، كالنكاح والطلاق والنسب والشرب والقذف والوكالة وقتل العمد، وهذه لا تثبت إلا بشهادة رجلين ولا مدخل فى شىء منها للنساء.
الثالث: الشهادة فى الأموال وحقوقها كالآجال والخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطأ والقرض والبيع وما فى بابه، وكذا ما يتعلق بالمال كإثبات التوارث والوكالة بطلب المال، ونصاب الشهادة فيها اثنان: رجلان أو رجل وامرأتان.
والرابع: أحكام لا يطلع عليها الرجال غالبا كالولادة والبكارة والثيوبة وعيوب النساء مما تحت ثيابهن، وهذه تجزىء فيها شهادة امرأتين.
وهناك ما يقبل فيه رجل واحد يؤدى علما وخبرة كالطبيب والقائف والترجمان، وما تقبل فيه امرأة واحدة كما فى عيوب الأمة التى لا يطلع عليها الرجال إذا كانت حاضرة، وفى ثبوت الرضاع [63] .
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية: يشترط للزنا واللواط وإتيان البهيمة والميتة، أربعة رجال بالنسبة للحد أو التعزير، لقوله تعالى: (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ([64] .
أما بالنسبة لوقوع طلاق علق عليه، فيثبت برجلين لا بغيرهما.
ويشترط للمال عين أو دين أو منفعة، ولكل ما قصد به المال من عقد أو فسخ مالى كبيع وإقالة ورهن وشفعة ووراثة، ولكل حق مالى كخيار وأجل وجناية توجب مالا: رجلان أو رجل وامرأتان. ويشترط لغير ذلك مما ليس بمال ولا يقصد منه المال من عقوبة لله تعالى كحد شرب، أو لآدمى كقود وحد قذف، ولما يطلع عليه الرجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وإعسار، رجلان لا رجل وامرأتان. إذ لا تقبل فيه شهادة النساء لقول الزهرى: مضت السنة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تجوز شهادة النساء فى الحدود ولا فى النكاح ولا فى الطلاق.
ويشترط لما يختص بمعرفته النساء أو لا يراه الرجال غالبا، كبكارة وضدها، ورتق وقرن، وولادة وحيض وعيوب تحت الثياب، رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة وحدهن للحاجة، ولا يحكم بشاهد واحد إلا فى هلال رمضان [65] .
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: إن أقسام المشهود به سبعة: أحدها الزنا واللواط فلا يقبل فيهما أقل من أربعة رجال لقوله تعالى: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (.
وقول النبى - صلى الله عليه وسلم - لهلال ابن أمية: (أربعة شهداء وإلا حد فى ظهرك) .
واللواط من الزنا، وكذا الشهادة على الإقرار بهما، لابد فيها من أربعة رجال يشهدون أنه أقر أربعا.
والثانى: دعوى الفقر، فلا يقبل قول من عرف بالغنى أنه فقير إلا بثلاثة رجال، لحديث مسلم: (حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة) .
والثالث: بقية الحدود كحد القذف والشرب وقطع الطريق فلا تثبت بأقل من رجلين وكذا القود، لقول الزهرى: مضت السنة على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ألا تقبل شهادة النساء فى الحدود.
والرابع: ما ليس بعقوبة ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والطلاق والنسب والإيصاء، والتوكيل فى غير المال فلا يقبل فيه أقل من رجلين.
والخامس: فى موضحة ونحوها (نوع من جراحة الرأس) وداء بعين وداء دابة فيقبل فيه طبيب واحد وبيطار واحد إن تعذر إشهاد اثنين عليه فإن لم يتعذر فلابد من اثنين.
والسادس: فى مال وما يقصد به المال كالبيع وأجله وخياره والرهن والمهر والشركة والشفعة وجناية الخطأ فيقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (وسياق الآية يدل على الاختصاص بالأموال والإجماع منعقد على ذلك، ولا تقبل شهادة أربع نسوة فأكثر مقام رجلين.
والسابع: ما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والحيض والولادة والاستهلال. وجراحة فى حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره الرجال.
فتقبل فيه شهادة امرأة واحدة، لما روى حذيفة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة القابلة وحدها.
وروى أبو الخطاب عن ابن عمر أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (يجزىء فى الرضاع شهادة امرأة واحدة) ، والأحوط اثنتان وإن شهد به رجل كان أولى لكماله [66] .
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم فى " المحلى" [67] : ولا يجوز أن يقبل فى الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة أو رجلا واحدا وست نسوة، أو ثمان نسوة فقط. ولا يقبل فى سائر الحقوق كلها من الحدود والدماء وما فيه القصاص والنكاح والطلاق والرجعة والأموال إلا رجلان مسلمان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك أو أربع نسوة كذلك.
ويقبل فى كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب، ويقبل فى الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل..
مذهب الزيدية:
جاء فى " شرح الأزهار" [68] : واعلم أنه يعتبر فى الزنا وإقراره أربعة رجال أصول، فلا يقبل فى الشهادة على الزنا ولا على الإقرار به شهادة دون أربعة رجال ولا شهادة النساء والفروع أى الشهادة على الشهادة وفى حق الله كحد الشارب ولو مشوبا كحد القاذف والسارق للقطع، وفى القصاص: يعتبر رجلان أصلان، ولا تقبل فيه شهادة النساء ولا الفروع وفى عورات النساء وما لا يطلع عليه الرجال منهن تقبل معه امرأة عدلة: الحرائر والإماء سواء، وفيما عدا حقوق الله المحضة والمشوبة والقصاص وما ذكر يقبل فيه رجلان أو رجل واحد وامرأتان أو شاهد ويمين المدعى سواء فى نكاح أو طلاق أو نسب أو مال، ولا يقبل شاهد ويمين فى أصل الوقف بل لابد من رجلين أصليين.
مذهب الإمامية:
فى مذهب الشيعة الإمامية: جاء فى " المختصر النافع" [69] :ولا تقبل شهادة النساء فى الهلال والطلاق، وفى قبولها فى الرضاع تردد أشبهه القبول، ولا تقبل فى الحدود، وتقبل مع الرجال فى الرجم على تفصيل يأتى. وفى الجراح والقتل بأن يشهد رجل وامرأتان، ويجب بشهادتهن الدية لا القود، وفى الديون مع الرجال، ويقبلن منفردات فى البكارة وعيوب النساء الباطنة، وتقل شهادة القابلة فى ربع ميراث المستهل الذى يصرخ عند الولادة، وامرأة واحدة فى ربع الوصية، وكذا كل امرأة يثبت شهادتها فى أربعا حتى يكملن أربع فتقبل شهادتهن فى الوصية أجمع.
وفى كفاية الأحكام من باب الشهادات تقبل فى عيوب النساء والاستهلال والنفاس والحيض والولادة والرضاع شهادة امرأتين مسلمتين وإذا لم يوجد إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه.
وفى كتاب "شرائع الإسلام ": وتقبل شهادة امرأتين مع رجل فى الديون والأموال 0
وفى المختصر [70] : ويثبت الزنا بالإقرار أو البينة، ولا يكفى فى البينة اقل من أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين ولو شهد رجلا ن وأربع نساء يثبت بهم الجلد لا الرجم. ولا تقبل شهادة ست نساء ورجل ولا شهادة النساء منفردات، ولو شهد ما دون الأربع لم يثبت وحدوا للفرية.
وجاء فيه أن حد القذف والسكر والسرقة يثبت بشهادة عدلين وكذا المحارب، وفى القصاص يثبت بالبينة شاهدين لا شاهد وامرأتين، وفى إتيان البهائم ووطء الأموات يثبت بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمات.
مذهب الإباضية:
جاء فى " شرح النيل " [71] : وتقبل من عدلين حرين بالغين عاقلين أو امرأتين كذلك مع عدل ولو وجد عدلان إلا فى زنا. وترد من نساء فى الحدود مطلقا، الرجم والجلد والتعزير والنكال والحد وقطع السارق، فلا تقبل مع الرجال كما لا تقبل منهن وحدهن وقيل:ترد منهن فى الزنا رجما أو جلدا وتقبل فى غيره، وتقبل منهن فيما لا يباشره الرجال كرتق وعفل وبكارة وثيوبة وبيان حمل وحياة مولود وموته عند ولادته، ومن قابلة أمينة فإن قولها بحياة المولود وموته ونحو ذلك مقبول، إن لم تجر لنفسها أو لمن لا تشهد له نفعا أو تدفع ضررا.
واختلفوا فى نصاب النساء فيما لا يباشره الرجال فقيل: أمينة وقيل: أمينتان بمنزلة رجل، وقيل: أربع، كل اثنتين بمنزلة رجل
شهادة غير المسلمين:
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية: إن الشهادة فيها معنى الولاية، ومن ثم لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم لانعدام الولاية (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ([72] . وتقبل شهادة المسلم على غير المسلم لتحقق المعنى. وكذا شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض، وإن اختلفت مللهم لأن الذمى من أهل الولاية على نفسه وأولاده وهو يجتنب ما يعتقده محرما فى دينه والكذب محرم فى الأديان كلها. ولا تقبل شهادة المستأمن على مثله مع اختلاف الدار بينهما لانقطاع الولاية، وقالوا أيضا: لا تقبل شهادة غير العاقل ولا الصبى ولا المملوك لأنهم ليسوا من أهل الولاية [73] .
مذهب المالكية والشافعية:
وقال المالكية والشافعية: لا تجوز شهادة غير المسلمين مطلقا لا على المسلمين، ولا على بعضهم البعض سواء اتحدت ملتهم أو اختلفت وسواء أكان فى السفر أم فى الحضر، لقوله تعالى: (ممن ترضون من الشهداء (.
وقوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم (.
وذكر ابن القيم فى الطرق الحكمية [74] : إن الإمام مالكا أجاز شهادة الطبيب الكافر حتى علي المسلم للضرورة.
وذكر ابن حزم فى " المحلى" [75] : أن المالكية أجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم [76] .
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: لا تجوز شهادة غير المسلم ولو كان من أهل الذمة مطلقا لا عل مسلم ولا على مثله اتحدت ملتهم أو اختلفت لقوله تعالى: (واشهدوا ذوى عدل منكم (، وغير المسلم ليس منا ولأنه غير مأمون.
واستثنوا حالة الوصية فى السفر، فأجازوا شهادة أهل الكتاب بالوصية فى السفر ممن حضره الموت من مسلم وكافر عند عدم وجود مسلم، فتقبل شهادتهم فى هذه الحالة فقط ولو لم تكن لهم ذمة لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ([77] ، وأجاب غيرهم بأن معنى قوله: (آخران من غيركم (: أى من غير عشيرتكم، أو أن الآية منسوخة بقوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم ([78] .
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى " المحلى" [79] : لا يجوز أن يقبل كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم، حاشا الوصية فى السفر فقط، فإنه يقبل فى ذلك مسلمان أو كافران من أى دين كانا، أو كافر وكافرتان أو أربع كوافر، ويحلف الكفار ههنا مع شهادتهم، بعد الصلاة بالله لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذن لمن الآثمين.
برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ([80] . والكافر فاسق فوجب ألا يقبل.
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض (الآية، فوجب أخذ حكم الله تعالى كله، وأن يستثنى الأخص من الأعم ليتوصل بذلك إلى طاعة الجميع.
مذهب الزيدية:
(81) ولا تصح من كافر حربى وثنى أو ملحد أو مرتد مطلقا، ولا من غيرهم على مسلم إجماعا لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الإسلام يعلو) .
ويقبل الذمى على أهل ملته كالمسلم على مثله بخلاف الحربى لانقطاع أحكامهم،.
فأشبه المرتد، ولا تقبل على مسلم إجماعا ولو على وصيته فى السفر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقبل شهادة ملة على ملة إلا ملة الإسلام، فإنها تجوز على الملل كلها) .
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية، جاء فى " المختصر النافع" [82] : وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل، ولا تقبل شهادة أحدهم على المسلم ولا غيره. وهل تقبل علي أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة، والأشبه المنع.
وفى كتاب " شرائع الإسلام": أن شهادة غير المسلم تقبل على المسلم وغيره فى الوصية مع عدم حضور عدول المسلمين، ولا يشترط كون الموصى فى غربة.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية، جاء فى " شرح النيل" [83] : والإجماع على عدم قبول شهادة الكفار على المسلمين، وتجوز شهادة مشرك على مشرك من ملته، وبعضهم يجيز شهادة أعلاهم على من دونه كنصرانى على يهودى، ويهودى على مجوسى.
وتقبل من كتابى على مثله فى ملته، ويهودى على يهودى، ونصرانى على نصرانى، وترد من ذى ملة على أخرى فوقها أو دونها [84] .
وقيل: يجوز كل ملة شرك على ملة شرك أخرى، وجوزت من أهل ملة على أهل ملة دونها لا فوقها.
ومن قال: الشرك كله ملة واحدة أجاز شهادة كل ملة على أخرى.
الشهادة على النفى
مذهب الحنفية:
الأصل عند الحنفية أن الشهادة على النفى لا تقبل، ولكنهم قالوا: إذا توافرت شروط التواتر فى الشهادة على النفى تقبل، كما إذا ادعى شخص على آخر أنه اعتدى عليه بالضرب أو بالقذف فى يوم كذا فى مكان كذا، وحدده. فأقام المدعى عليه بينة على أنه لم يكن فى ذلك اليوم فى ذلك المكان بل كان فى مكان كذا،وتواتر بين الناس أنه كان حقيقة فى المكان المذكور فى اليوم المذكور،وكذلك إذا كان النفى شرطا لثبوت أمر وجودى مترتب عليه، كقول الشخص: إن لم أدخل الدار اليوم فامرأتى طالق أو عبدى حر، فبرهنت المرأة أو العبد على أنه لم يدخل الدار في هذا اليوم تقبل،لأن الغرض من إثبات الشرط فى الواقع إثبات الجزاء وهو الطلاق أو العتق،وكذلك إذا كان النفى يحيط به علم الشاهد،كما إذا قال الزوج للمرأة: بلغك النكاح؟ فسكتت،وقالت: رددت، فأقام بينة على سكوتها،تقبل. لأن السكوت فى مجلس محدد الطرفين مما يحيط به الشاهد القائم علي المجلس وكذلك لو كان النفى ضمن إثبات،كما إذا اختلفا فى أن المرضع أرضعت الصغير بلبن شاة أو بلبن نفسها، فشهدت البينة بأنها أرضعته بلبن شاة لا بلبن نفسها تقبل لأن النفى هنا داخل ضمن الإثبات فإن قولهما أرضعته بلبن شاه يتضمن أنها لم ترضعه بلبن نفسها، وقولهما بعد ذلك: لا بلبن نفسها تصريح بالنفى الذى تضمنه الإثبات، وكشهادة الشاهدين بانحصار إرث المتوفى فى أولاده زيد وعمرو وخالد،ولا وارث له سواهم. جاء فى " فروع الدر" من باب القبول وعدمه فى الشهادات: " شهادة النفى المتواتر مقبولة ".
وفى تعليق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك: " وذكر فى الهامش فى النوادر عن الثانى، شهدا عليه بقول أو فعل يلزم عليه بذلك إجارة أو بيع أو كتابة أو طلاق أو عتاق أو قتل أو قصاص فى مكان أو زمان وصفاه،فبرهن المشهود عليه أنه لم يكن ثمة يومئذ،لا تقبل.
لكن قال فى المحيط فى الحادى والخمسين: إن تواتر عند الناس، وعلم الكل عدم كونه فى ذلك المكان والزمان فلا تسمع الدعوى ويقضى بفراغ الذمة لأنه يلزم تكذيب الثابت بالضرورة، والضروريات مما لا يدخله الشك عندنا.
وفى هذا التعليق أيضا: وذكر الناطفى: أمن الإمام أهل مدينة من دار الحرب فاختلطوا بمدينة أخرى وقالوا: كنا جميعا فشهدا أنهم لم يكونوا وقت الأمان فى تلك المدينة يقبلان، إذا كانا من غيرهم.
وذكر الإمام السرخسى: أن الشرط وإن نفيا كقوله إن لم أدخل الدار اليوم فامرأته كذا، فبرهنت على عدم الدخول اليوم يقبل.. لأن الغرض إثبات الجزاء، وقد علل صاحب الفتح قبول بينة الزوج على سكوت المرأة فى مجلس بلوغها النكاح بقوله: لأنها لم تقم على النفى بل على حالة وجودية فى مجلس يحاط بطرفيه أو هو نفى يحيط به الشاهد فيقبل.
وقد ذكرت هذه الفروع وغيرها فى " جامع الفصولين "، وذكر أن الشهادة فيها قبلت على النفى [85] .
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية يقول " صاحب التبصرة " [86] : قال القرافى: اشتهر على ألسنة الفقهاء أن الشهادة علي النفى غير مقبولة، وفيه تفصيل. فإن النفى قد يكون معلوما بالضرورة أو بالظن الغالب الناشئ عن الفحص، وقد يعرى عنهما.
فهذه ثلاثة أقسام:
الأول: تجوز الشهادة به اتفاقا كما لو شهد أنه ليس فى هذه البقعة التي بين يديه فرس ونحوه، فإنه يقطع بذلك، وكذلك يجوز أن يشهد أن زيدا لم يقتل عمرا بالأمس لأنه كان عنده فى البيت لم يفارقه، أو أنه لم يسافر لأنه رآه فى البلد فهذه شهادة صحيحة بالنفى.
الثانى: يجوز الشهادة بالنفى مستندا إلى الظن الغالب، ومن ذلك الشهادة على حصر الورثة وأنه ليس له وارث غير هذا، فمستند الشاهد الظن، وقد يكون له وأرث لم يطلع عليه، فهى شهادة على النفى مقبولة.
الثالث: ما عرى عنهما، مثل أن يشهد أن زيدا لم يوف الدين الذى عليه أو ما باع سلعته ونحو ذلك، فهذا نفى غير منضبط، وإنما تجوز الشهادة علي النفى المضبوط قطعا أو ظنا.
مذهب الشافعية:
وفى مذهب الشافعية: يقول الإمام الجلال السيوطى فى " الأشباه والنظائر" [87] : الشهادة على النفى لا تقبل إلا فى ثلاثة مواضع:
أحدها: الشهادة علي أنه لا مال له وهى شهادة الإعسار.
الثانى: الشهادة على أنه لا وارث له.
الثالث: أن يضيفه إلى وقت مخصوص، كأن يدعى عليه بقتل أو اتلاف أو طلاق فى وقت كذا فيشهد له بأنه ما فعل ذلك فى هذا الوقت فإنها تقبل فى الأصح.
مذهب الحنابلة:
وفى مذهب الحنابلة: أن الشهادة على النفى مقبولة إذا كان النفى مضبوطا ويحيط به علم الشارع أو كان يستند إلى علم أو دليل ظني.
جاء فى " كشاف القناع " [88] : وإن شهدا لمن ادعى إرث ميت أنه وأرثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة بصحبة أو معاملة أو جوار
أو لا، لأنه قد ثبت إرثه والأصل عدم الشريك فيه.
وإن قالا: لا نعلم له وارثا غيره فى هذا البلد أو بأرض كذا، فكذلك. لأن الأصل عدمه فى غير هذا البلد وقد نفيا العلم به فى هذا البلد فصار فى حكم المطلق.
إلى أن قال الموفق فى فتاويه: إنما احتاج إلى إثبات أن لا وارث له سواه لأنه يعلم ظاهرا، فإنه بحكم العادة يعرفه جاره ومن يعرف باطن أمره بخلاف دينه علي الميت لا يحتاج إلى إثبات ألا دين له سواه لخفاء الدين ولا ترد الشهادة على النفى المحصور.
بدليل المسألة المذكورة ومسألة الإعسار، والبينة فيه تثبت ما يظهر ويشاهد، بخلاف شهادتهما: لا حق له عليه ويدخل فى كلامهم إن كان النفى محصورا قبلت كقول الصحابى، دعى النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، وكان يأكل لحما مشويا من شاة يحتز منه بالسكين فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ.
قال القاضى: لأن العلم بالترك والعلم بالفعل سواء فى هذا المعنى، ولهذا نقول إن من قال: صحبت فلانا فى يوم كذا فلم يقذف فلانا قبلت شهادته كما تقبل فى الإثبات.
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية: لا تقبل الشهادة على النفى إلا إذا كان النفى يقتضى الإثبات وكان متعلقا به.
جاء فى " شرح الأزهار" [89] : واعلم أن الشهادة لا تصح على نفى نحو أن يشهد الشهود أنه لا حق لفلان على فلان أو أن هذا الشىء ليس لفلان، إلا أن يقتضى الإثبات ويتعلق به نحو أن يشهدوا أنه لا وارث لزيد سوى فلان، فإن هذا نفى لكنه يقتضى أن فلانا هو الذى يستحق جميع الميراث، فاقتضى النفى الإثبات مع كونه متعلقا به لأن كونه الوارث وحده يتعلق بأنه يستحق جميع الميراث، فلو اقتضاه ولكن ليس بينهما تعلق لم تصح نحو أن يشهدوا أنه قتل أو باع فى يوم كذا فى موضع كذا، ثم شهد آخران أن الفاعل أو الشهود أو المشهود بقتله فى ذلك اليوم فى موضع آخر غير الذى شهدوا على وقوع الفعل فيه، فإنها شهادة على النفى أى أنه ما قتل وما باع فى ذلك الموضع فلا تصح لأنها وإن تضمنت العلم ببراءة المشهود عليه. لكن ليس بين كونه فى موضع كذا فى يوم كذا وبين القتل والبيع تعلق، فلم تصح لعدم التعلق.
وقال بعضهم: تصح، لأنها تضمنت العلم ببراءة الفاعل وهذا غاية التعلق فصحت.
وفى " البحر الزخار": ولا تصح على نفى كلاحق لفلان ونحوه، إلا حيث يمكن اليقين كعلى إقرار بنفى، أو أنه لم يكن بحضرتنا [90] .
وهذا يضيف جواز الشهادة على النفى الذى يتيقن به.
مذهب الإمامية:
تقبل شهادة فى دعوى الإعسار، فلو شهدت البينة بالإعسار مطلقا دون تعرض لتلف المال المعلوم أصله وغيره لم تقبل حتى تكن مطلعة على باطن أمره بالصحبة المؤكدة، وكذا تقبل فى دعوى المواريث فى دار فى يد إنسان ادعى آخر أنها له ولأخيه الغائب إرثا عن أبيهما وأقام بينة، فإن كانت كاملة وشهدت أنه لا وارث له سواهما سلم إليه النصف ونعنى بالكاملة ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة [91] .
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية جاء فى " شرح النيل" [92] : وإن شهد الشاهدان أنه قتله فى موضع كذا وقت كذا، وشهد آخران له أنه فى ذلك الوقت فى موضع كذا، فإنه يقتل وبطلت بينته.
وقال وائل بن أيوب: " سقط القتل عنه ". فهو يذكر رأيين فى المسألة كما ذكر فى مذهب الزيدية.
الشهادة على الشهادة:
تقبل الشهادة على الشهادة فى المذاهب الثمانية [93] بشروط وأوضاع مفصلة فى المذاهب ومجال بيانها فى مصطلح شهادة (انظر: شهادة)
علم القاضى
يقول الحنفية: إذا كان القاضى قد استفاد علمه بحقيقة الحادثة المعروضة عليه فى زمن قضائه وفى المكان الذى يتولى القضاء فيه، فإن كانت الحادثة فى حد خالص لله تعالى كحد الزنا والشرب فلا يجوز له القضاء فيها بعلمه للشبهة الموجبة لدرء الحد، وإن كانت فى حد فيه حق للعبد كحد القذف أو فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والعقود المقصود منها المال من البيع والشراء والقرض أو غير الأموال كالنكاح والطلاق والقتل، يجوز القضاء فيها بعلمه، وهذا بالاتفاق بين الإمام وصاحبيه. أما إذا كان قد استفاد علمه بحقيقة الحادثة قبل توليه القضاء أو بعد توليه القضاء ولكن فى غير المكان الذى يتولى القضاء فيه ولو علم بها فى مصر آخر حال قضائه ثم عاد إلى مصره فرفعت إليه وعلم بها وهو قاض فى مكان قضائه ثم عزل ثم أعيد إلى القضاء فعرضت عليه الحادثة، ففى هذه الحالات كلها، لا يجوز له أن يقضى بعلمه عند الإمام أبى حنيفة، سواء كانت فى حدود الله الخالصة أو فى غيرها من الحدود الأخرى أو حقوق العباد المالية أو غير المالية.
وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد: يجوز له أن يقضى بعلمه فى تلك الحالات جميعها إلا فى حدود الله الخالصة، فإنه لا يجوز له أن يقضى فيها بعلمه كما قال الإمام غير أنه فى حد الشرب إذا أتى بشخص فى حالة سكر ينبغى له أن يعزره لأجل التهمة ولا يكون ذلك من باب القضاء ولا إقامة الحد إذ له تعزير المتهم فإن لم يثبت عليه، هذا هو رأى المتقدمين من فقهاء الحنفية، أما المتأخرون منهم فقد أفتوا بعدم جواز قضاء القاضى بعلمه فى زماننا فى شىء أصلا لغلبة الفساد فى القضاة.
وقد روى عن الإمام أبى حنيفة أن القاضى إذا علم بطلاق أو عتق أو غصب، أمر بأن يحال بين المطلق ومطلقته والمعتق وأمته والغاصب وما غصبه، بأن يجعل المطلقة أو الأمة أو المغصوبة تحت يد أمين إلى أن يثبت ما علمه القاضى بطريق شرعى ببينة أو إقرار أو نكول وذلك لكيلا يقربها المطلق أو السيد أو الغاصب، وهذا علي وجه الحسبة لا على وجه القضاء.
ومذهب المتأخرين هو المعتمد وعليه الفتوى وعليه العمل الآن، ومن ثم يمكن القول بأن علم القاضى ليس طريقا للقضاء على المعتمد فى مذهب الحنفية.
جاء فى" تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار": واعلم أن الكتابة بعلمه كالقضاء بعلمه فى الأصح، فمن جوزه جوزها ومن لا فلا، إلا أن المعتمد عدم حكمه بعلمه فى زماننا " أشباه " وفيها الإمام يقضى بعلمه فى حد قذف وقود وتعزير.
قلت: فهل الإمام قيد؟ لم أره.
لكن فى شرح " الوهبانية للشرنبلالى"، والمختار الآن عدم حكمه بعلمه مطلقا كما لا يقضى بعلمه فى الحدود الخالصة لله تعالى كزنا وخمر مطلقا،غير أنه يعزر من به أثر السكر للتهمة.
وعن الإمام أن علم القاضى فى طلاق وعتاق وغصب يثبت الحيلولة على وجه الحسبة لا القضاء. وعلق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك بما يأتى ملخصا: وشرط جوازه عند الإمام أن يعلم فى حال قضائه فى المصر الذى هو قاضيه بحق غير حد خالص لله تعالى من قرض أو بيع أو غصب أو تطليق أو قتل عمد أو حد قذف، فلو علم قبل القضاء فى حقوق العباد ثم ولى فرفعت إليه تلك الحادثة أو علمها فى حال قضائه فى غير مصره، ثم دخله فرفعت إليه لا يقضى عنده، وقالا يقضى. وكذا الخلاف لو علم بها وهو فاض فى مصره ثم عزل ثم أعيد.
وأما فى حد الشرب وحد الزنا فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقا،إلا أن المعتمد عند المتأخرين عدم جواز حكمه بعلمه لفساد قضاة الزمان.
وعبارة الأشباه: والفتوى اليوم على عدم العمل بعلم القاضى فى زماننا وهذا موافق لما مر من الفرق بين الحد الخالص لله تعالى وبين غيره ففى الأول:لا يقضى اتفاقا بخلا ف غيره فيجوز القضاء فيه بعلمه وهذا على قول المتقدمين وهو خلاف المفتى به، وإذا علم القاضى بالسكر يعزره للتهمة لأن القاضى له تعزير المتهم وان لم يثبت عليه، وإن علم بالطلاق أو العتق أو الغصب، يأمر بالحيلولة بين المطلق وزوجته والمعتق وأمته أو عبده، والغاصب وما غصبه، بأن يجعله تحت يد أمين إلى أن يثبت ما عمله القاضى بوجه شرعى على وجه الاحتساب وطلب الثواب لئلا يطأها الزوج أو السيد الغاصب لا على طريق الحكم بالطلاق أو العتاق أو الغصب [94] .
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية: إن القاضى يقضى بعلمه ويعتمد عليه فى الجرح والتعديل فى الشهود اتفاقا، أما غير ذلك من الأشياء ففيه خلاف، والعمل علي أنه لا يعتمد على علمه.
جاء فى " تبصرة " [95] وفى "مختصر الواضحة " إذا كان الحاكم عالما بعدالة الشاهد حتى أنه لو لم يكن حاكما لزمه تعديله إذا سئل عنه فذلك الذى يجيز شهادته على علمه ولا يعدله لا سرا ولا علانية، وإن سأله ذلك المشهود عليه، وكذلك إذا علم الحاكم من الشاهد جرحه حتى أنه لو لم يكن حاكما لزمه أن يجرحه إذا سئل عنه، فلا يعدله لا سرا ولا علانية ولا يقبل شهادته، وأن عدله المشهود له عنده بجميع أهل بلده. ثم قال: واختلف فى حكمه بما أقر به الخصمان بين يديه، فقال مالك وابن القاسم لا يحكم بعلمه فى ذلك.
وقال عبد الملك بن الماجشون: يحكم وعليه قضاة المدينة، ولا أعلم أن مالكا قال غيره.
وبه قال مطرف وسحنون وأصبغ، والأول هو المشهور.
وقال فى " المتيطية ": قال الشيخ عبد الرحمن فى مسائله: قول ابن القاسم أصح لفساد الزمان ولو أدرك عبد الملك وسحنون زماننا لرجعا عما قالاه، ولو أخذ بقولهما لذهبت أموال الناس وحكم عليهم بما لم يقروا به ثم إذا حكم بعلمه فى ذلك فعلى قول مالك وأبن القاسم ينقضه هو كما ينقضه غيره وجاء فى كتاب "العقد المنظم " للحكام للقاضى الفقيه ابن سلمون الكنانى على "هامش التبصرة" [96] يعتمد القاضى على علمه فى التجريح والتعديل اتفاقا، ولا يحكم بعلمه فى شىء من الأشياء كان مما أقر به أحد الخصمين عنده أم لا، إلا أن يشهد عليه بذلك شاهد عدل، قاله ابن القاسم وبه العمل.
وقال ابن الماجشون: يحكم عليه بما أقر به عنده وإن لم يشهد عليه، وهو قول عيس وأصبغ وسحنون، وليس به عمل.
مذهب الشافعية:
وفى مذهب الشافعية: يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه فى غير الحدود الخالصة لله تعالى، أما فيها فلا يقضى بعلمه لسقوطها بالشبهة ولأنه يندب فيا الستر.
جاء فى " حواشى التحفة " [97] : والأظهر أن القاضى يقضى بعلمه، أى بظنه المؤكد الذى يجوز له الشهادة مستندا إليه، وأن استناده قبل ولايته بأن يدعى عليه مالا وقد رآه القاضى أقرضه ذلك أو سمع المدعى عليه أقر بذلك.
ولابد أن يصرح بمستنده ليقول: علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمى. فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه ولابد أن يكون ظاهر التقوى والورع، إلا فى حدود وتعازير الله تعالى، كحد زنا أو محاربة أو سرقة.
أو شرب لسقوطها بالشبهة مع ندب سترها فى الجملة، أما حقوق الآدميين فيقضى فيها سواء المال والقود وحد القذف،ويقضى بعلمه فى الجرح والتعديل والتقويم قطعا.
مذهب الحنابلة:
وفى مذهب الحنابلة: ليس للقاضى أن يقضى بعلمه مطلقا إلا فى الجرح والتعديل جاء فى " كشاف القناع " [98] : ولا خلاف أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة فى مجلسه وهو محل نفوذ حكمه إذا سمعه معه شاهدان،لأن التهمة الموجودة فى الحكم بالعلم منفية هنا، فإن لم يسمعه أى الإقرار أو البينة معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد فله الحكم أيضا فى رواية حرب،لأنه ليس حكما بمحض العلم ولا يضر رجوع المقر.
وقال القاضى: ليس له الحكم لأنه حكم بعلمه.
والأولى أن يحكم إذا سمعه معه شاهدان خروجا من الخلاف،فأما حكمه بعلمه فى غير ذلك مما رآه أو سمعه قبل الولاية أو بعدها فلا يجوز لقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: (إنما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون إلى،ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع متفق عليه.
فدل على إنه يقضى بما سمع لا بما علم، إلا فى الجرح والتعديل فيعمل بعلمه فى ذلك لأن التهمة لا تلحقه فيه،لأن صفات الشهود معنى ظاهر.
بل قال القاضى وجماعة: ليس هذا بحكم،لأنه يعدل هو ومجرح غيره، ويجرح هو ويعدل غيره،ولو كان حكما لم يكن لغيره نقضه. وفى الطرق الحكمية: الحكم بالاستفاضة ليس من حكمه بعلمه فيحكم بما استفاض وإن لم يشهد به أحد عنده.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى " المحلى" [99] : وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه فى الدماء والقصاص والأموال والفروج والحدود وسواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم " أن يكون " بعلمه لأنه يقين الحق ثم بالإقرار ثم بالبينة.
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الزيدية،جاء فى " شرح الأزهار وهامشه " [100] : وله القضاء بما علم إلا فى حد غير القذف فلا يجوز له أن يحكم فيه بعلمه لقوله تعالى: (لتحكم بين الناس بما أراك الله ([101] ومن حكم بعلمه فقد حكم بما أراه الله وعلم القاضى أبلغ من الشهادة،ولقول أبى بكر: لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى تقوم به البينة عندى.
فأما فى حد القذف والقصاص والأموال فيحكم فيها بعلمه سواء علم ذلك قبل قضائه أو بعده لتعلق حق الآدمى بحد القذف، وفى السرقة يقضى بعلمه لأجل المال لا لأجل الحد.
وفى " البحر الزخار" [102] : وله القضاء بما علم فى حق الآدمى وإن لم تقم بينة لعموم قوله تعالى: (فاحكم بينهم بالقسط (ولإذنه- صلى الله عليه وسلم - لهند أن تأخذ الكفاية من مال زوجها وإن كره،وذلك قضاء بالعلم،ولأن الشهادة إنما تثمر الظن فالعمل بالعلم أولى، ولا يقضى بعلمه فى حد غير القذف لخبر أبى بكر ولندب ستره، وجاز فى حد القذف لتعلق حق الآدمى به.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الإمامية: أجازو للإمام أن يحكم بعلمه مطلقا، واختلفوا فى غيره من الحكام، فقيل: يجوز له أن يحكم بعلمه مطلقا وهو الأشهر، وقيل يجوز ذلك فى حقوق العباد دون حقوق الله، وقيل:بالعكس.
وفى كفاية الأحكام من باب القضاء: الإمام يحكم بعلمه مطلقا، والأشهر فى غيره جواز الحكم بالعلم مطلقا، وقال ابن إدريس: يجوز حكمه فى حقوق الناس دون حقوق الله. ونقل فى " المسالك " عن ابن الجنيد عكس ذلك.
وفى "المختصر النافع" [103] : للإمام أن يقضى بعلمه مطلقا فى الحقوق، ولغيره فى حقوق الناس، وفى حقوق الله قولان.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية يقول صاحب " شرح النيل" [104] : ولا يحكم الحاكم بعلمه فى شىء علمه قبل أن يكون قاضيا أو بعد أن كان قاضيا إلا ما علمه فى مجلس قضائه أو التزكية.
وقيل: يحكم بما علم فى منزله الذى يقضى فيه، وقيل فى البلد الذى هو قاض عليه، ومعنى مجلس القضاء المكان الذى يجلس للقضاء فيه. وقيل: ما علمه من لسان الخصمين حال محاكمتهما عنده، والقولان فى المذهب.
إلى أن قال: والمذهب أنه يقضى بما علم فى مجلس قضائه، والصحيح أن مجلس القضاء مجلسه حين تداعى الخصمين.
القرينة القاطعة:
وهى التى توجد عند الإنسان علما بموضوع النزاع والاستدلال يكاد يكون مماثلا للعلم الحاصل من المشاهدة والعيان.
مذهب الحنفية:
قد ذكر ابن الغرس من فقهاء الحنفية فى كتابه " الفواكه البدرية ": أن طريق القاضى إلى الحكم يختلف باختلاف المحكوم به والطريق فيما يرجع إلى حقوق العباد المحضة عبارة عن الدعوى والحجة. وهى إما البينة أو الإقرار أو اليمين أو النكول عنه أو القسامة أو علم القاضى بما يريد أن يحكم به أو القرائن الواضحة. التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به، فقد قالوا: لو ظهر إنسان من دار بيده سكين وهو متلوث بالدماء سريع الحركة عليه أثر الخوف فدخلوا الدار على الفور فوجدوا فيها إنسانا مذبوحا بذلك الوقت ولم يوجد أحد غير ذلك الخارج، فإنه يؤخذ به، وهو ظاهر إذ لا يمترى أحد فى أنه قاتله. والقول بأنه ذبحه آخر ثم تسور الحائط أو أنه ذبح نفسه، احتمال بعيد. إذ لم ينشأ عن دليل، وبذلك كانت القرينة القاطعة طريقا للقضاء مثل البينة والإقرار.
هذا ما ذكره ابن الغرس، وقد تعقبه الخير الرملى فى " حاشية المنح " بأن هذا غريب خارج عن الجادة فلا ينبغى التعويل عليه ما لم يعضده نقل من كتاب معتمد ونقل فى تكملة رد المحتار عن صاحب البحر، أنه قال: إن مدار القرينة القاطعة على ابن الغرس وأنه لم يرما قاله لغيره.
وقال صاحب " التكملة ": والحق أن هذا محل تأمل، ولا يظن أن فى مثل ذلك يجب القصاص مع أن الإنسان قد يقتل نفسه، وقد يقتله آخر ويفر، وقد يكون أراد قتل الخارج فأخذ السكين وأصاب نفسه فأخذها الخارج وفر منه وخرج مذعورا، وقد يكون اتفق دخوله فوجده مقتولا فخاف من ذلك وفر وقد تكون السكين بيد الداخل فأراد قتل الخارج ولم تخلص منه إلا بالقتل، فصار من باب دفع الصائل، الدفاع عن النفس فلينظر التحقيق فى هذه المسألة [105] .
وفى رسالة نشر العرف فى بناء بعض الأحكام على العرف من مجموعة رسائل ابن عابدين قال، بعد أن ذكر طائفة من المسائل والفروع التى بنى فيها المتأخرون الأحكام والفتاوى على العرف المتغير، ويقرب من ذلك مسائل كثيرة أيضا حكموا فيها قرائن الأحوال العرفية كالحكم بالحائط بمن له اتصال أثر بيع ثم لمن له عليه أخشاب لأنه قرينة على سيق اليد، وجواز الدخول بعن زفت إليه ليلة العرس وإن لم يشهد عدلان بأنها زوجته. وساق مسائل كثيرة منها ما ذكره ابن الغرس سالف الذكر.
ثم قال: ولكن لابد لكل من المفتى والحاكم من نظر سديد واشتغال مديد ومعرفة بالأحكام الشرعية والشروط المرعية فإن تحكيم القرائن غير مطرد ألا ترى لو ولدت الزوجة ولدا أسود وادعاه رجل أسود يشبه الولد من كل وجه فهو لزوجها الأبيض ما لم يلاعن.
وحديث ابن زمعة فى ذلك مشهور، عن عائشة - رضى الله عنها- قالت: اختصم سعد ابن أبى وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ابن وليدة بن زمعة فقال سعد: يا رسول الله، ابن أخى عتبة بن أبى وقاص، عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه.
وقال عبد بن زمعة: هذا آخى يا رسول الله ولد على فراش أبى فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة، فقال: (هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، احتجبى منه يا سودة بنت زمعة) .
قال فلم ير سودة قط [106] : والقرائن مع النص لا تعتبر، وكذا لو شهد الشاهدان بخلاف ما قامت عليه القرينة فالمعتبر هو الشهادة إلى أن قال: فلذا كان الحكم بالقرائن محتاجا إلى نظر سديد وتوفيق وتأييد [107] .
فإذا كان مدار اعتبار القرينة القاطعة من طرق القضاء فى مذهب الحنفية على ابن الغرس ولم ينسب القول به إلى أمام من أئمة المذهب ولم ينقل عن كتاب معتمد فى المذهب حتى قال فيه الخير الرملى وصاحب " البحر" ما سلفت الإشارة إليه.
وقال ابن عابدين إن تحكيم القرائن غير مطرد وبين عدم اعتبارها فى كثير من المسائل ــ إذا كان الأمر كذلك - فإنه يمكن القول بأن القرينة القاطعة ليست من طرق القضاء عند الحنفية.
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية: أن القرينة طريق للقضاء، فقد عقد "التبصرة"00 بابا للقضاء بما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات ذكر فيه طرفا من أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالأمارات فقال: ومنها ما ورد فى الحديث فى قضية الأسرى من قريظة كما حكم فيهم سعد، أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية، فكان بعضهم يدعى عدم البلوغ.
فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزريهم فيعلمون بذلك البالغ من غيره، هذا من الحكم بالإمارات، ومنها حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده بالقافة وجعلها دليلا على ثبوت النسب، وليس فيها إلا مجرد الإمارات والعلامات، ومنها حكم عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - والصحابة معه متوافرون برجم المرأة إذا ظهر بها حمل ولا زوج لها.
وقال بذلك مالك وأحمد بن حنبل اعتمادا على القرينة الظاهرة ومنها حكم عمر بن الخطاب وابن مسعود وعثمان - رضى الله عنهم-، ولا يعلم لهم مخالف بوجوب الحد على من وجد من فيه رائحة الخمر أو قاءها اعتمادا على القرينة الظاهرة.
ثم قال: قال ابن العربى: على الناظر أن يلحظ العلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح وخلاف فى الحكم بها.
وقد جاء العمل بها فى مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة. وبعضها قال به المالكية خاصة:
الأولى: أن الفقهاء كلهم يقولون بجواز وطء الرجل المرأة إذا زفت إليه ليلة الزفاف وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال بأنها زوجته اعتمادا على القرينة الظاهرة وعد نحو خمسين مسألة: اعتمد فى الحكم فيها على القرائن والأمارات [108] .
مذهب الحنابلة:
وفى مذهب الحنابلة: يقول صاحب " كشاف القناع " [109] : ولو وجد على دابة مكتوب: حبيس فى سبيل الله، أو وجد على باب دار أو على حائطها، وقف أو مسجد أو مدرسة حكم بما هو مكتوب على هذه الأشياء المذكورة، لأن الكتابة عليها أمارة قوية فعمل بها، لا سيما عند عدم المعارضة، وأما إذا عارض ذلك بينة لا تتهم ولا تستند إلى مجرد اليد، بل نذكر سبب الملك واستمراره، فإنها تقدم على هذه الأمارات.
وأما إن عارضها مجرد اليد لم يلتفت إليها، فأن هذه الأمارات بمنزلة البينة والشهادة واليد ترفع لذلك.
قال ابن القيم فى الطرق الحكمية فى آخر الطريق الثالث والعشرين: ولو وجد على كتب علم فى خزانة مدة طويلة " وقف " فكذلك يحكم بوقفها عملا بتلك القرينة. وأما إن لم يعلم مقر الكتب ولا من كتب عليها الوقفية توقف فيها وعمل بالقرائن، فإن قويت حكم بموجبها، وإن ضعفت لم يلتفت إليها، وإن توسطت طلب الاستظهار وسلك طريق الاحتياط.
مذهب الزيدية (110)
ذكروا أنه عند التداعى فى بيت الخص يحكم لمن تليه معاقد القمط إذ هى أمارة الملك فى العرف ولإجازته - صلى الله عليه وسلم - قضاء حذيفة لمن إليه عقود القمط.
مذهب الإمامية
وفى مذهب الإمامية: جاء فى " المختصر النافع" الطبعة الثانية [111] : إذا تداعيا خصا قضى لمن إليه القمط (الحبل الذى يشد به الخص) ، وهى رواية عمرو بن شمر عن جابر. وفى عمرو ضعف.
وعن منصور بن حازم عن أبى عبد الله أن عليا عليه السلام قضى بذلك، وهى قضية فى واقعة، وهذا قضاء بالأمارة، فقد عد صاحب التبصرة المالكى من باب القضاء بالأمارات فقال: إذا تنازعا جدارا حكم به لصاحب الوجه ومعاقد القمط والطاقات والجذوع، وذلك حكم بالأمارات [112] .
الخط
مذهب الحنفية:
اختلف فقهاء الحنفية فى اعتبار الكتابة حجة يؤخذ بها "فى إثبات الحق ويعتمد عليها فى القضاء وعدم اعتبارها كذلك، وبالرغم من اقتناع الكثيرين من عدم جواز العمل بالخط معللين ذلك بأحد أمرين:
الأول: احتمال أن الكاتب لم يقصد بما كتبه إفادة المعانى الحقيقية للكلمات والألفاظ التى كتبها وإنما قصد تجربة خطه أو مجرد اللهو والتسلية.
والثانى: احتمال التزوير فى الخط إذ الخطوط تتشابه كثيرا إلى درجة كبيرة.. وقد قسموا الكتابة إلى ثلاثة أقسام:
أولا: كتابة مرسومة، أى معنونة، ومصدرة بعنوان على ما جرى به العرف المتبع، كأن يكتب من فلان ابن فلان إلى فلان ابن فلان، أو وصلنى فلان ابن فلان، من فلان ابن فلان مبلغ كذا، أو بذمتى لفلان ابن فلان كذا، وهكذا، ومستبينة، أى ظاهرة ومقروءة.
ثانيا: كتابة مستبينة، غير مرسومة كالكتابة على غير الوجه المعتاد عرفا أو الكتابة على الحائط وأوراق الشجر.
ثالثا: كتابة غير مستبينة، كالكتابة على الماء أو فى الهواء.
وقالوا: إن ما ينبغى فيه الاحتمال الأول، وهو قصد التجربة أو اللهو مع استثناء الاحتمال الثانى، يكون حجة ويعمل به دفعا للضرر عن الناس، ولا سيما التجار، وأخذا بالعرف، وذلك كالكتابة المستبينة المرسومة مطلقا وهى التى عناها الفقهاء حين قالوا إن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان، وألحقوها بالصريح من القول فى عدم توقف دلالتها على شبه أو إشهاد أو إملاء. وكالكتابة المستبينة غير المرسومة إذا وجدت نية أو كان معها إشهاد عليها أو إملاء على الغير ليكتبها مما ينفى احتمال التجربة أو اللهو. أما إذا لم يوجد معها شىء من ذلك فلا يعمل بها لقيام الاحتمال وكذلك إذا قضت العادة بأنه لا يكتب إلا على سبيل الجدية وجرى العرف باعتباره حجة كما فى دفاتر السمسار والتاجر والصرافة، وما يكتبه الأمراء والكبراء ممن يتعذر الإشهاد عليهم من سندات وصكوك، ويعترفون بها أو يعدهم الناس مكابرين حين ينكرونها أو توجد بعد موتهم فإنها تكون حجة عليهم ويعمل بها.
وكذلك من توجد فى صندوقه صرة مكتوب عليها هذه أمانة فلان الفلانى يؤخذ بها لأن العادة تفضى بأن الشخص لا يكتب ذلك علي ملكه.
وقالوا: إن ما ينبغى فيه الاحتمالان معا يكون حجة ويعمل به كما فى سجلات القضاة المحفوظة عند الأمناء ولو كانت حديثة العهد، فإنه يؤخذ بما فيها من أقوال الخصوم وشهادة الشهود ويحكم بها ويعتمد عليها فى ثبوت وشروط ومصارف الأوقاف المنقطعة الثبوت المجهولة الشرائط والمصارف وكما فى البراءات، والقرارات السلطانية المتعلقة بالوظائف فإنها تعتبر حجة فيما تضمنته واشتملت عليه، إذ العرف جرى باعتبارها من أقوى الحجج والأدلة لبعدها عن احتمال التزوير والتجربة واللهو. أما الكتابة غير المستبينة أصلا فهى لغو ولا أثر لها [113] .
مذهب المالكية:
قال فى الجواهر: لا يعتمد على الخط لإمكان التزوير فيه، وإذا وجد فى ديوانه حكما بخطه ولم يتذكره لا يعتمد عليه لإمكان التزوير، ولو شهد به عنده شاهدان فلم يذكر.
قال القاضى أبو محمد: ينفذ الحكم بشهادتهما، أى لا يعتمد على المدون، وما وجد فى ديوان القاضى من شهادات الناس لا يعتمد القاضى منه إلا ما دونه بخطه أو بخط كاتبه العدل المأمون إذا لم يستنكر فيه شيئا [114] .
ونقل ابن القيم فى " الطرق الحكمية " أن ابن وهب روى عن مالك فى الرجل يقوم فيذكر حقا قد مات شهوده ويأتى بشاهدين عدلين على خط كاتب الخط، قال: تجوز شهادتهما على كاتب الكتاب إذا كان عدلا مع يمين الطالب، وهو قول ابن القاسم، وأنه يجوز عند مالك الشهادة على الوصية المختومة [115] .
مذهب الشافعية:
المشهور من مذهب الشافعى أنه لا يعتمد على الخط لا فى القضاء ولا فى الشهادة، لاحتمال التزوير فيها، فإن كانت محفوظة وبعد التزوير فيها وتذكرها القاضى أو الشاهد يجوز الاعتماد عليها، وإن لم يتذكرها ما فالصحيح عدم جواز الاعتماد (116)
مذهب الحنابلة:
إذا رأى القاضى حجة فيها حكمه لإنسان وطلب منه إمضاؤه، فعن أحمد ثلاث روايات:
إحداها: أنه إذا تيقن أنه خطه نفذه، وإن لم يذكره، وأختاره فى الترغيب، وقدمه الشيخ مجد الدين فى التحرير ومثله الشاهد إذا وجد شهادة بخطه.
الثانية: أنه لا ينفذه إلا إذا تذكره فان لم يتذكره لم ينفذه.
الثالثة: إذا كان فى حرزه وحفظه كقمطره نفذه، وإلا فلا.
وقال إسحاق بن إبراهيم: قلت لأحمد - رضى الله عنه -: الرجل يموت وتوجد له وصية تحت رأسه من غير أن يكون قد أشهد عليها أحداً، فهل يجوز إنفاذ ما فيها؟ قال: إن كان قد عرف خطه وهو مشهور الخط، فإنه ينفذ ما فيها.
قال الزركشى:. نص عليه الإمام أحمد - رضى الله عنه- واعتمده الأصحاب.
وقد نص فى الشهادة على أنه إذا لم يذكرها ورأى خطه لا يشهد حتى يذكرها. وقال الإمام فيمن كتب وصيته وقال لم اشهدوا على بما فيها: أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه أو تقرأ عليه فيقر بها.
فنص الإمام - رضى الله عنه- على الصحة وجواز التنفيذ بعد معرفة الخط فى الصورة الأولى.
ونص على عدم الصحة وعدم جواز الشهادة إلا بعد السماع أو الإقرار بعد القراءة فى الصورة الثانية.
وقد أختلف أصحاب أحمد فى ذلك، فمنهم من خرج فى كل مسألة حكم الأخرى وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج، فجوز عدم الصحة فى الأولى أخذا من الثانية، وجعل فى الثانية وجها بالصحة أخذا من الأولى، ومنهم من منع التخريج وأقر النصين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وفرق بين الحالتين بأنه فى الحالة الأولى أتنفى احتمال التغيير فى الوصية بالزيادة والنقص بعد موت الموصى، فلم تمنع الشهادة عليها.
وفى الثانية هذا الاحتمال قائم لوجود الموصى فمنعت الشهادة عليها ما لم يتحد بالسماع أو الإقرار.. فالروايات عن الإمام مختلفة فى الأخذ بالخط واعتباره حجة [117] .
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية لا يحكم القاضى بما وجده فى ديوانه من خطه ولو عرفه لأن الخطوط تشتبه.
جاء فى " البحر الزخار" [118] : ولا يحكم بما وجد فى ديوانه ولو عرف خطه لقوله تعالى:
(ولا تقف ما ليس لك به علم ([119] . وقال ابن أبى ليلى وأبو يوسف: يصح بمعرفة الخط، قلنا: تشتبه الخطوط.
وفى باب الشهادة منه أنه لا تجوز الشهادة ولو عرف خطه أو خط غيره بإقرار بحق لاحتمال التزوير [120] وجاء فى " شرح الأزهار" [121] : ولا يجوز للحاكم أن يحكم بما وجد فى ديوانه مكتوبا بخطه وختمه سجلا أو محضرا إن لم يذكر، هذا مذهبنا، فقيده بما إذا لم يذكر.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية جاء فى " كشف اللثام" من باب القضاء: لا يجوز للحاكم أن يعتمد على خطه إذا لم يتذكره وكذا الشاهد وإن شهد معه آخر ثقة لإمكان التزوير عليه.
واكتفى الحفيد والقاضى وأبو على بخطه مع شهادة ثقة والصدوقان كذلك مع ثقة المدعى، وجاء فيه: أنه لا يكتفى بما يجده مكتوبا بخطه وإن كان محفوظا عنده. وعلم عدم التزوير، وكذا ما يجده بخط مورثه كما هو الشأن فى الشهادة، لاحتمال اللعب أو السهو أو الكذب فى الكتابة. واعتمد الشيخ جعفر الكبير على الكتابة فى إثبات الوقف إذا كان مضبوطة مرسومة تظهر منها الصحة وإن لم تبلغ حد العلم وإلا ضاعت الأوقاف، لأن طريقها الكتابة وفى "الجواهر" من باب القضاء: التحقيق أن الكتابة من حيث هى كتابة لا دليل على حجيتها من إقرار أو غيره.
نعم، إذا قام القرينة على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ المستفاد من رسمها فالظاهر جواز العمل بها. للسيرة المستمرة فى الأعصار والأمصار علي ذلك بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك.
كتاب القاضى إلى القاضى
ويتصل بما نحن فيه كتاب القاضى إلى القاضى، وهو عند الحنفية إما بنقل الحكم إلى المكتوب إليه للتنفيذ أو بنقل الشهادة اليه للحكم بها ويقبل عندهم فيما عدا الحدود والقصاص، ويعنونه القاضى الكاتب من فلان إلى فلان بما يميزه ويدون فيه ما قام لديه، ويقرؤه على الشهود ويختمه أمامهم، ولا يقبله المكتوب إليه إلا بحضور الشهود والخصم ولابد من تعديلهم [122] .
مذهب المالكية:
وعند المالكية، كذلك يكون كتاب القاضى تارة بنقل الحكم للتنفيذ والتسليم واختلفوا فيما إذا كان الحكم على غير رأى المكتوب إليه، كما إذا كتب قاض حنفى لقاض مالكى بأن يمكن رجلا من امرأة زوجت نفسها منه بغير ولى، هل يجب عليه التنفيذ أو لا؟.
فعن سحنون لا ينبغى له تنفيذه لأنه خطأ عنده، وعن أشهب يجب التنفيذ لأنه صدر من صاحب سلطة وتعلق به حق المحكوم له فلا يجوز له أن يبطله، وتارة يكون بما ثبت عند القاضى الكاتب من حق لرجل على غريم غائب ويطلب إليه الحكم بما ثبت، وهذا لا خلاف فى وجوب قبوله والعمل به وهل يلزم أن يشهد عليه شاهدان يشهدان عند المكتوب إليه أو يكفى أن يختمه ويقبله المكتوب إليه بعد معرفة الخط أو الختم؟ خلاف.
ويقبل كتاب القاضى عندهم فى جميع الحقوق والأحكام [123] .
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية، تارة يكون كتاب القاضى إلى القاضى وجوبا بناء على طلب المدعى بما قام لديه من دعوى وإثبات على غائب بشروطها ليحكم له بها أو ينهى إليه بحكم أصدره على غائب بشروطه لينفذه عليه فى ماله.
وفى صورة أخرى يكون المدعى به عينا فى بلد تحت ولاية المكتوب إليه فيكتب إليه يطلب إرسال العين بكفالة ليِشهد عليها البينة بالمعاينة. أو يتداعى الخصمان هناك لدى المكتوب إليه إذا لم يمكنه أو تعذر إرسال العين (124)
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة يكون الكتاب بنقل الحكم لتسليم المحكوم به أو تنفيذه فى مال الغائب أو الهارب، وتارة بنقل الشهادة المعدلة عند الكاتب أو عند المكتوب إليه ليحكم بها، وكتاب القاضى إلى القاضى عندهم بمثابة الشهادة علي الشهادة، ويشترط أن يقرأ الكاتب الكتاب على عدلين ويشهدهما عليه للتحمل0 ثم يقرؤه المكتوب إليه ويشهدان بما فيه عنده. ولا يكفى معرفة الخط والختم للاشتباه وإمكان التزوير.
ويقبل فى دعوى العين لإرسالها بكفالة أو مع أمين للشهادة عليها بالمعاينة كما عند الشافعية.
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية: للقاضى أن يكتب إلى حاكم آخر بحكمه إن كان قد حكم وينفذه المكتوب إليه ولو خالفه مذهبه. وقيل ينفذه إن وافق مذهبه.
ورد ببطلان فائدة الحكم ونصب الحكام وإن كان لم يحكم وكتب إليه يعرفه أن فلانا وفلانا شهدا عندى بكذا لم ينفذه المكتوب إليه ما لم يحكم الكاتب.
وللمكتوب إليه أن يحكم بشهادتهما إن وافق مذهبه واجتهاده لكن بشروط تضمنها الفروع، وهى أن يشهد القاضى الكاتب شاهدين على الكتاب وأن يقرأه عليهما أو يقرأ بحضرته عليهما، ويقول أشهدكما أنى كتبت إلى فلان أبن فلان، فإن ختمه " ولم يقرأه عليهما لم يعمل به.
وقال الإمام يحيى: إذا ختمه وأشهدهما أنه كتابه فقد حصل أمان التحريف. وكذا يشترط أن يكتب اسم المكتوب إليه فى باطنه ولا يعمل به إذا مات الكاتب قبل بلوغ الكتاب إلى المكتوب إليه، وكذا إذا فسق أو عزل، ولو مات المكتوب إليه أو فسق أو عزل قبل بلوغه الكتاب لم يعمل به من ولى مكانه لأنه موجه إلى غيره، ولا يعمل بالكتاب إلا ببينة كاملة أنه كتابه وقيل: يعمل به من غير شهادة لعملهم بكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير شهادة وقيل: إن عرف الخط والختم عمل به وإلا فلا ورد بأن الخطوط والختوم تشتبه وعلى الرأى الأول لابد أن يقرأ الكاتب الكتاب على الشاهدين أو يقرأ الكتاب عليهما بحضرته ويقول أشهدكما أنى كتبت إلى فلان بن فلان [125] .
مذهب الإمامية:
وعند الشيعة الإمامية: المشهور عند علمائهم عدم جواز العمل بكتاب القاضى إلى القاضى وقال ابن الجنيد:لا يجوز ذلك فى حقوق الله تعالى، أما فى حقوق العباد وفى الأموال وما يجرى مجراها فيجوز العمل بكتاب القاضى إلى القاضى إذا كان القاضى من قبل الإمام.
وقال ابن حمزة: لا يجوز للحاكم أن يقبل كتاب حاكم آخر- إلا بالبينة فإن شهدت البينة على التفصيل حكم به [126] .
وفى " المختصر النافع" [127] : لا يحكم الحاكم بأخبار حاكم آخر ولا بقيام البينة لثبوت الحكم عند غيره، نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم وأشهد على نفسه فشهد شاهدان بحكمه عند آخر وجب على المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم.
مذهب الإباضية:
جاء فى " شرح النيل" [128] : الخطاب فى عرفهم فى الأحكام أن يكتب قاضى بلد إلى قاضى بلد آخر بما يثبت عنده من حق لشخص فى بلد الكاتب على آخر فى بلد المكتوب إليه لينفذه فى بلده وذلك واجب إن طلبه ذو الحق ويقبل كتاب القاضى فى الأحكام والحقوق بمجرد معرفة خطه بلا شهادة ولا خاتم وليس ذلك قضاء بعلمه بل لقبول بينة وقال بعض أصحابنا: لا يحكم القاضى بكتاب القاضى إليه، وقال بعضهم اختصم عليه الخصمان وليس حاضرا فى بلده فيكتب الدعوى والجواب والشهادة إلى حاكم البلد الذى فيه الشئ بكتابه وكذا يكتب الدعوى والشهادة إن لم يحضر المدعى عليه إلى قاضى بلد هو فيه.
القسامة
مذهب الحنفية:
القسامة عند الحنفية أيمان يحلفها أهل محلة أو قرية أو موضع قريب منهما أو دار إذا وجد فى شىء منها قتيل به أثر يدل على القتل من جراحة أو ضرب أو خنق ولا يعرف قاتله، يحلف هذه الأيمان خمسون رجلا منهم يتخيرهم ولى القتيل يقول كل منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا، وإن نقص الموجودون منهم عن الخمسين كررت الأيمان على الموجودين ولو واحدا حتى تبلغ الخمسين.
وشروطها: الدعوى بشروطها من أولياء القتيل على من وجد بينهم أو على بعض منهم ولو واحدا أنهم قتلوه عمدا أو خطأ إذ اليمين لا تجب إلا فى دعوى وإنكار المدعى عليهم دعوى القتل، إذ اليمين بنص الحديث على من أنكر، والمطالبة من أولياء القتيل بالقسامة لأن اليمين حق المدعى تستوفى بطلبه، وألا يعلم القاتل وإلا وجب عليه القصاص فى العمد والدية فى الخطأ بعد الثبوت ولا قسامة.
وأن يكون المقسم بالغا عاقلا حرا فلا قسامة على صبى ومجنون وعبد، وأن تكمل الأيمان خمسين، وأن يكون الموضع، الذى وجه فيه القتيل ملكا لأحد أو تحت يد أحد وأن يوجد فى القتيل أثر يدل على القتل، وحكمها القضاء بوجوب الدية إن حلفوا والحبس حتى يحلفوا إن نكلوا، وهذا فى دعوى القتل العمد، أما فى دعوى الخطأ فحكمها القضاء بالدية عند النكول والبراءة ضد الحلف وحين يقضى بالدية تكون على العاقلة فى ثلاث سنين، ويجمع بينها وبين حلف اليمين على خلاف المقر فى الدعاوى.
ولا يحلف أولياء القتيل عند الحنفية لا ابتداء ولا برد اليمين عليهم، جريا علي قاعدتهم فى الدعاوى: البينة على المدعى واليمين على من أنكر، وعلى رأيهم فى عدم رد اليمين على المدعى.. ولا قسامة عند الحنفية فيما دون النفس ولا فى سقط لم يتم خلقه.
ودليل مشروعية القسامة السنة النبوية فى الصحيحين أن عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل وعماهما حويصة ومحيصة خرجوا فى التجارة إلى خيبر، وتفرقوا لحوائجهم، فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلا فى قليب من خيبر يتشحط فى دمه، فجاءوا إلى رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبروه فأراد عبد الرحمن أن يتكلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الكبر، الكبر) . فتكلم أحد عميه حويصة أو محيصة الأكبر منهما وأخبره بذلك. قال: ومن قتله؟. قالوا: ومن يقتله سوى اليهود. قال - عليه الصلاة والسلام -: (تبرئكم اليهود بأيمانها) . فقالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه. فقال - عليه الصلاة والسلام -: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟) . فقالوا: كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم نشاهد.
فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة.
وفى رواية من عنده.
فقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وجوب القسامة، بقوله تبرئكم اليهود بأيمانها، وإنما لم يجر القسامة بينهم لعدم طلب أولياء القتيل القسامة وهو شرط لإجرائها، حيث قالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه. ودفع الرسول الدية من عنده أو من مال الصدقة كان على سبيل الجعالة عن اليهود لأنهم من أهل الذمة وهم موضع للبر [129] .
واحتج من قال بتحليف أولياء القتيل ووجوب القصاص فى العمد بقول الرسول: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم. ورد القائلون بوجوب الدية بأن التقدير: وتستحقون بدل دم صاحبكم.
مذهب المالكية
وعند المالكية: إذا وجد قتيل وكان هناك لوث تثبت القسامة، واللوث أن توجد قرينة أو ظاهر حال على القتل يوحى بصدق أولياء القتيل فى ادعائهم القتل. كشهادة واحد عدل أو امرأتين بالقتل أو وجود شخص بالقرب من القتيل معه آلة قتل أو أثر جراح بالقتيل، أو قول القتيل قتلنى فلان أو نحو ذلك على اختلاف فى التقدير.
والحلف عندهم على أولياء القتيل لا على المدعى عليهم بعد الدعوى بالقتل على معين، ويحلف فى دعوى القتل العمد القصاص من الرجال المكلفين اثنان أو أكثر وتوزع عليهم الأيمان على عدد الرءوس ويستحقون الدم فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا.
ويبدأ بأولياء الدم، ولهم أن يستعينوا بالعصبة ولا يحلف الواحد وحده ولكن يتعين من عصبة الميت بمر يحلف معه.
وفى دعوى الخطأ: المكلفون من الورثة رجالا ونساء على قدر ميراثهم، وإن كان الوارث واحدا حلف خمسين يمينا متوالية.
وإستحق الدية إن كان ذكرا ونصفها إن كان أنثى، وإن تعددوا وزعت عليهم على قدر الميراث كما توزع عليهم الأيمان كذلك، ولا قسامة فيمن لا وارث له ولا يحلف بيت المال.
والحلف يكون بالله تعالى إن فلانا قتل ولينا أو مورثنا فلانا، أو أنه ضربه ومن ضربه مات. وبعد الحلف على النحو المذكور، يجب القود فى العمد والدية فى الخطأ.
وترد الأيمان على المدعى عليهم فى دعوى القتل العمد، واختلفوا فى ردها فى دعوى القتل الخطأ، ولا قسامة عندهم فى الجراح والأطراف ولا فى العبيد والكفار ولا فى أهل الذمة وأن تحاكموا إلينا (130)
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: تثبت القسامة إذا وجد القتيل ولو عبدا فى المحلة أو القرية مع اللوث وقيام دعوى القتل عمداً أو خطا أو شبه عمد بشروطها.
وليس من اللوث أن يقول القتيل: قتلنى فلان، والحلف عندهم على أولياء القتيل ومن يستحقون بدل دمه يحلفون خمسين يمينا بالله أن هذا يشير إلى المدعى عليه أو يعرفه: قتل ابنى أو أخى عمداً أو شبه عمد أو خطأ منفردا أو مع فلان، وإن مات الولى قبل تمام الأيمان انتقل الأمر إلى ورثة القتيل وحلفوا من جديد، وتوزع عليهم- الأيمان على حسب الميراث، فإن حلف الأولياء أو الورثة، وجبت الدية علي المدعى عليه فى العمد وعلى عاقلته فى الخطأ وشبه العمد، ولا يجب القود فى العمد لأن القسامة حجة ضعيفة، ولم يتعرض حديث البخارى فى القسامة للقود وما فى حديث عبد الله بن سهل: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم) فتقديره: بدل دم صاحبكم.
وإن لم يكن هناك لوث، أو أنكره المدعى عليه فى نفسه، وقال: لست أنا من رأيت السكين معه، ولا بينة، حلف وبرئت ذمته.
وهل يحلف يمينا واحدة أو يحلف خمسين يمينا أو يجمع فيحلف يمينا لنفى اللوث وخمسين لنفى القتل؟ أقوال.
ولو ظهر لوث بقتل مطلق لم يوصف بالعمد ولا بغيره، فلا قسامة لأنه لا يفيد مطالبة القاتل ولا العاقلة، ولا قسامة عندهم فى الجروح والأطراف وإتلاف الأموال غير العمد والقول فى الجروح والأطراف قول المدعى عليه مع يمينه كان لوث أولا واليمين هنا خمسون يمينا لأنها يمين دم [131] .
ولا تثبت القسامة عند الحنابلة إلا بدعوى القتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ من ولى القتيل على واحد معين مكلف ولو كان أنثى أو عبدا أو ذميا أو كان المقتول واحدا ممن ذكروا لأن ما كان حجة فى قتل المسلم الحر يكون حجة فى قتل العبد والذمى. وأن يكون هناك لوث وليس منه قول القتيل قتلنى فلان 0 ولا يشترط وجود أثر أو جرح بالقتيل، فإن لم يوجد اللوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ.
وإن نكل قضى عليه بالدية ويسقط القود لأنه يندرىء بالشبهة كالحد، وأن يتفق أولياء القتيل على دعوى القتل على واحد معين 0
فإن كذب بعضهم بعضا أو لم يوافق أحد منهم على الدعوى أو ادعوا على أهل محلة أو قرية أو على واحد غير معين لم تثبت القسامة.
وإن نكل أحدهم بعد الادعاء لم يثبت القتل لأن الحق فى محل الوفاق إنما يثبت بالأيمان التى تقوم مقام البينة ولا ينوب أحد عن غيره فى الأيمان كما فى سائر الدعاوى وأن يكون فى المدعين ذكور مكلفون ولو واحدا، إذ لا مدخل للنساء والصبيان والمجانين فى القسامة.
والحلف عندهم على أولياء القتيل بحضرة الحاكم وبحضور المدعى عليه: بالله لقد قتل فلان هذا- ويشير إلى المدعى عليه أو يعينه بالاسم- ابنى فلانا منفردا عمدا بسيف أو بما يقتل غالبا..
وإذا ردت على المدعى عليه يحلف بالله ما قتلته ولا شاركت فى قتله ولا فعلت شيئا مات منه ولا كنت سببا فى موته ولا معينا على موته، وإن مات الولى انتقل ما عليه من الأيمان إلى ورثته على حسب الميراث.
فإن حلف الأولياء استحقوا القود فى العمد والدية فى الخطأ وشبه العمد، وإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه ولو امرأة خمسين يمينا وبرىء، وإن نكل لم يحبس ولزمته الدية. ولا قصاص لأن النكول حجة ضعيفة، وأن لم يرض الأولياء بيمين المدعى عليه وداه الإمام من بيت المال، فإن تعذر لم يجب على المدعى عليه شىء.
ولو رد المدعى عليه اليمين على المدعى ليس له أن يحلف ولكن يقال للمدعى عليه إما أن تحلف وإما أن تعتبر ناكلا ويقضى عليك بالدية، ولا تجرى القسامة عندهم فى الجراح والأطراف [132] .
مذهب الزيدية:
القسامة مشروعة عندهم، وحكى عن الناصر أنها غير مشروعة ولكن تجب الدية من بيت المال والأصل فى ثبوت القسامة أن رجلا أتى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخى قتل بين قريتين، فقال: يحلف منهم خمسون رجلا. فقال: ما لى غير هذا؟ فقال: ومائة من الإبل، فاقتضى وجوب القسامة والدية عليهم.
وإنما تجب القسامة عندهم فى الموضحة فصاعداً لا فيما دونها ولا تلزم القسامة إلا بطلب الوارث ولو كان الورثة نساء أو عفا عنها بعضهم فلا يسقط حق الباقين، ولا يسقط حق من عفا عن القسامة من الورثة فى الدية لأنهما حقان مختلفان فمن وجد كله قتيلا أو جريحا أو وجد أكثره
فى موضع يختص بمحصورين ولو كان امرأة ولم يدع الوارث على غيرهم لزمت القسامة، فيختار من المستوطنين الحاضرين وقت القتل الذكور المكلفين الأحرار خمسين يحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتله، ويحبس الناكل حتى يحلف ويكرر اليمين على من شاء إن نقصوا عن الخمسين ولا تكرار مع وجود الخمسين المستوفين للشروط ولو راضوا لأن اليمين لا يجرى فيها التوكيل ولا التبرع وتتعدد القسامة بتعدد القتيل، وبعد الحلف تلزم الدية عواقل أهل البلد الحالفين وغيرهم فإن لم يكن لهم عواقل أو كانت وتمردت حتى نقصت الدية وجبت فى أموالهم وإن لم يكن لهم ولا لأهل البلد أموال وجبت فى بيت المال، وإن لم تتوفر الشروط فى أهل الموضع فالدية والقسامة على عواقلهم، فإن كان الموضع لا يختص بمحصورين أو كان عاما فلا قسامة وتجب الدية فى بيت المال، وكذلك إن وجد القتيل فى مكان يختص به على سبيل الملك أو الاستئجار كداره وبستانه وبئره وإن وجد بين قريتين متساويتين فى القرب منه وفى تردد أهلهما وجبت القسامة على أهل القريتين جميعا. فإن كانت إحداهما أقرب وجبت على أهلها ولا تجب القسامة إن أدعى وارث القتيل على غير أهل الموضع. وإن كان فى أهل الموضع من هو على صفة تدفع عنه التهمة كأن كان شيخا هرما أو مريضا مدنفا وقت القتل لا تجب عليه القسامة لأن التهمة مرتفعة عنه [133] .
مذهب الإمامية:
يرى الشيعة الإمامية أن القسامة:هى الأيمان أو الجماعة التى تحلفها، فإذا وجد قتيل فى موضع ولا يعرف من قتله ولا تقوم عليه بينة، ويدعى الولى على واحد أو جماعة من أهل ذلك الموضع بالقتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ ويكون هناك لوث قرينة أو ظاهر حال يشعر بصدق الولى فى دعوى القتل يحلف من أولياء القتيل خمسون رجلا على حصول القتل العمد.
وإن نقصوا كررت الأيمان على الموجودين ولو كان واحدا حتى تكمل خمسين يمينا.
أما فى الخطأ والشبيه بالعمد فيحلف الأولياء خمسا وعشرين يمينا. ومنهم من سوى بينهما فأوجب خمسين يمينا فى الخطأ وشبه العمد.
فإن حلفوا وجب القصاص فى العمد: ووجبت الدية على القاتل فى شبه العمد وعلى العاقلة فى الخطأ، وقيل: تجب على القاتل فى الخطأ أيضا.
وإن لم يحلفوا وتعدد المدعى عليهم فالأظهر أن على كل واحد منهم خمسين يمينا، وأن كان المدعى عليه واحدا وأحضر من قومه خمسين رجلا يشهدون ببراءته حلف كل واحد منهم يمينا، وأن كانوا أقل كررت عليهم الأيمان حتى تكمل خمسين، وإن لم يحضر أحد كررت عليه الأيمان حتى تكمل وان نكل ألزم الدعوى عمدا أو خطأ، وتجرى القسامة عندهم فى النفس والأطراف.
واختلف فى عدد الأيمان فى الأطراف، فقيل: خمسون يمينا إن كانت الجناية فى الطرف تبلغ دية النفس كالأنف واللسان، وإلا فبنسبتها من الخمسين.
وقيل: ست أيمان فيما فيه دية النفس، وبحسابه من الست فيما دون ذلك [134] .
مذهب الإباضية:
وتثبت القسامة عند الإباضية إذا وجد قتيل حر به علامة قتل فى بلدة أو محلة أو فى مكان قريب منها ولم يدع على معين ولم يوجد فى مسجد ولا فى زحام ولا عداوة بينه وبين قوم من أهل البلد، لزمت القسامة أهل البلد أو المحلة بأن يحلف منهم خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتله وإن نقصوا عن الخمسين كررت اليمين على من يوجد منهم ولو واحدا حتى تكمل الأيمان خمسين، فإن حلفوا وجبت الدية على الحالفين ومن أبى الحلف حبس حتى يحلف أو يقر ولا قسامة عندهم على أعمى وصبى ومجنون وامرأة إلا إذا لم يوجد غيرها فتحلف وتجب على عاقلتها [135] .
القافة:
القافة: جمع قائف وهو الذى يعرف الآثار 0
والخلاف بين الفقهاء فى اعتبار القافة دليلا يعتمد عليه فى الحكم، يكاد ينحصر فى إثبات النسب بها.
والأصل فى هذا الباب ما ورد فى الصحيحين عن عائشة - رضى الله عنها- قالت إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: (ألم ترى أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال:إن هذه الأقدام بعضها من بعض) رواه الجماعة.
وفى لفظ أبى داود وابن ماجة ورواية لمسلم والنسائى والترمذى: (ألم ترى أن مجززا المدلجى رأى زيدا وأسامة قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض) . قال أبو داود: كان أسامة أسود وكان زيد أبيض ذكر الشوكانى هذا الحديث فى نيل الأوطار، وقال وقد أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء والأوزاعى ومالك والشافعى وأحمد 0
وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف فى إلحاق الولد، بل يحكم بالولد الذى ادعاه اثنان لهما، واحتج لهم صاحب " البحر" بحديث: الولد للفراش. وروى عن الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ [136] .
وإليكم بيان المذاهب فى ذلك:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أنه لا يجوز العمل بقول القافة ولا الاعتماد على رأيهم فى الحاق الولد وإثبات نسبه ممن يشبهه للحديث الصحيح: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) جعل أساس ثبوت النسب الفراش ولأن القافة يعتمدون على الشبه والشبه قد يتحقق بين الأجانب وينتفى بين الأقارب فلا يصلح أساسا لإثبات النسب.
وحديث مجزز المدلجى لا حجة فيه لأن نسب أسامة بن زيد من أبيه كان ثابتا بالفراش ولم يثبت بقول مجزز وسرور النبى - صلى الله عليه وسلم - بما قاله مجزز إنما كان لقضائه على تمادى الناس فى نسب أسامة وخوضهم فيه مما كان يتأذى به النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان العرب يعتقدون صحة قول القافة ويعتمدون عليهم فى إلحاق الولد منذ الجاهلية، فجاء قول مجزز قاضيا على خوضهم فى نسب أسامة وسر، النبى - صلى الله عليه وسلم - لذلك.
فإن تنازع اثنان نسب صغير، فإن كان أحدهما صاحب فراش قضى له بنسب الصغير، وإن لم يكن أحدهما صاحب فراش ولا مرجح ألحق الولد بهما وثبت نسبه منهما.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أنه يعمل بقول القافة فى إلحاق الولد وثبوت نسبه أخذا من حديث مجزز المذكور لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد أقر قول مجزز وسر به ولو لم يكن حجة فى ثبوت النسب لما أقره إذ لا يقر إلا ما هو حق.
وقد اختلفت الرواية عن الإمام مالك: هل يكتفى بقائف وأحد كالأخبار وهى رواية ابن القاسم، أو لابد من قائفين كالشهادة، وهى رواية أشهب؟.
وهل يشرط فى القائف أن يكون عدلا أو لا يشترط؟ روايتان.
والمشهور عند المالكية أنه لا يحكم بقول القائف إلا فى أولاد الإماء دون أولاد الحرائر.
وقال ابن وهب: يعمل به فى أولاد الحرائر واختاره اللخمى.
وقال ابن يونس: إنه أقيس، وهل يجوز عندهم إلحاق الولد باثنين؟ ، قال الصردى: مذهب مالك أنه يكون للرجل أبوان فإن أشركتهما القافة فى الولد كان ابنا لهما جميعا فى قول ابن القاسم وغيره، وقيل لا يقبل قول القائف فى الإشراك بينهما ويدعى غيره حتى يلحقه بأصحهما شبها وإذا لم توجد يوقف يوقفا إلى أن يكبر فيوالى من شاء منهما، ولا تعتمد القافة إلا على أب موجود على قيد الحياة وقيل: تعتمد على الأب الميت الذى لم يدفن، وقيل: تعتمد على العصبة [137] .
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية أنه يعمل بقول القافة فى إلحاق الولد وثبوت نسبه لحديث مجزز المذكور سواء فى ذلك أولاد الإماء وأولاد الحرائر.
ويشترط أن يكون القائف حرا مسلما عدلا ذكرا مجربا.
ولا يشترط التعدد فى الأصح.
وإن اختلف القائفان يرجح الأكثر حذقا ومهارة أو يؤتى بثالث ويؤخذ بموافقته أحد الاثنين، ويعمل بقول القافة عند تنازع رجلين نسب صغير وعند تنازع امرأتين على الصحيح عند عدم تيقن الأم [138] .
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة العمل بقول القافة فى ثبوت النسب للحديث فى أولاد الإماء وأولاد الحرائر على السواء فى تنازع رجلين.
ويجوز ثبوت النسب منهما معا وفى تنازع امرأتين.
روى ابن الحكم أن يهودية ومسلمة ولدتا وادعت اليهودية ولد المسلمة فقيل للإمام أحمد: تكون فى هذا القافة؟ فقال: ما أحسنه.
وهل يكفى قائف واحد أو لابد من اثنين؟
فى رواية جعفر بن محمد النسائى ومحمد بن داود المصيصى والأثرم لابد من اثنين.
وفى رواية أبى طالب وإسماعيل بن سعيد أنه يكفى قائف واحد، وهو اختيار القاضى وصاحب المستوعب.
وأخذ بعضهم من نص الإمام أحمد على الاكتفاء بالطبيب والبيطار الواحد إذا لم يوجد سواه رواية ثالثة بالاكتفاء بالقائف الواحد إذا لم يوجد سوأه، لأن القائف مثل الطبيب بل هو أولى إذ الأطباء أكثر وجودا من القافة [139] .
مذهب الظاهرية:
ويقول ابن حزم الظاهرى فى " المحلى": إن الأخذ بقول القافة فى إلحاق الولد واجب فى أولاد الحرائر والإماء أخذا من حديث مجزز المذكور لأن سرور النبى - صلي الله عليه وسلم - تقرير له ودليل على اعتباره طريقا للإلحاق [140] .
مذهب الزيدية:
جاء فى " البحر الزخار" (141) : قالت العترة لا يثبت النسب بالقافة وهو الشبه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " الولد للفراش " وهذا فى معنى النفى والإثبات، كقوله:"الأعمال بالنيات".
وقال الشافعى: بل يثبت لقوله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة هلال إن جاءت به أصيهب أثيبج حمش الساقين فهو لزوجها، فأثبت النسب بالشبه، قلنا: معارض بقوله - صلى الله عليه وسلم - للذى قال له إن امرأتى أتت بولد أسود " عسى أن يكون عرق نزعه " فلم يعتبر الشبه 0
وقوله فى امرأة هلال: أراد أنه خلق من ماء من أشبهه، وإن لم يثبت نسبه شرعا وقال الإمام يحيى:أو كان قبل نسخ العمل بالقافة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الولد للفراش.
وتحدث عن مسألة اتفاق فراشين للحرة كنكاح امرأة المفقود حيث رجع وقد تزوجت، ونكاح المعتدة جهلا والأعمى غير زوجته غلطا، وعن إلحاق الولد بأحدهما دون الآخر عند الإمكان وعدم إلحاقه بأيهما عند التعذر، ثم قال: وقال الشافعى بل يعمل بالقافة إذ لا ترجيح لأيهما. قلنا: بل الترجيح بما ذكرنا، والقافة غير ثابتة شرعا.
وهذا صريح فيما يفيد أن الزيدية لا يثبتون النسب بالقيافة.
مذهب الإمامية:
لا يجيز الشيعة الإمامية الأخذ بقول القائف فى إلحاق الولد ويكادون يجمعون على تحريم العمل بها لمنافاتها لما هو كالضرورى من الشرع من عدم الالتفات إلى هذه العلامات وهذه المقادير والمدار عندهم فى إلحاق النسب على الإقرار والولادة على الفراش أو نحو ذلك، مما جاء به الشرع [142] .
القرعة:
جاء فى نيل "الأوطار للشوكانى": عن عائشة - رضى الله عنها- أن النبى - صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه.
وقال الشوكانى: استدل بذلك على مشروعية القرعة فى القسمة بين الشركاء وغير ذلك.
والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة.
قال القاضى عياض: هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الحظر والقمار وحكى عن الحنفية إجازتها [143] .
وفى الطرق الحكمية لابن القيم [144] : ومن طرق الأحكام الحكم بالقرعة، قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ([145] وقال تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون0 فساهم فكان من المدحضين ([146] .
ثم ساق عدة أحاديث فى القرعة بين الزوجات فى السفر وفى العتق فى مرض الموت بما يزيد عن الثلث.
وفى القسمة بين الشركاء وفى اليمين إذا أكره الرجلان عليها أو استحباها فليستهما عليها وفى الطلاق، وقال إن مذهب الإمام أحمد أن القرعة طريق للقضاء وذكر خلاف الأئمة الثلاثة فى استعمالها فى الطلاق وإليكم بيان المذاهب:
مذهب الحنفية:
لا يعتبر الحنفية القرعة طريقا من طرق القضاء والحكم، ومن ثم قرروا أنه لا يجوز استعمالها فى دعاوى النسب والمال، وفى الطلاق، والعتق حين يكون الطلاق أو العتق لغير معين أو لمعين، ويتسنى قبل موت المطلق أو المعتق وحين يتأخر بيانه حتى الموت.
وقرروا أنها حين تجرى فيما تجرى فيه عندهم لا تكون الطريق لإثبات الحق والملك أو الإلزام به وإنما تكون لتطييب القلوب ونفى التهمة.
جاء فى شرح العناية على الهداية وتكملة فتح القدير تعليقا علي قول صاحب الهداية فى باب القسمة " والقرعة لتطييب القلوب " هذا هو الاستحسان والقياس يأباها لأن فى استعمال القرعة تعليق الاستحقاق بخروجها.
وذلك قمار أو هو فى معنى القمار، وهو حرام.
ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمالها فى دعوى النسب والمال، وتعيين المطلقة والعتق ولكنا تركنا القياس هنا بالسنة والتعامل الظاهر من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا من غير نكير. وليس هذا من باب القمار لأن أصل الاستحقاق فى القمار يتعلق بما يستعمل فيه وفيما نحن فيه لا يتعلق أصل الاستحقاق بخروج القرعة لأن القاسم لو قال: عدلت فى القسمة، فخذ أنت هذا الجانب وخذ أنت ذاك الجانب ولم يستعمل القرعة كان مستقيما إلا أنه ربعا يتهم فى ذلك فيستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء ونفى تهمة الميل عن نفسه وذلك جائز [147] . ومثل ذلك فى " تنوير الأبصار" وشرحه " الدر المختار" وحاشية ابن عابدين عليه من باب القسم بين الزوجات [148] .
مذهب المالكية:
لا يعتبر المالكية القرعة طريقا لقضاء بثبوت الحق والملك وإنما يعتبرونها طريقا لقطع النزاع على الاختصاص بالحق والأولوية به ولا تجرى عندهم فى الطلاق. جاء فى " التبصر" لابن فرحون المالكى:
قال القرافى رحمه الله تعالى فى الفروق: الفرق الأربعين والمائتين: اعلم أنه متى تعينت المصلحة أو الحق فى جهة فلا يجوز الاقراع بينه وبين غيره لأن فى القرعة ضياع ذلك الحق المعين. والمصلحة المعينة. ومتي تساوت الحقوق والمصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار [149] . ثم ذكر صاحب التبصرة أن القرعة مشروعة فى مواضع: وعد اثنين وعشرين موضعا منها، بين الأب والأم عند التنازع على حضانة الصغير، وبين الزوجات عند السفر، وبين الشركاء فى القسمة، وبين المؤذنين والأئمة للصلاة، والخلفاء عند التنازع والاستواء فى الكل وبين العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم فى المرض ثم مات ولم يتسع الثلث للوصية، وبين المتابعين إذا اختلفا فيمن يبدأ باليمين عند التحالف والتناسخ [150] .
مذهب الشافعية:
تعتبر القرعة عند الشافعية طريقا لقطع الخصومة والنزاع، ويجرونها فى العتق والقسمة والقسم بين الزوجات والسفر بهن وغير ذلك، ولا يجيزون استعمالها فى الطلاق لعدم ورود النص فيه.
جاء فى " شرح المنهج ": ولو اعتق فى مرض موته عبدا لا يملك غيره ولا دين عليه عتق ثلثه، ولو أعتق ثلاثة معا لا يملك غيرهم وقيمتهم سواء عتق أحدهم، ويتميز عتقه بقرعة لأنها شرعت لقطع المنازعة فشرعت طريقا.
وقال البجرمى فى حاشيته:أن القرعة لا تحصل العتق بل هو حاصل وقت إعتاق المريض وإنما هى تميز العتيق عن غيره. وجاء فى الشرح المذكور: ولو علق بهما أى بنقيضين لزوجته وعبده، كأن قال: إن كان هذا الطائر غرابا فزوجتى طالق وإلا فعبدى حر.
وجهل الحال منع منهما لزوال ملكه عن أحدهما.، فلا يتمتع بالزوجة ولا يتصرف فى العبد إلى بيان لتوقعه، فإن مات قبل بيانه لم يقبل بيان وارثه بل يقرع " أى يعمل قرعة" فلعل القرعة تخرج على العبد فإنها مؤثرة فى العتق دون الطلاق، فإن خرجت القرعة على العبد عتق، وإن خرجت على الزوجة بقى الإشكال، إذ لا أثر للقرعة فى الطلاق [151] .
مذهب الحنابلة:
أما الحنابلة فإنهم يعتبرون القرعة طريقا من طرق القضاء والحكم، بل هى عندهم كالحكم، وتجرى عندهم فى الطلاق والنكاح والعتق والأموال والقسم بين الزوجات والسفر بهن وغير ذلك لما يجرى فيه النزاع والتخاصم 0
جاء فى " كشاف القناع " [152] فى باب القسمة: فإذا تمت القسمة بأن عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة لأن القاسم كالحاكم وقرعته كالحكم. نص عليه لأنه مجتهد فى تعديل السهام كاجتهاد الحاكم فى طلب الحق فوجب أن تلزم قرعته.
وفى " الطرق الحكمية "لابن القيم [153] : قال أحمد فى رواية إسحاق بن إبراهيم وجعفر ابن محمد: القرعة جائزة.
وقال يعقوب بن بختان: سئل أبو عبد الله عن القرعة ومن قال إنها قمار؟ قال: إن كان ممن سمع الحديث، فهذا كلام رجل سوء يزعم أن حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قمار.
قال إسحاق: قلت لأبى عبد الله أتذهب إلى حديث عمران بن حصين فى العبيد؟ قال: نعم.
وقال مهنا: سألت أحمد عن رجل قال لامرأتين إحداكما طالق أو لعبدين أحدكما حر؟ قال: قد اختلفوا فيه. قلت: ترى أن يقرع بينهما؟ قال: نعم. قلت: أتجيز القرعة فى الطلاق؟ قال: نعم، وفى النكاح إذا زوج الوليان، ولم يعلم السابق منهما يقرع بينهما. فمن خرجت عليه القرعة حكم له بالنكاح وأنه الأول هذا منصوص أحمد فى رواية ابن منصور وحنبل.
ونقل أبو الحارث ومهنا لا يقرع فى ذلك وفى الدابة تكون فى يد رجل لا يملكها وهى لأحد رجلين لا يعرفه عينا أقرع بينهما فمن قرع صاحبه - أى خرجت له القرعة - حلف وسلمت إليه.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية ذكر أبن حزم الظاهرى فى " المحلى":أن من أوصى بعتق رقيق له لا يملك غيرهم أو كانوا أكثر من ثلاثة لا ينفذ من ذلك شىء إلا بالقرعة.
ثم ذكر صورا للوصية: يعتق عبيده الذين لا مال له غيرهم: أو يعتق أكثر من ثلث كل واحد منهم بإجمال ودون ذكر أسمائهم، فإن الوصية يكون فيها حق لله تعالى وحق للورثة، ولابد من القسمة ليتميز حق الله من حق الورثة، ولا سبيل إلى تمييز الحقوق والأنصباء فى القسمة إلا بالقرعة، فوجب الإقراع بينهم. فمن خرج عليه سهم العتق علمنا أنه هو الذى استحق العتق بموت الموصى وأنه حق الله تعالى ومن خرج عليه سهم علمنا أنه لم يوص فيه الموصى وصية جائزة وأنه من حق الورثة، وهذا صريح فى اعتبار القرعة وجوازها، فى العتق والقسمة [154] .
مذهب الزيدية:
جاء فى" البحر الزخار" [155] : القرعة مشروعة فى القسمة إجماعا وفى غيرها الخلاف، وعند الزيدية:هى توجب الملك لإقراعه - صلي الله عليه وسلم - بين نسائه وعمله بما اقتضت.
وعند الإمام يحيى وبعض الأصحاب:إنما شرعت لتطييب النفوس لا للملك، أو تعيين الحاكم أو التراضى بعد الإفراز أو التقويم كالعقد، وإقراعه- صلى الله عليه وسلم - بين نسائه لتطييب نفوسهن فقط إذ له السفر بمن شاء.
وجاء فى " البحر" أيضا [156] : قالت العترة يصح تعليق العتق فى الذمة كأحدكم حر إذ هو قربة كالنذر بخلاف الطلاق ويؤخذ بالتعيين كمن نذر بمجهول، فإن مات قبله عتقوا جميعا إذ لا مخصص لبعضهم فاستحق كل منهم قسطا فسرى إلى باقيه.
وقال الشافعى والليث بن سعد: بل يقرع بينهم كفعله - صلى الله عليه وسلم - إذ أقرع بين ستة أعبد لرجل أعتقهم فى مرضه فأرق أربعة وأعتق اثنين، ولإقراعه بين نسائه فى السفر، ولمساهمة يونس - عليه السلام - وفى كفل مريم - عليها السلام - 0 قلنا: أما الأعبد فمخالف للأصول، إذ الحرية لا يطرأ عليها الرق إجماعا. وأما غيرهم فلتطييب النفوس لا لأمر أوجبه. وليست طريقا شرعيا. وما استدلوا به معرض للاحتمال.
وجاء فى " البحر الزخار" أيضا [157] : وقالت العترة إذا أوقعه- أى الطلاق- علي غير معينة فى نيته كأحداكن كذا وقع على واحدة لا بعينها، وبه قال القاسمية فليس له صرفه إلى من يشاء لأنه لا يتعلق بالذمة. وعن المؤيد بالله له تعيين من شاء إذ يجوز ثبوته فى الذمة.
وهذا كله ظاهر فى أن القرعة معتبرة عند الزيدية فى القسمة، والخلاف بينهم فى أنها تثبت الملك أولا.
أما فى غير القسمة كالعتق والطلاق، فإن القرعة غير معتبرة إذ ليست طريقا شرعيا.
مذهب الإمامية:
ويقرر الشيعة الإمامية أن القرعة مشروعة بالكتاب والسنة، ويقولون: أن موارد القرعة على قسمين:
أحدهما: ما كان الحق فيه معينا فى الواقع واشتبه علينا ظاهرا لعارض 0
وثانيهما: ما كان مرددا بين شيئين أو أكثر ولم يكن معينا فى الواقع. ويطلب فيه التعيين.
ومن هذا القسم الأمور المشتركة بين شركاء ولم يتراضوا على القسمة بينهم، وقد اختلفوا فى معنى القضاء بالقرعة، فقيل: إنها بنفسها فاصلة وميزان للقضاء دون حاجة إلى اليمين معها، وقيل: أن المشهور أن القضاء بها يحتاج إلى اليمين (158)
وفى " المختصر النافع": ولو أعتق مماليكه عند الوفاة أو أوصى بعتقهم ولا مال سواه عتق ثلثهم بالقرعة، فهى تجرى عندهم فى العتق، وهو من القسم الثانى من مواردها فيما ذكره صاحب عوائد الأيام.
مذهب الإباضية:
والقرعة مشروعة عند الإباضية، وقد عقد صاحب " شرح النيل" بابا فى قسمة القرعة وقال: إنها هى الأصل وتكون بعد تقويم الأنصباء وتعديلها، وإذا حلف الشركاء أن يقتسموا يبرون فى حلفهم بقسمة القرعة وقال: وقد ذكر أن القرعة فى القرآن فقال: (فساهم فكان من المدحضين ((وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم (.
وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه أيتهن وقع سهمها أخذها معه.
وقال لرجلين لما اختلفا: " أستهما ". وأمر أن يقرع بين حمزة وقتيل آخر فى ثوبين ليكفن كل منهما فى الثوب الذى يخرج له.
واختصم ثلاثة إلى على فى ولد لأمة وقعوا عليها فى طهر واحد، فقال: أنا مقرع بينكم فمن وقع السهم له فله الولد وعليه لكل من صاحبيه ثلث الدية، وعجب من ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح أنه أنكره، وهذا دليل على أن القرعة مشروعة عندهم كطريق لقطع النزاع وأنها تجرى فيما ذكر كله (159)
الفراسة
تعريف الفراسة:
الفراسة: هى النظر الفاحص المثبت الناشىء عن جودة القريحة وحدة النظر وصفاء الفكر.
قال ابن القيم الحنبلى فى " الطرق الحكمية " [160] : ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارا.
وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم اذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم: كيف تحملوا الشهادة وأين تحملوها. وذلك واجب عليه، متي عدل عنه أثم وجار فى الحكم.
وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعى عن سبب الحق وأين كان؟ ونظر فى الحال، هل يقتضى صحة ذلك؟.
وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه، وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال.
وقل حاكم أو وال اعتنى بذلك وصار له فيه ملكة إلا وعرف المحق من المبطل وأوصل الحقوق إلى أهلها.
ثم ذكر فراسة عمر بن الخطاب وقضائه بها فى بعض المسائل، وفراسة على بن أبى طالب كذلك وفراسة بعض القضاة السابقين كشريح وإياس بن معاوية وأبى حازم وغيرهم.
وذكر شواهد من فراسة بعض الحكام والأمراء وما كان لها من أثر فى كصحف الحقيقة والوصول إلى الحق، وأن هؤلاء الخلفاء والقضاة والحكام والأمراء كانوا يبنون الأحكام فى كثير من المسائل على الفراسة، وهو يرى أن الفراسة طريق من طرق القضاء والحكم.
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية: النص الصريح على عدم جواز القضاء بها، وأن القضاء بها من باب الظن والتخمين، وذلك فسق وجور [161] .
ونقل القرطبى فى تفسيره عن القاضى أبى بكر بن العربى أنه قال: الفراسة لا يترتب عليها حكم، فإن مدارك الأحكام معلومة شرعا، مدركة قطعا وليست الفراسة منها. وقال صاحب التبصرة: والحكم بالفراسة مثل الحكم بالظن والحزر والتخمين وذلك فسق وجور من الحاكم، والظن يخطئ ويصيب.
(1) ابن عابدين جـ 4 ص 462، 653 طبع المطبعة الأميرية.
(2) الطرق الحكيمة ص 16 طبع مطبعة مصر سنة 1360 هـ.
(3) ابن عابدين جـ 4 ص 688 وما بعدها، وجامع الفصوليين. جـ 2 ص 182.
(4) تبصرة الحكام لابن فرحون المالكى جـ2 ص 55.
(5) الأشتباه والنظائر فى فقه الشافعية للإمام جلال الدين السيوطى ص362، 363.
(6) المغنى لابن قدامة جـ 12 ص 159 وكشاف القناع جـ6 ص 367 وما بعدها.
(7) المحلى جـ 8 ص 250.
(8) البحر الزخار جـ 5 ص4، 7.
(9) المختصر النافع الطبعة الثانية ص243.
(10) المحلى جـ 8 ص250 وما بعدها.
(11) ابن عابدين جـ 4 ص 701 وما بعدها الطبعة الأميرية.
(12) ابن عابدين جـ 4، ص 702.
(13) الأشباه والنظائر للسيوطى ص 575.
(14) ص 250.
(15) ابن عابدين جـ 4 ص 719.
(16) جـ 2 ص56.
(17) ص 574.
(18) جـ 6 ص 386، وما بعدها الطبعة الأولى. بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(19) جـ8 ص 0 5 2 مسألة رقم 1378.
(20) جـ5 ص 6 فى باب الإقرار.
(21) ص 373.
(22) ابن عابدين جـ 4، ص 719.
(23) جـ2 ص 56.
(24) جـ 2 ص 250.
(25) جـ 6 ص377.
(26) جـ5 ص 4، 5.
(27) مجمع الأنهر جـ1 ص 594، 610، 612، 622.
(28) مواهب الجليل جـ 6 ص 294.
(29) حواشى التحفة جـ9 ص 113، 150.
(30) كشاف القناع جـ6 ص 80، 117، 122.
(31) المحلى جـ8 ص 254 مسألة رقم.1379
(32) البحر الزخار جـ5 ص 152 - 195.
(33) المختصر النافع ص 292، 302.
(34) ابن عابدين جـ 4 ص 651- 653.
(35) التبصرة لابن فرحون المالكى جـ 1ص 130 وما بعدها، وحواشى تحفة المحتاج بشرح المنهاج جـ10 ص303، 322 والطرق الحكمية ص140 وما بعدها مطبعة مصر سنة 1960م.
(36) كشاف القناع جـ 6 ص273.
(37) جـ 12 ص 124.
(38) جـ 9 ص 372 وما بعدها مسألة 1783.
(39) البحر الزخار جـ4 ص404.
(40) ص 281 وما بعدها.
(41) الآية 282 سورة البقرة.
(42) تنوير الأبصار وشرحه الدر وحاشية ابن عابدين جـ4 ص 512.
(43) التبصرة جـ1 ص217 وما بعدها وحواشى تحفة المحتاج بشرح المنهاج جـ10 ص 247وما بعدها وكشاف القناع جـ 6 ص 351وما بعدها.
(44) جـ 9 ص 382وما بعدها.
(45) البحر الزخار جـ4 ص 403 وشرح الأزهار جـ4 ص 208.
(46) ص 283 الطبعة الثانية.
(47) شرح النيل جـ 6 ص 589.
(48) ابن عابدين جـ 4 ص 536.
(49) جـ 1 ص 221 وما بعدها.
(50) كشاف القناع جـ 6 ص 285 وما بعدها.
(51) ص 281 الطبعة الثانية.
(52) ابن عابدين جـ4 ص 652 وما بعدها.
(53) التبصرة جـ اص 152 وما بعدها وحواشى التحفة جـ10 ص 320 وما بعدها.
(54) كشاف القناع جـ 6 ص 273.
(55) المحلى جـ 9 ص 372 وما بعدها مسألة 783 1.
(56) شرح الأزهار جـ 4 ص 145 وما بعدها.
(57) ص 282 الطبعة الثانية.
(58) آية 15 سورة النساء.
(59) آية 2 سورة الطلاق.
(60) ابن عابدين جـ 4 ص 573 وما بعدها وحواشى التحفة جـ 10 ص 212 والطرق الحكمية.
(61) آية 13 سورة النور.
(62) ابن عابدين جـ4 ص 574 وما بعدها.
(63) التبصرة جـ1 ص 170 وما بعدها، 213 وما بعدها.
(64) الآية 13سورة النور.
(65) حواشى تحفة المحتاج جـ 10 ص 245 وما بعدها.
(66) كشاف القناع جـ 6 ص 350 وما بعدها.
(67) جـ 9 ص 5 39 مسألة 786 1.
(68) جـ 4 ص 185 وما بعدها.
(69) ص287 وما بعدها الطبعة الثانية.
(70) المختصر النافع ص 292، 298، 0 30، 302،303.
(71) جـ 6 ص 584 وما بعدها.
(72) آية 141 سورة النساء.
(73) ابن عابدين جـ 4 ص 572 وما بعدها.
(74) ص209.
(75) جـ 9 ص409.
(76) التبصرة جـ 1 ص 173 وما بعدها وحواشى التحفة جـ 10 ص 211.
(77) الآية 106 سورة المائدة.
(78) كشاف القناع جـ 6 ص 337 وما بعدها.
(79) الآية 6 سورة الحجرات.
(80) جـ 9 ص 405 وما بعدها مسألة 1787.
(81) البحر الزخار جـ5 ص 23 وما بعدها وص 38 وما بعدها وشرح الأزهار جـ 4 ص 192 وما بعدها.
(82) ص 286.
(83) جـ 6 ص 585.
(84) المرجع السابق ص 600.
(85) التبصرة جـ 2 ص 13 وما بعدها.
(86) ابن عابدين جـ 4 ص 600 وجامع الفصولين جـ 1 ص 122 وما بعدها.
(87) ص 608 وما بعدها.
(88) جـ6 ص 333 وما بعدها.
(89) شرح الأزهار جـ 4 ص 229 وما بعدها.
(90) البحر الزخار جـ 5 ص 52.
(91) شرائع الإسلام من باب القضاء ص 334.
(92) جـ 6 ص 621.
(93) ابن عابدين جـ 4 ص 607، والتبصرة جـ 1 ص 292 وحواشى التحفة جـ 10 ص 274، وكشاف القناع جـ 6 ص 355، المحلى جـ 9 ص 438 مسألة 1814 وكفاية الأحكام باب الشهادة،والمختصر النافع ص 289، والبحر الزخار جـ 5 ص 39،وشرح النيل جـ 6 ص 576،587.
(94) ابن عابدين جـ 4 ص 534 وما بعدها.
(95) جـ2 ص 46 وما بعدها.
(96) جـ 2 ص200.
(97) جـ 10 ص148 وما بعدها.
(98) جـ 6 ص 270.
(99) جـ 9 ص 426.
(100) جـ 4 ص 320.
(101) آية 105 سورة النساء.
(102) جـ 5 ص130 وما بعدها.
(103) ص 280.
(104) جـ6 ص 577.
(105) ابن عابدين جـ4 ص 462، 653.
(106) نيل الأوطار للشوكانى جـ 6 ص 279.
(107) مجموعة رسائل ابن عابدين ص 127، 129.
(108) تبصرة الحكام جـ2 ص 96 وما بعدها.
(109) جـ 6 ص 354 وما بعدها.
(110) راجع البحر الزخار جـ4 ص 401.
(111) ص 284.
(112) جـ2 ص 99.
(113) ابن عابدين جـ4 ص 478 وما بعدها، ص 546 وما بعدها.
(114) التبصرة جـ 1 ص 38 وجـ 2 ص 50.
(115) الطرق الحكمية ص 244 وما بعدها.
(116) الأشباه والنظائر للجلال السيوطى ص 362.
(117) الطرق الحكمية ص 239 وما بعدها.
(118) جـ5 ص 133.
(119) الإسراء: 36.
(120) جـ5 ص 20
(121) جـ4 ص 233.
(122) ابن عابدين جـ4 ص 543 وما بعدها.
(123) التبصرة جـ2 ص 38 وما بعدها.
(124) حواشى تحفة المحتاج جـ10 ص 163 وما بعدها.
(125) البحر الزخار جـ5 ص 127.
(126) مختلف الشيعة جـ2 ص 154، وكفاية الأحكام باب القضاء.
(127) ص 283.
(128) جـ6 ص 573 وما بعدها.
(129) فتح القدير جـ 8 ص 282 وما بعدها.
(130) التبصرة جـ1 ص 266 وما بعدها، الشرح الكبير للدردير جـ4 ص 295 الحلبى.
(131) حاشية البجرمى على شرح المنهج جـ4 ص 192 وما بعدها.
(132) كشاف القناع جـ6 ص 55 وما بعدها.
(133) شرح الأزهار جـ 4 ص 459 وما بعدها.
(134) شرائع الإسلام ص 373 وما، بعدها من باب القصاص، والمختصر النافع ص312 وما بعدها.
(135) شرح النيل جـ 8 ص126 وما بعدها.
(136) نيل الأوطار جـ 6 ص 282 وما بعدها.
(137) التبصرة جـ 2 ص 93 وما بعدها.
(138) حواشى التحفة جـ 10 ص348 وما بعدها.
(139) كشاف القناع جـ 6 ص 374 والطرق الحكمية لابن القيم ص 252 وما بعدها.
(140) المحلى لابن حزم جـ 9 ص 435.
(142) جـ 3 ص144،146.
(142) جواهر الكلام للمحقق النجفى عن باب المتاجر وجامع المقاصد للكركى من هذا االباب.
(143) نيل الأوطار جـ 6 ص 217 وما بعدها، طبع المطبعة العثمانية المصرية سنة 1357 هـ.
(144) ص337 وما بعدها.
(145) الآية رقم 44 من سورة آل عمران.
(146) الآيات رقم 139 - 141 من سورة الصافات.
(147) فتح القدير جـ8 ص 215 وما بعدها.
(148) ابن عابدين جـ 2 ص 411 الطبعة الثالثة الأميرية سنة 1323 هـ.
(149) جـ 2 ص 92.
(150) المرجع السابق.
(151) حاشية البجرمى على شرح المنهج جـ4 ص 20، 418.
(152) جـ6 ص 306.
(153) ص 337 وما بعدها.
(154) محلى جـ 9 ص 342.
(155) جـ 4 ص 108.
(156) جـ 4 ص 205.
(157) جـ 3 ص 170.
(158) عوائد الأيام للقرافى ص 228، والقضاء للأشتيانى ص 390، والمختصر النافع ص 191.
(159) شرح النيل باب قسمة القرعة.
(160) ص 28 وما بعدها.
(161) التبصرة ابن فرحون المالكى جـ2 ص 106 وما بعدها.
اسم الکتاب : موسوعة الفقه المصرية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 48