responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 58
فَإِنْ ذَكَرُوا «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِجَابِرٍ: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» .
قُلْنَا: هَذِهِ عِدَةٌ لَا عَطِيَّةٌ، وَقَدْ أَنْفَذَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ الْعِدَّةَ بَعْد مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ حَقٌّ فِي الذِّمَّةِ فَقَالَ لَهُ قَدْ وَهَبْتُ لَك مَا لِي عِنْدَك]
1627 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ حَقٌّ فِي الذِّمَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، أَوْ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ وَهَبْتُ لَك مَا لِي عِنْدَك، أَوْ قَالَ: قَدْ أَعْطَيْتُكَ مَا لِي عِنْدَك، أَوْ قَالَ لِآخَرَ: قَدْ وَهَبْتُ لَك مَا لِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ: أَعْطَيْتُك مَا لِي عِنْدَ فُلَانٍ -: فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي ذَلِكَ الْحَقَّ الَّذِي لَهُ عِنْدَ فُلَانٍ فِي أَيِّ جَوَانِبِ الدُّنْيَا هُوَ، وَلَعَلَّهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ الْآنَ - وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا بِلَفْظِ: الْإِبْرَاءِ، أَوْ الْعَفْوِ، أَوْ الْإِسْقَاطِ، أَوْ الْوَضْعِ.
وَيَجُوزُ أَيْضًا بِلَفْظِ " الصَّدَقَةِ " لِلْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ نا لَيْثٌ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» - فَهَذَا عُمُومٌ لِلْغُرَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ.
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] .
قُلْنَا: أَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِبَاتُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا أَفْعَالُ خَلْقِهِ وَلَا هِبَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا آمِرَ فَوْقَهُ، وَلَا شَرْعَ يَلْزَمُهُ، بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ فَكَيْفَ وَذَلِكَ الْغُلَامُ الْمَوْهُوبُ مَخْلُوقٌ مُرَكَّبٌ مِنْ نَفْسٍ مَوْجُودَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ خَلْقُهَا، وَمِنْ تُرَابٍ، وَمَا تَتَغَذَّى بِهِ أُمُّهُ، قَدْ تَقَدَّمَ خَلْقُ كُلِّ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ الْهَوَاءُ، وَقَدْ أَحَاطَ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمًا بِأَعْيَانِ كُلِّ ذَلِكَ، بِخِلَافِ خَلْقِهِ، وَالْكُلُّ مِلْكُهُ بِخِلَافِ خَلْقِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ فَرَّقَ مُخَالِفُونَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ -: فَبَعْضُهُمْ أَجَازَ الصَّدَقَةَ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ، وَلَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ إلَّا مَقْبُوضَةً.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست