responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 416
ثُمَّ لَوْ صَحَّ: أَنَّ " يُعَلِّمُونَ " بَدَلٌ مِنْ " كَفَرُوا " وَلَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَ ذَلِكَ أَصْلًا، لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمَ الشَّيَاطِينِ بَعْدَ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَذَلِكَ شَرِيعَةٌ لَا تَلْزَمُنَا، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّيَاطِينِ حُكْمٌ خَارِجٌ مِنْ حُكْمِنَا، وَكُلُّ حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي شَرِيعَتِنَا فَلَا يَلْزَمُنَا.
بَلْ قَدْ صَحَّ: أَنَّ حُكْمَ " الْجِنِّ " الْيَوْمَ فِي شَرِيعَتِنَا غَيْرُ حُكْمِنَا، كَمَا قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ الرَّوْثَ وَالْعِظَامَ طَعَامًا وَالرَّوْثُ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَحَلَالٌ لَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِذَا احْتَمَلَ ظَاهِرُ الْآيَةِ مَعْنَيَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا.
وَأَيْضًا - فَإِنَّ نَصَّ قَوْلِهِمْ: إنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا بِتَعْلِيمِ النَّاسِ السِّحْرَ - وَهُمْ يَزْعُمُونَ: أَنَّ الْمَلَكَيْنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ، وَلَا يَكْفُرُ الْمَلَكَانِ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِاخْتِلَافِ حُكْمِ تَعْلِيمِ السِّحْرِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ كُفْرًا، وَلَا يَكُونُ كُفْرًا بِذَلِكَ، فَإِذْ قَدْ قَالُوا ذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ: أَنَّ حُكْمَ السَّاحِرِ مِنْ النَّاسِ الْكُفْرُ قِيَاسًا عَلَى الشَّيَاطِينِ، دُونَ أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا قِيَاسًا عَلَى الْمَلَكَيْنِ؟ فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.؟ فَصَحَّ - أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي تَكْفِيرِ السَّاحِرِ مِنْ النَّاسِ: بِأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَكْفُرُونَ بِتَعْلِيمِهِ - هَذَا لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ كُفْرَ الشَّيَاطِينِ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِتَعْلِيمِهِمْ النَّاسَ السِّحْرَ خَاصَّةً - وَهَذَا لَا يَصِحُّ لَهُمْ أَبَدًا.
بَلْ قَدْ كَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَانَ تَعْلِيمُهُمْ النَّاسَ السِّحْرَ ضَلَالًا زَائِدًا، وَمَعْصِيَةً حَادِثَةً أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْآيَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، إلَّا بِالدَّعْوَى الْعَارِيَّةِ مِنْ الْبُرْهَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ صِرْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] فَوَجَدْنَاهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فِي هَذَا الْكَلَامِ النَّهْيُ عَنْ الْكُفْرِ جُمْلَةً، وَلَمْ يَقُولَا: فَلَا تَكْفُرْ بِتَعَلُّمِك السِّحْرِ، وَلَا بِعِلْمِك السِّحْرَ، هَذَا مَا لَا يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ أَصْلًا.
وَهَكَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 416
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست