responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 265
وَقَاسُوا أَيْضًا إسْقَاطَ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ عَنْ الْوَالِدِ فِي قَذْفِهِ لِوَلَدِهِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ عَنْهُ إنْ قَتَلَهُ - وَإِسْقَاطِهِمْ الْقِصَاصَ عَنْهُ لِوَلَدِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ الْحَدَّ عَنْهُ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ مَالِهِ.
وَعَلَى إسْقَاطِهِمْ الْحَدَّ فِي زِنَاهُ بِأُمِّ وَلَدِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا - وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِأَنْ لَا يُقَالَ لَهُمَا: أُفٍّ، وَلَا يُنْهَرَا، وَيُخْفَضَ لَهُمَا جَنَاحُ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ: فَحَقٌّ لَا يَحِيدُ عَنْهُ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ يَقْتَضِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْهُ فِي الْقَذْفِ لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي أَنَّ إمَامًا لَهُ وَالِدٌ قَدِمَ إلَيْهِ فِي قَذْفٍ، أَوْ فِي سَرِقَةٍ أَوْ فِي زِنًا، أَوْ فِي قَوَدٍ، فَإِنْ فَرَضَا عَلَى الْوَلَدِ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى وَالِدِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ، وَالْبِرِّ، وَأَنْ لَا يَنْهَرَهُ، وَلَا يَقُلْ لَهُ: أُفٍّ، وَأَنْ يَخْفِضَ لَهُ جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ، وَأَنْ يَشْكُرَ لَهُ وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وَقَدْ أَمَرَ مَعَ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ أَمَرَنَا بِرَحْمَتِهِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء: 36] الْآيَةَ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ ذَا الْقُرْبَى يُحَدُّ فِي قَذْفِ ذِي الْقُرْبَى وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُضَادَّ الْإِحْسَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ، بَلْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فَمِنْ دُونِهِمَا إحْسَانٌ إلَيْهِمَا وَبِرٌّ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَوْلَاهُ لَمْ يَجِبْ بِرُّهُمَا. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ إسْقَاطَ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ عَنْ الْوَالِدِ حَدَّ الزِّنَا فِي زِنَاهُ بِأَمَةِ وَلَدِهِ، وَعَلَى إسْقَاطِهِمْ عَنْهُ حَدَّ السَّرِقَةِ فِي سَرِقَةِ مَالِ وَلَدِهِ، وَعَلَى إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ عَنْهُ فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ، وَجَرْحِهِ إيَّاهُ فِي أَعْضَائِهِ - فَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، وَنَصْرٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ، وَاحْتِجَاجٌ مِنْهُ لِقَوْلٍ لَهُمْ فَاسِدٍ، بِقَوْلٍ لَهُمْ آخَرَ فَاسِدٍ، لَا يُتَابَعُونَ عَلَيْهِ، وَلَا أَوْجَبَهُ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ الْحُدُودُ وَالْقَوَدُ وَاجِبَانِ عَلَى الْأَبِ لِلْوَلَدِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 265
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست