responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 203
كَمَنْ دَخَلَ بَلَدًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَعْرِفُهَا، فَوَجَدَهَا أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ: فَهَذَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ، وَلَا يُحَدُّ فِيهِ حَدٌّ بِالْإِجْمَاعِ - وَبِهَذَا بَطَلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَذْكُورُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي وَصَفْنَا فِي وَطْءِ الْحَرِيمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ احْتِجَاجِ بَعْضِ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] ؟ قِيلَ لَهُمْ: إنْ كُنْتُمْ تَعَلَّقْتُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ بِمَنْ وَطِئَ عَمَّتَهُ، وَخَالَتَهُ، وَذَوَاتَ مَحَارِمِهِ، فَإِنَّهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ: فَأَبِيحُوا الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ، وَأَسْقِطُوا عَنْهُ الْمَلَامَةَ جُمْلَةً - فَهَذَا هُوَ نَصُّ الْآيَةِ، فَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَفَرُوا بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ - وَإِذْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَلَا أَسْقَطُوا الْمَلَامَةَ، وَلَا أَبَاحُوا لَهُ ذَلِكَ قَدْ ظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ فِي إيرَادِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ " إنَّ الْمَمْلُوكَةَ الْكِتَابِيَّةَ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ " فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ وَطِئَ أَحَدًا مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَأَوْجَبْتُمْ فِي كُلِّ هَذَا حَدَّ الزِّنَى، وَلَمْ تُلْحِقُوا الْوَلَدَ؟
قُلْنَا: إنَّ الْفَرْقَ فِي ذَلِكَ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ مِلْكَ الْيَمِينِ جُمْلَةً، وَحَرَّمَ ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ بِالنَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ، وَالصِّهْرِ، وَالْمُحْصَنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، تَحْرِيمًا وَاحِدًا مُسْتَوِيًا: فَحُرِّمَتْ أَعْيَانُهُنَّ كُلِّهِنَّ تَحْرِيمًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُنَّ لَمْسٌ، وَلَا رُؤْيَةٌ عُرْيَةً، وَلَا تَلَذُّذٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُنَّ مُحَرَّمَاتُ الْأَعْيَانِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] فَإِنَّمَا حَرَّمَ فِيهِنَّ النِّكَاحَ فَقَطْ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ إلَّا عَقْدَ الزَّوَاجِ، أَمَّا الْوَطْءُ فَقَطْ، فَإِذَا مَلَكْنَاهُنَّ فَلَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْنَا أَعْيَانُهُنَّ، إذْ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا إجْمَاعَ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ وَطْؤُهُنَّ فَقَطْ، وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى التَّحْلِيلِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: كَالْمَمْلُوكَةِ، وَالْحَائِضِ، وَالْمُحْرِمَةِ، وَالصَّائِمَةِ فَرْضًا، وَالْمُعْتَكِفَةِ فَرْضًا، وَالْحَامِلِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ، وَلَا فَرْقَ.
فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ كُنَّ فِرَاشًا فِي غَيْرِ الْوَطْءِ، فَكَانَ الْوَطْءُ - وَإِنْ كَانَ حَرَامًا - فَهُوَ فِي فِرَاشٍ لَمْ يُحَرَّمْ فِيهِ إلَّا الْوَطْءُ فَقَطْ وَكُلُّ وَطْءٍ فِي غَيْرِ

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 203
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست