responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 202
التَّسْمِيَةُ فِي الشَّرِيعَةِ إلَيْنَا - وَلَا كَرَامَةَ - إنَّمَا هِيَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا مَنْ سَمَّى كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَوَطْءٍ فَاسِدٍ - وَهُوَ الزِّنَى الْمَحْضُ - زَوَاجًا، لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى إبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ إلَى إسْقَاطِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا كَمَنْ سَمَّى الْخِنْزِيرَ: كَبْشًا، لِيَسْتَحِلَّهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَكَمَنْ سَمَّى الْخَمْرَ: نَبِيذًا، أَوْ طِلَاءً، لِيَسْتَحِلَّهَا بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَكَمَنْ سَمَّى الْبَيْعَةَ وَالْكَنِيسَةَ: مَسْجِدًا، وَكَمَنْ سَمَّى الْيَهُودِيَّةَ: إسْلَامًا - وَهَذَا هُوَ الِانْسِلَاخُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَنَقْضُ عَقْدِ الشَّرِيعَةِ، وَلَيْسَ فِي الْمُحَالِ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هَذَا نِكَاحٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا مِلْكٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ هَذَا كَلَامٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَئِنْ كَانَ نِكَاحًا أَوْ مِلْكًا فَإِنَّهُ لَصَحِيحٌ حَلَالٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الزَّوَاجَ، وَالْمِلْكَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] فَمَا كَانَ زَوَاجًا وَمِلْكَ يَمِينٍ فَهُوَ حَلَالٌ، طَلْقٌ، وَمُبَاحٌ، طَيِّبٌ، وَلَا مَلَامَةَ فِيهِ، وَلَا مَأْثَمَ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ اللَّوْمُ وَالْإِثْمُ فَلَيْسَ زَوَاجًا، وَلَا مِلْكًا مُبَاحًا لِلْوَطْءِ - وَلَا كَرَامَةَ - بَلْ هُوَ الْعُدْوَانُ وَالزِّنَى الْمُجَرَّدُ، لَا شَيْءَ إلَّا فِرَاشٌ، أَوْ عَهْرٌ حَرَامٌ، فَإِنْ وَجَدَ لَنَا يَوْمًا مَا أَنْ نَقُولَ: نِكَاحٌ فَاسِدٌ، أَوْ زَوَاجٌ فَاسِدٌ، أَوْ مِلْكٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ لَهُمْ، وَكَلَامٌ عَلَى مَعَانِيهِمْ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَ {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] وَقَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْجَزَاءَ لَيْسَ بِسَيِّئَةٍ، وَأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ عُدْوَانًا، وَأَنَّ مُعَارَضَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ لَيْسَ مَذْمُومًا، بَلْ هُوَ حَقٌّ.
فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ عَقَدَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ - وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، عَالِمًا بِالسَّبَبِ الْمُحَرِّمِ: فَهُوَ زَانٍ مُطْلَقٌ.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ نَكَحَ نِكَاحَ مُتْعَةٍ: أَوْ شِغَارٍ، أَوْ مَوْهُوبَةٍ، أَوْ عَلَى شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِصَدَاقٍ: لَا يَحِلُّ، مَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، أَوْ بِتَأْوِيلٍ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، فِي فَسَادِهِ، فَهُوَ مَعْذُورٌ، لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَذَفَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 202
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست