responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 120
يَقْبَلْ مِنْ الْوَثَنِيِّينَ مِنْ الْعَرَبِ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ - إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ إكْرَاهٌ فِي الدِّينِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَخْصُوصَةٌ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى خَاصَّةً، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِعَجُوزٍ نَصْرَانِيَّةٍ: أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ أَسْلِمِي تَسْلَمِي، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ؟ فَقَالَتْ الْعَجُوزُ: وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَأَمُوتُ إلَى قَرِيبٍ؟ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ.
وَبِمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إنْ عَاشَ وَلَدُهَا تُهَوِّدُهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] .
فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَاتَلَ الْكُفَّارَ إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى أَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ.
وَصَحَّ عَنْهُ الْإِكْرَاهُ فِي الدِّينِ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] .
وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] .
فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ " فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ " بَرَاءَةٌ " نَسَخَتْ كُلَّ حُكْمٍ تَقَدَّمَ، وَأَبْطَلَتْ كُلَّ عَهْدٍ سَلَفَ بِقَوْلِ تَعَالَى {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 7] وَإِنَّمَا كَانَتْ آيَةُ النَّبْذِ عَلَى سَوَاءٍ أَيَّامَ كَانَتْ الْمُهَادَنَاتُ جَائِزَةً، وَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مُشْرِكٍ أَصْلًا، إلَّا بِأَنْ يُقْتَلَ، أَوْ يُسْلِمَ، أَوْ يُنْبَذَ إلَيْهِ عَهْدُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَتْلِهِ حَيْثُ وُجِدَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَبْنَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فَيُقَرَّ عَلَى الْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ يَكُونَ مُسْتَجِيرًا فَيُجَارَ حَتَّى يُقْرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، ثُمَّ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَا بُدَّ، إلَى أَنْ يُسْلِمَ، وَلَا يُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ رَسُولًا فَيُتْرَكَ مُدَّةَ أَدَاءِ رِسَالَتِهِ، وَأَخْذِ جَوَابِهِ،

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 120
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست