responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 240
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ لِلْمَخْرَجِ وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْخَارِجِ وَعَظُمَ تَنَاقُضُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَعْلِيلُ كِلَا الرَّجُلَيْنِ مُضَادٌّ لِتَعْلِيلِ الْآخَرِ وَمُعَارِضٌ لَهُ، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيَّيْنِ وَالْحَنَفِيِّينَ مَعًا: قَدْ وَجَدْنَا الْخَارِجَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ مُخْتَلِفَ الْحُكْمِ، فَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ وَدَمِ النِّفَاسِ، وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَالْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَأَوْجَبْتُمْ فِيهِ الْوُضُوءَ قِيَاسًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ، دُونَ أَنْ تُوجِبُوا فِيهِ الْغُسْلَ قِيَاسًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ دُونَ أَنْ لَا تُوجِبُوا فِيهِ شَيْئًا قِيَاسًا عَلَى مَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا التَّحَكُّمُ بِالْهَوَى الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُكْمَ بِهِ وَبِالظَّنِّ الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَمَعَ فَسَادِ الْقِيَاسِ وَمُعَارَضَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَلَمْ يَقِيسُوا هَهُنَا فَوُفِّقُوا، وَلَا عَلَّلُوا هَهُنَا بِخَارِجٍ وَلَا بِمَخْرَجٍ وَلَا بِنَجَاسَةٍ فَأَصَابُوا، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي تَعْلِيلِهِمْ الْمُلَامَسَةَ بِالشَّهْوَةِ، وَفِي تَعْلِيلِهِمْ النَّهْيَ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَالْفَأْرَةُ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، لَوُفِّقُوا وَلَكِنْ لَمْ يُطَرِّدُوا أَقْوَالَهُمْ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا. وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مُرْسَلَاتٍ لَمْ يَأْخُذُوا بِهَا، وَهَذَا أَيْضًا تَنَاقُضٌ.
وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ، وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الْكَلِمَةِ الْعَوْرَاءِ يَقُولُهَا لِأَخِيهِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَأَنْ أَتَوَضَّأَ مِنْ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَوَضَّأَ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْحَدَثُ حَدَثَانِ، حَدَثُ الْفَرْجِ وَحَدَثُ اللِّسَانِ وَأَشَدُّهُمَا حَدَثُ اللِّسَانِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إنِّي لَأُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ أُحْدِثَ أَوْ أَقُولَ مُنْكَرًا، الْوُضُوءُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ. وَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ: الْوُضُوءُ يَجِبُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ الْمُحَبَّرِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ» .

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 240
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست