اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 250
قوله: "واستثنى كسوة ومنزل" الخ.
أقول: هذه الامور لا يخرج بها المالك لها عن كونه فقيرا مصرفا للزكاة ولم يسمع في عصر النبوة ولا فيما بعده ان ملبوس الرجل ومنزله وما يقيه الحر والبرد وسلاحه يخرجه عن صفة الفقر وقد كان الصرف في الفقراء منه صلى الله عليه وسلم ومن الخلفاء الراشدين ومعهم ما يحتاجون اليه من ذلك وهذا معلوم لا شك فيه.
نعم استثناء ما كان فيه زيادة نفيس ان كان صاحبه يحتاج اليه فلا وجه للاستثناء وان كان لايحتاج اليه ويكفي ما دونه وتندفع عنه الحاجة به فلا بأس بذلك ومن جملة ما ينبغي استثناؤه الدفاتر العلمية للعالم فإن ذلك مصلحته في الغالب عامة.
قوله: "والمسكين دونه"
أقول: قد ثبت في الصحيحين [البخاري "1476"، مسلم "103/1039"] ، وغيرهما [أحمد "2/316"، النسائي "5/84، 85"، أبو دأود "1631"] ، من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسال الناس".
وفي لفظ في الصحيحين [البخاري "1479"، مسلم "1039"] ، من حديثه: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان وانما المسكين الذي يتعفف اقرأوا ان شئتم {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة: 273] ، فأفاد هذا الحديث ان المسكين فقير لقوله: "لا يجد غنى يغنيه" مع زيادة كونه متعففا لا يقوم فيسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه فالمسكين فقير متعفف وبهذا القيد يظهر الفرق بينهما ويندفع قول من قال انهما مستويان وقول من قال ان المسكين فوق الفقير واعلى حالا منه لما هو معلوم من ان تعففه عن السؤال وعدم التفطن لكونه فقيرا زيادة حاجة وعظم ضرورة ومما يدل على افتراقهما في الجملة ما روى عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: "اللهم احيني مسكينا"، مع ما علم من تعوذه من الفقر.
قوله: "ولا يستكملا نصايا من جنس" الخ.
أقول: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع من العطاء الذي هو مجموع من اموال الله التي من جملتها الزكاة إلي الواحد من الصحابة انصباء كثيرة كما في الحديث الصحيح انه اعطى العباس من الدراهم ما عجز عن حمله وقال لعمر لما قال له إنه يصرف عطاءه فيمن هو أفقر منه إليه: "ما جاءك من هذا المال وانت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك" وهو في الصحيحين [البخاري "1473"، مسلم "1045"، وغيرهما [النسائي "2608"] ، من حديثه.
وظاهر هذا الأمر انه يقبل ما جاء إليه من أموال الله وان كان انصباء متعددة وقد كان الخلفاء الراشدون ومن بعدهم يعطون الفرد من المسلمين الالوف الكثيرة وقد أخرج أحمد بإسناد صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر لبعض من ساله بشاء كثيرة بين جبلين من شاء الصدقة، وثبت ان
اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 250