responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 6  صفحة : 484
الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجِهَادِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ سَبِيلِ اللَّهِ.
إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْجِهَادُ، إلَّا الْيَسِيرَ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُ بِهِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تُصْرَفُ إلَى أَحَدِ رَجُلَيْنِ، مُحْتَاجٍ إلَيْهَا، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ لِقَضَاءِ دُيُونِهِمْ، أَوْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، كَالْعَامِلِ وَالْغَازِي وَالْمُؤَلَّفِ وَالْغَارِمِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَالْحَجُّ مِنْ الْفَقِيرِ لَا نَفْعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ، وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَيْهِ، وَلَا حَاجَةَ بِهِ أَيْضًا إلَيْهِ، لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا فَرَضَ عَلَيْهِ فَيُسْقِطُهُ، وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِ، وَتَكْلِيفُهُ مَشَقَّةٌ قَدْ رَفَّهَهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَخَفَّفَ عَنْهُ إيجَابَهَا، وَتَوْفِيرُ هَذَا الْقَدْرِ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَصْنَافِ، أَوْ دَفْعُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى. وَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ غَيْرُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، لِكَوْنِهِ ابْنَ سَبِيلٍ. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ، وَمَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى السَّفَرِ، وَلَا حَاجَةَ بِهَذَا إلَى هَذَا السَّفَرِ. فَإِنْ قُلْنَا: يُدْفَعُ فِي الْحَجِّ مِنْهَا. فَلَا يُعْطَى إلَّا بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ سِوَاهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» . وَقَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إلَّا لِخَمْسَةٍ» . وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَاجَّ مِنْهُمْ. وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ، لَا لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ، كَمَنْ يَأْخُذُ لِفَقْرِهِ
وَالثَّانِي، أَنْ يَأْخُذَهُ لِحِجَّةِ الْفَرْضِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إسْقَاطِ فَرْضِهِ وَإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ، أَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ مَعًا. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ، فَالْحِجَّةُ مِنْهُ كَالتَّطَوُّعِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ، مَا يَحُجُّ بِهِ حِجَّةً كَامِلَةً، وَمَا يُغْنِيهِ فِي حِجَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ زَكَاةِ نَفْسِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِهَا.

[مَسْأَلَةٌ ابْنُ السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُنْقَطِعُ بِهِ وَلَهُ الْيَسَارُ فِي بَلَدِهِ فَيُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ مَا يُبَلِّغُهُ]
(5122) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَابْنُ السَّبِيلِ، وَهُوَ الْمُنْقَطِعُ بِهِ، وَلَهُ الْيَسَارُ فِي بَلَدِهِ، فَيُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ مَا يَبْلُغُهُ) ابْنُ السَّبِيلِ: هُوَ الصِّنْفُ الثَّامِنُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ. وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَبَقَاءِ سَهْمِهِ، وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَا يَرْجِعُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ، وَلَهُ الْيَسَارُ فِي بَلَدِهِ، فَيُعْطَى مَا يَرْجِعُ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ. وَنَحْوُهُ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، هُوَ الْمُخْتَارُ، وَمَنْ يُرِيدُ إنْشَاءَ السَّفَرِ إلَى بَلَدٍ أَيْضًا، فَيُدْفَعُ إلَيْهِمَا مَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهِ لِذَهَابِهِمَا وَعَوْدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَأَشْبَهَ الْمُجْتَازَ.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 6  صفحة : 484
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست