responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 58
مَا يَخْفَى وَيَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ إلَّا الْعَدَالَةُ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ عَنْهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَرْضِيٌّ حَتَّى نَعْرِفَهُ، أَوْ نُخْبَرَ عَنْهُ، فَيَأْمُرُ الْحَاكِمُ بِكَتْبِ أَسْمَائِهِمْ، وَكُنَاهُمْ، وَنَسَبِهِمْ، وَيُرْفَعُونَ فِيهَا بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَيَكْتُبُ صَنَائِعَهُمْ، وَمَعَايِشَهُمْ، وَمَوْضِعَ مَسَاكِنِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ؛ لِيَسْأَلَ عَنْ جِيرَانِهِمْ، وَأَهْلِ سُوقِهِمْ وَمَسْجِدِهِمْ، وَمَحَلَّتِهِمْ، وَنِحْلَتِهِمْ، فَيَكْتُبُ: أَسْوَدُ أَوْ أَبْيَضُ، أَوْ أَنْزَعُ أَوْ أَغَمُّ، أَوَأَشْهَلُ أَوْ أَكْحَلُ، أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ أَفْطَسُ، أَوْ رَقِيقُ الشَّفَتَيْنِ أَوْ غَلِيظُهُمَا، طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ أَوْ رَبْعَةٌ، وَنَحْوَ هَذَا، لِيَتَمَيَّزَ، وَلَا يَقَعُ اسْمٌ عَلَى اسْمٍ، وَيَكْتُبُ اسْمَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَقَدْرَ الْحَقِّ، وَيَكْتُبُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِأَصْحَابِ مَسَائِلِهِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةً.
وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا الْمَشْهُودَ لَهُ، لِئَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ قَرَابَةٌ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ، أَوْ شَرِكَةٌ، وَذَكَرْنَا اسْمَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا تَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ عَدَاوَةٌ، وَذَكَرْنَا قَدْرَ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مِمَّنْ يَرَوْنَ قَبُولَهُ فِي الْيَسِيرِ دُونِ الْكَثِيرِ، فَتَطِيبُ نَفْسُ الْمُزَكَّى بِهِ إذَا كَانَ يَسِيرًا، وَلَا تَطِيبُ إذَا كَانَ كَثِيرًا. وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُخْفِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَسَائِلِهِ مَا يُعْطِي الْآخَرَ مِنْ الرِّقَاعِ؛ لِئَلَّا يَتَوَاطَئُوا. وَإِنْ شَاءَ الْحَاكِمُ عَيَّنَ لِصَاحِبِ مَسَائِلِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ، مِنْ جِوَارِ الشَّاهِدِ، وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَطْلَقَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَسْئُولَ، وَيَكُونُ السُّؤَالُ سِرًّا؛ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ هَتْكُ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، وَرُبَّمَا يَخَافُ الْمَسْئُولُ مِنْ الشَّاهِدَ أَوْ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا عِنْدَهُ، أَوْ يَسْتَحْيِيَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ غَيْرَ مَعْرُوفِينَ لَهُ؛ لِئَلَّا يُقْصَدُوا بِهَدِيَّةِ أَوْ رِشْوَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَصْحَابَ عَفَافٍ فِي الطُّعْمَةِ وَالْأَنْفُسِ، ذَوِي عُقُولٍ وَافِرَةٍ، أَبْرِيَاءَ مِنْ الشَّحْنَاءِ وَالْبُغْضِ؛ لِئَلَّا يَطْعَنُوا فِي الشُّهُودِ، أَوْ يَسْأَلُوا عَنْ الشَّاهِدِ عَدُوَّهُ فَيَطْعَنَ فِيهِ، فَيَضِيعَ حَقُّ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَلَا يَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ، يَمِيلُونَ إلَى مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَيَكُونُونَ أُمَنَاءَ ثِقَاتٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ أَمَانَةٍ.
فَإِذَا رَجَعَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ، فَأَخْبَرَ اثْنَانِ بِالْعَدَالَةِ، قَبِلَ شَهَادَتَهُ، وَإِنْ أَخْبَرَا بِالْجَرْحِ، رَدَّ شَهَادَتَهُ، وَإِنْ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا بِالْعَدَالَةِ، وَالْآخِرُ بِالْجَرْحِ، بَعَثَ آخَرَيْنِ، فَإِنْ عَادَا فَأَخْبَرَا بِالتَّعْدِيلِ، تَمَّتْ بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ، وَسَقَطَ الْجَرْحُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَمْ تَتِمَّ، وَإِنْ أَخْبَرَا بِالْجَرْحِ، ثَبَتَ وَرَدَّ الشَّهَادَةَ، وَإِنْ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا بِالْجَرْحِ وَالْآخَرُ بِالتَّعْدِيلِ، تَمَّتْ الْبَيِّنَتَانِ، وَيُقَدِّمُ الْجَرْحَ، وَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ، وَيَقْبَلُ قَوْلَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ.
وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ إلَّا شَهَادَةَ الْمَسْئُولِينَ، وَيُكَلِّفُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِالتَّزْكِيَةِ وَالْجَرْحِ عِنْدَهُ، عَلَى شُرُوطِ الشَّهَادَةِ فِي اللَّفْظِ وَغَيْرِهِ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْ صَاحِبِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ، مَعَ حُضُورِ شُهُودِ الْأَصْلِ.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست