responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 38
وَرَوَى بُرَيْدَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ؛ اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ، قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَالْعَامِّيُّ يَقْضِي عَلَى الْجَهْلِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ آكَدُ مِنْ الْفُتْيَا؛ لِأَنَّهُ فُتْيَا وَإِلْزَامٌ، ثُمَّ الْمُفْتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا مُقَلِّدًا، فَالْحَكَمُ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُفْتِي يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا سَمِعَ. قُلْنَا: نَعَمْ. إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُفْتِيًا فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْبِرٌ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ مَعْمُولًا بِخَبَرِهِ لَا بِفُتْيَاهُ، وَيُخَالِفُ قَوْلَ الْمُقَوِّمِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْحَاكِمَ مَعْرِفَتُهُ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمِنْ شَرْطِ الِاجْتِهَادِ مَعْرِفَةُ سِتَّةِ أَشْيَاءَ؛ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَالِاخْتِلَافِ، وَالْقِيَاسِ، وَلِسَانِ الْعَرَبِ. أَمَّا الْكِتَابُ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ؛ الْخَاصَّ، وَالْعَامَّ، وَالْمُطْلَقَ، وَالْمُقَيَّدَ، وَالْمُحْكَمَ، وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْمُجْمَلَ، وَالْمُفَسَّرَ، وَالنَّاسِخَ، وَالْمَنْسُوخَ فِي الْآيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ نَحْوُ خَمْسِمِائَةٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ سَائِرِ الْقُرْآنِ.
فَأَمَّا السُّنَّةُ، فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالْأَحْكَامِ دُونَ سَائِرِ الْأَخْبَارِ، مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالرَّقَائِقِ، وَيَحْتَاجُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْهَا مَا يَعْرِفُ مِنْ الْكِتَابِ، وَيَزِيدُ مَعْرِفَةَ التَّوَاتُرِ، وَالْآحَادِ، وَالْمُرْسَلِ، وَالْمُتَّصِلِ، وَالْمُسْنَدِ، وَالْمُنْقَطِعِ، وَالصَّحِيحِ، وَالضَّعِيفِ، وَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَمَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ، وَشُرُوطِهِ، وَأَنْوَاعِهِ، وَكَيْفِيَّةِ اسْتِنْبَاطِهِ الْأَحْكَامَ، وَمَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذُكِرَ؛ لِيَتَعَرَّفَ بِهِ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَصْنَافِ عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِلْفُتْيَا، وَالْحُكْمُ فِي مَعْنَاهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ شُرُوطٌ لَا تَجْتَمِعُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا؟ . قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِهَذِهِ الْعُلُومِ إحَاطَةً تَجْمَعُ أَقْصَاهَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ، وَلَا أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا، فَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخِطَابِ، خَلِيفَتَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَزِيرَاهُ، وَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَهُ، فِي حَالِ إمَامَتِهِمَا يُسْأَلَانِ عَنْ الْحُكْمِ فَلَا يَعْرِفَانِ مَا فِيهِ مِنْ السُّنَّةِ، حَتَّى يَسْأَلَا النَّاسَ فَيُخْبَرَا «،

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 38
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست