responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 37
وَالشَّاهِدَ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْمَى؛ لِأَنَّ شُعَيْبًا كَانَ أَعْمَى. وَلَهُمْ فِي الْأَخْرَسِ الَّذِي تُفْهَمُ إشَارَتُهُ وَجْهَانِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذِهِ الْحَوَاسَّ تُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ، فَيَمْنَعُ فَقْدُهَا وِلَايَةَ الْقَضَاءِ كَالسَّمْعِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ مَنْصِبَ الشَّهَادَةِ دُونَ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ، وَالشَّاهِدُ يَشْهَدُ فِي أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا، وَرُبَّمَا أَحَاطَ بِحَقِيقَةِ عِلْمِهَا، وَالْقَاضِي وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ، وَيَحْكُمُ فِي قَضَايَا النَّاسِ عَامَّةً، فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الشَّهَادَةُ، فَالْقَضَاءُ أَوْلَى، وَمَا ذَكَرُوهُ عَنْ شُعَيْبٍ فَلَا نُسَلِّمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى، وَلَوْ ثَبَتَ فِيهِ ذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُ هَاهُنَا، فَإِنَّ شُعَيْبًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَانَ مَنْ آمَنَ مَعَهُ مِنْ النَّاسِ قَلِيلًا، وَرُبَّمَا لَا يَحْتَاجُونَ إلَى حَكَمٍ بَيْنَهُمْ لِقِلَّتِهِمْ وَتَنَاصُفِهِمْ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي مَسْأَلَتِنَا.
الشَّرْطُ الثَّانِي، الْعَدَالَةُ، فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ فَاسِقٍ، وَلَا مَنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى.
وَحُكِيَ عَنْ الْأَصَمِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَاسِقًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوْقَاتِهَا، فَصَلُّوهَا لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً» . وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] . فَأَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ عِنْدَ قَوْلِ الْفَاسِقِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيَجِبُ التَّبَيُّنُ عِنْدَ حُكْمِهِ؛ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا، فَلِئَلَّا يَكُونَ قَاضِيًا أَوْلَى.
فَأَمَّا الْخَبَرُ فَأَخْبَرَ بِوُقُوعِ كَوْنِهِمْ أُمَرَاءَ، لَا بِمَشْرُوعِيَّتِهِ، وَالنِّزَاعُ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ، لَا فِي وُجُودِهَا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا فَيَحْكُمَ بِالتَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ فَصْلُ الْخَصَائِمِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِالتَّقْلِيدِ جَازَ، كَمَا يُحْكَمُ بِقَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] . وَلَمْ يَقُلْ بِالتَّقْلِيدِ، وَقَالَ: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] . وَقَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] .

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 37
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست