responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 181
وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الصِّدْقَ فِيمَا قَذَفَ بِهِ، فَتَوْبَتُهُ الِاسْتِغْفَارُ، وَالْإِقْرَارُ بِبُطْلَانِ مَا قَالَهُ وَتَحْرِيمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِثْلِهِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ إكْذَابُ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَذْفُ بِشَهَادَةٍ أَوْ سَبٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا فِي الشَّهَادَةِ، صَادِقًا فِي السَّبِّ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْقَاذِفَ كَاذِبًا إذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] . فَتَكْذِيبُ الصَّادِقِ نَفْسَهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَادِقًا.

[فَصْل وَكُلُّ ذَنْبٍ تَلْزَمُ فَاعِلَهُ التَّوْبَةُ مِنْهُ]
(8400) فَصْلٌ: وَكُلُّ ذَنْبٍ تَلْزَمُ فَاعِلَهُ التَّوْبَةُ مِنْهُ، وَمَتَى تَابَ مِنْهُ، قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ؛ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [آل عمران: 136] الْآيَةَ.
وَقَالَ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] . وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» . وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَقِيَّةُ عُمْرِ الْمُؤْمِنِ لَا قِيمَةَ لَهُ، يُدْرِكُ فِيهِ مَا فَاتَ، وَيُحْيِي فِيهِ مَا أَمَاتَ، وَيُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ. وَالتَّوْبَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ بَاطِنَةٌ، وَحُكْمِيَّةٌ، فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ، فَهِيَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لَا تُوجِبُ حَقًّا عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ، كَقُبْلَةِ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَشُرْبِ مُسْكِرٍ، أَوْ كَذِبٍ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ النَّدَمُ، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» . وَقِيلَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ تَجْمَعُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ؛ النَّدَمَ بِالْقَلْبِ، وَالِاسْتِغْفَارَ بِاللِّسَانِ، وَإِضْمَارَ أَنْ لَا يَعُودَ، وَمُجَانَبَةَ خُلَطَاءِ السُّوءِ. وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ عَلَيْهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِآدَمِيٍّ؛ كَمَنْعِ الزَّكَاةِ وَالْغَصْبِ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَتَرْكِ الْمَظْلِمَةِ حَسْبَ إمْكَانِهِ، بِأَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَيَرُدَّ الْمَغْصُوبَ، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا قِيمَتَهُ. وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا حَقٌّ فِي الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ، كَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، اُشْتُرِطَ فِي التَّوْبَةِ

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست