responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المدخل المؤلف : ابن الحاج    الجزء : 1  صفحة : 304
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَرِي الْمُسَافِرِينَ، فَإِذَا وَصَلْت إلَى مَوْضِعِك الَّذِي كُنْت فِيهِ وَجَدْته قَدْ تَغَيَّرَ حَالُهُ إلَى مَا هُوَ أَشَدُّ فَتَنْدَمُ عَلَى رُجُوعِك إلَيْهِ، وَتَرَى أَنَّ إقَامَتَك فِي مَوْضِعِك الَّذِي كُنْت سَافَرْت إلَيْهِ أَقَلُّ فَسَادًا فَتَقَعُ فِي ضَيَاعِ الْأَوْقَاتِ، وَالْمَشَاقِّ وَارْتِكَابِ الْأَهْوَالِ وَرُؤْيَةِ الْمُخَالَفَاتِ وَمُبَاشَرَتِهَا عِيَانًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يُسَافِرْ، ثُمَّ يَبْقَى حَالُهُ كَذَلِكَ مُذَبْذَبًا لَا يَسْتَقِرُّ لَهُ قَرَارٌ، أَوْ كَمَا قَالَ وَفِي أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِقَامَةِ فِي الْبُيُوتِ رِفْقٌ عَظِيمٌ وَرَحْمَةٌ شَامِلَةٌ لِأُمَّتِهِ بِبَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ عَنْهُمْ تِلْكَ الْمَشَقَّاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا بِالْجُلُوسِ فِي، أَوْطَانِهِمْ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نِعْمَ الصَّوَامِعُ بُيُوتُ أُمَّتِي» . هَذَا وَجْهٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَوْضِعَ إذَا كَثُرَ فِيهِ الْفَسَادُ، وَأَهْلُهُ الْمُقِيمُونَ مَعَهُ عَلَى حَالِهِمْ لَمْ يُصِبْهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْبَلَاءِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى قُوَّةِ حَالِ الْوَلِيِّ الْمُقِيمِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا قُوَّةُ حَالِهِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَكَانَتُهُ عِنْدَهُ وَقُرْبُهُ مِنْهُ مَا انْدَفَعَتْ الْعُقُوبَةُ عَنْهُمْ فَبِنَفْسِهِ وَهِمَّتِهِ الْعَالِيَةِ وَحُلُولِهِ بَيْنَهُمْ أَخَّرَ الْمَوْلَى الْكَرِيمُ الْعَذَابَ عَنْهُمْ لِيَتُوبَ مَنْ يَتُوبُ وَيَرْجِعَ مَنْ يَرْجِعُ، أَوْ يُصِيبُ الْعَذَابُ بَعْضَهُمْ خُصُوصًا وَلَا يَقَعُ عَامًّا.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ بِالصِّقِلِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُخْلِ الْأَرْضَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؛ إمَّا قَائِمٌ لَهُ بِحُجَّةٍ، وَإِمَّا مَدْفُوعٌ بِهِ الْبَلَاءُ انْتَهَى.
فَالْقَائِمُ بِالْحُجَّةِ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْمَدْفُوعُ بِهِ الْبَلَاءُ قَدْ يُعْرَفُ، وَقَدْ لَا يُعْرَفُ، وَقَدْ يَعْرِفُهُ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ آخَرِينَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ مَا جَرَى لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ الْمَعْرُوفِ بِالْقُرَشِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا أَنْ رَأَى فِي وَقْتِهِ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ بِأَهْلِ مِصْرَ بَلَاءٌ قَالَ: أَيَقَعُ هَذَا وَأَنَا فِيهِمْ قِيلَ لَهُ: اُخْرُجْ مِنْ بَيْنِهِمْ فَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فَخَرَجَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الشَّامِ فَأَقَامَ بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ خُرُوجِهِ نَزَلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ أَسْأَلُ اللَّهِ الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ، فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُعَذَّبُونَ عَذَابًا عَامًّا وَفِيهِمْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ

فَعَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْفِرَارُ إلَى الْبُيُوتِ

اسم الکتاب : المدخل المؤلف : ابن الحاج    الجزء : 1  صفحة : 304
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست