responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المدخل المؤلف : ابن الحاج    الجزء : 1  صفحة : 303
فَمَا مَنَعَك أَنْتَ أَنْ تَرْجِعَ إلَى رَبِّك فَقَالَ لَهُ: إنَّ تَوْبَتِي وُكِّلَتْ إلَى ابْنِ خَالَتِي مُوسَى فَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنِّي فَهَذَا وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي قَبُولِ التَّائِبِ عِنْدَ صِدْقِهِ فِي رُجُوعِهِ إلَى مَوْلَاهُ الْكَرِيمِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِك» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِ مَعْنَاهُ لَكِنْ قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَسْلَمُ لِذِي دِينٍ إلَّا مَنْ فَرَّ مِنْ شَاهِقٍ إلَى شَاهِقٍ كَطَائِرٍ بِأَفْرَاخِهِ، أَوْ كَثَعْلَبٍ بِأَشْبَالِهِ» .
أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا أَتْقَاهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَا أَتْقَاهُ» فَظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ هَذَا بِالْإِقَامَةِ فِي بَيْتِهِ وَأَمَرَ هَذَا بِالْفِرَارِ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ، وَالْفِرَارِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ ظَاهِرُهُ التَّعَارُضُ وَكَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ مَا مَعْنَاهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي الْفِرَارِ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَانٍ يَكُونُ فِيهِ بَعْضُ الْمَوَاضِعِ صَالِحًا لِلْإِقَامَةِ فِيهَا وَأُخْرَى فَاسِدَةً، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَفِرَّ بِدَيْنِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْفَاسِدَةِ إلَى الْمَوَاضِعِ الصَّالِحَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّمَانُ قَدْ اسْتَوَى فِي عُمُومِ مُخَالَفَةِ السُّنَنِ وَارْتِكَابِ الْبِدَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ يَفِرُّ إلَيْهِ فَلْيَكُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِهِ وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إذَا رَأَيْت الْفَسَادَ قَدْ كَثُرَ فِي مَوْضِعٍ وَعَلَا أَمْرُهُ فَلَا تَخْرُجُ فِرَارًا مِنْهُ وَاعْتَزِلْ مَا قَدَرْت عَلَيْهِ وَكُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِك وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّك إذَا خَرَجْت مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ وَصِرْت إلَى غَيْرِهِ وَجَدْتَهُ أَكْثَرَ فَسَادًا وَمَنَاكِرَ وَبِدَعًا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجْت عَنْهُ فَتَنْدَمُ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى خُرُوجِك مِنْهُ وَتُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَوْضِعِك الَّذِي كُنْت فِيهِ فَتَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِشَارَةِ، وَالِاسْتِخَارَةِ وَتَبْدِيلِ الْحَالِ بِطُرُقِ الْأَسْفَارِ وَمُبَاشَرَةِ مَا كُنْت مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ وَمُلَاقَاةِ الْمَخَاوِفِ

اسم الکتاب : المدخل المؤلف : ابن الحاج    الجزء : 1  صفحة : 303
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست