responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المدخل المؤلف : ابن الحاج    الجزء : 1  صفحة : 155
وَكَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: وَقَدْ قَلَّتْ الْمَفَاتِيحُ وَإِنْ وُجِدَ مِفْتَاحٌ فَقَلَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِيمًا انْتَهَى. وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ عُدِمَتْ الْمَفَاتِيحُ فِي الْغَالِبِ، وَقَدْ صَارَتْ الْعُلُومُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ بِحُسْنِ الثِّيَابِ وَطُولِهَا وَوُسْعِهَا. وَانْظُرْ رَحِمَكَ اللَّهُ إلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي تَرَتَّبَتْ عَلَى هَذَا اللِّبَاسِ مَا أَشْنَعَهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ كَانَ مُصَانًا مُرَفَّعًا مُعَظَّمًا لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ إلَّا أَهْلُهُ الْمُتَّصِفُونَ بِهِ فَلَمَّا أَنْ لَبِسُوا لَهُ خِلْعَةً يَخْتَصُّ بِهَا بَقِيَ يَدَّعِيهِ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بَلْ مَغْمُوسٌ فِي الْجَهْلِ وَاخْتَلَطَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعَالِمُ مَعَ الْعَامِّيِّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِ عُدُولِ هَذَا الْوَقْتِ الْمَشْهُورِينَ تَيَمَّمَ عَنْ جُرْحٍ أَصَابَ يَدَهُ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامِهِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَسَحَ أُصْبُعَ الْجَرِيحِ فِي حَائِطٍ وَقَالَ هَذَا التَّيَمُّمُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ مَا قَالَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَيَتَيَمَّمُ عَنْ الْجَرِيحِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّيَمُّمِ عَنْهُ فَلَوْ بَقِيَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ فِي هَدْيِ الْعَالِمِ وَسَمْتِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَتَقَشُّفِهِ وَخَوْفِهِ وَقَلَقِهِ وَهَرَبِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الدُّنْيَا وَأَبْنَائِهَا وَحُسْنِ مَنْطِقِهِ وَعُذُوبَةِ عِبَارَتِهِ وَوُقُوفِهِ عَلَى بَابِ رَبِّهِ وَدَعْوَى النَّاسِ إلَى ذَلِكَ وَتَوَاضُعِهِ وَإِشْفَاقِهِ عَالِمًا بِأَهْلِ زَمَانِهِ مُتَحَفِّظًا مِنْ سُلْطَانِهِ سَاعِيًا فِي خَلَاصِ نَفْسِهِ وَنَجَاةِ مُهْجَتِهِ مُقَدِّمًا بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَرَضِ دُنْيَاهُ مُجَاهِدًا لِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ مَا اسْتَطَاعَ وَيَكُونُ أَهَمُّ أُمُورِهِ عِنْدَهُ الْوَرَعَ فِي دِينِهِ وَاسْتِعْمَالَ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَمُرَاقَبَتَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عِنْدَهُ، فَلَوْ بَقِيَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بَعْضِ هَذَا لَحُفِظَ بِهِمْ الْعِلْمُ وَتَمَيَّزَ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَكِنْ خَلَطُوا فَتَخَلَّطَ الْأَمْرُ وَانْدَرَسَ وَصَارَ لَا يُعْرَفُ الْعَالِمُ مِنْ الْعَامِّيِّ لِتَقَارُبِ النِّسْبَةِ بَيْنَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ وَالْحَالِ، فَتَجِدُ لِبَاسَ بَعْضِ الْعَوَامّ كَلِبَاسِ الْعَالَمِ لِيُدْخِلَ نَفْسَهُ فِي مَنْصِبٍ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَعْرِفُهُ.

وَتَجِدُ تَصَرُّفَ الْعَالِمِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَتَصَرُّفِ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَمَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْ الْجَائِزِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمَمْنُوعِ إنَّمَا هُوَ فِي الدُّرُوسِ جَارٍ عَلَى اللِّسَانِ لَيْسَ

اسم الکتاب : المدخل المؤلف : ابن الحاج    الجزء : 1  صفحة : 155
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست