responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 89
وَرَاءَ ظَهْرِهِ: فَأُولَئِكَ يَصْلَوْنَ سَعِيرًا.

وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، يَجُوزُهُ الْعِبَادُ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَنَاجُونَ مُتَفَاوِتُونَ فِي سُرْعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّادِسُ: سَكَتَ عَنْ الصِّنَجِ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَمَثَاقِيلِ الذَّرِّ تَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: تُوضَعُ الْحَسَنَةُ فِي كِفَّةٍ وَالسَّيِّئَاتُ فِي كِفَّةٍ أَنَّ الصِّنَجَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيمَنْ لَهُ حَسَنَاتٌ فَقَطْ أَوْ سَيِّئَاتٌ فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ فَإِنَّهَا تُوضَعُ حَسَنَاتُهُ فِي مُقَابَلَةِ سَيِّئَاتِهِ حَرَّرَهُ.
السَّابِعُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نَاجِي: إذَا وَقَعَ الْوَزْنُ بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الْمَظَالِمِ وَالْحُقُوقِ وَتَعَدَّتْ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى فَرَغَتْ حَسَنَاتُ الظَّالِمِ قَبْلَ فَرَاغِ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ وَتُطْرَحُ عَلَى الظَّالِمِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أَيْ لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ ذَنْبَ أُخْرَى لِمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ فِي شَخْصَيْنِ لَا حَقَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَأَمَّا هَذِهِ فَبِذَنْبِهِ أُخِذَ وَبِكَسْبِهِ غُفِرَتْ، وَمَحَلُّ الطَّرْحِ الْمَذْكُورِ إذَا مَاتَ الظَّالِمُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقَضَاءِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ عَاجِزًا فَلَا يُطْرَحُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ مَظْلُومِهِ شَيْءٌ.
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَظْلُومِ سَيِّئَةٌ كَالْأَنْبِيَاءِ وَلَا لِلظَّالِمِ حَسَنَةٌ كَالْكُفَّارِ فَيُعْطَى الْمَظْلُومُ مِنْ الثَّوَابِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى الظَّالِمِ، وَيُزَادُ فِي عُقُوبَةِ الظَّالِمِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَظْلُومُ أَنْ لَوْ كَانَ ثُمَّ مَا يُؤْخَذُ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ إذَا كَانَ الْمَظْلُومُ ذِمِّيًّا وَالظَّالِمُ مُسْلِمًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْقُطُ حَقُّهُ كَالْحَرْبِيِّ، وَقَالَ آخَرُونَ: صَارَ حَقًّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْلُبُ بِهِ الظَّالِمَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلَّا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَالْحَدِيثُ بَلَغَتْ رُوَاتُهُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ.
الثَّامِنُ: لَيْسَ وَزْنُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ لِلْوُصُولِ لِلْإِحَاطَةِ بِمَقَادِيرِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَإِنَّمَا حِكْمَةُ ذَلِكَ امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِينَ بِالْإِيمَانِ بِذَلِكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَتَخْوِيفُهُمْ مِنْ عَاقِبَةِ السَّيِّئَاتِ وَتَرْغِيبُهُمْ فِي فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، لِأَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] .

(وَ) مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ حِسَابَهُمْ (يُؤْتَوْنَ) أَيْ يُعْطُونَ (صَحَائِفَهُمْ) جَمْعُ صَحِيفَةٍ وَهِيَ الْكُتُبُ الْمَشْحُونَةُ (بِأَعْمَالِهِمْ) الَّتِي كَتَبَهَا عَلَيْهِمْ الْحَفَظَةُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ أَخْذَ الصُّحُفِ بَعْدَ الْعَرْضِ وَقَبْلَ السُّؤَالِ وَالْحِسَابِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ أَخْذَ الصُّحُفِ عَلَى الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ بَعْدَ الْحِسَابِ وَالْحِسَابَ بَعْدَ أَخْذِ الصُّحُفِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَحَقِّيَّةِ أَخْذِ الصُّحُفِ الْكِتَابُ وَالْأَحَادِيثُ وَالْإِجْمَاعُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّحَائِفِ كُتُبُ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي كُتِبَتْ فِيهَا أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَمْ يُذْكَرْ مَنْ يُؤْتِي لَهُمْ الْكُتُبَ وَيَدْفَعُهَا لَهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ. فَقِيلَ إنَّ الرِّيحَ تُطَيِّرُهَا مِنْ خِزَانَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَا تُخْطِئُ صَحِيفَةٌ عُنُقَ صَاحِبِهَا، وَقِيلَ إنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُدْعَى فَيُعْطَى كِتَابَهُ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الطَّائِعُ فَيَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَالْكَافِرُ يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِي الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَمُقَابَلَةُ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ تَدُلُّ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) وَلَوْ عَاصِيًا (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) أَيْ سَهْلًا هَيِّنًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةُ {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [الإسراء: 71] أَيْ لَا يُنْقَصُونَ مِنْ ثَوَابِهِمْ مِقْدَارَ فَتِيلٍ وَهُوَ الْقِشْرُ الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ، سُمِّيَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَرَادَ اسْتِخْرَاجَهُ يَنْفَتِلُ وَهُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ لِلشَّيْءِ الْحَقِيرِ وَمِثْلُهُ النَّقِيرُ وَالْقِطْمِيرُ. (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) وَهُوَ الْكَافِرُ إجْمَاعًا. (فَأُولَئِكَ يَصْلَوْنَ سَعِيرًا) وَالتِّلَاوَةُ {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا - وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 11 - 12] قَالَ الْمُفَسِّرُ: أَيْ يَتَمَنَّى الثُّبُورَ بِقَوْلِهِ يَا ثُبُورَاهُ وَهُوَ الْهَلَاكُ، وَالصَّلَى الِاحْتِرَاقُ أَيْ يَذُوقُونَ حَرَّهَا، وَالسَّعِيرُ اسْمٌ لِطَبَقَةٍ مِنْ طِبَاقِ النَّارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَهُ هُنَا عَلَى النَّارِ، وَقَوْلُهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ هُوَ لَفْظُ الْقُرْآنِ فِي آيَةٍ وَفِي أُخْرَى بِشِمَالِهِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْكَافِرَ يُدْخِلُ،

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 89
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست