responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 88
الْمُفْلِحُونَ.

وَيُؤْتَوْنَ صَحَائِفَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمِنْهُ الْيَسِيرُ وَمِنْهُ الْعَسِيرُ وَمِنْهُ الْجَهْرُ وَمِنْهُ السِّرُّ، وَيَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْإِنْسِيِّ وَالْجِنِّيِّ إلَّا مَنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِاسْتِثْنَائِهِ فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ» . وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَكُونُ أَدْنَى إلَى رَحْمَةٍ فَلَا يُحَاسَبُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَافِرِينَ مَنْ هُوَ أَدْنَى إلَى غَضَبِ اللَّهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَلَا يُحَاسَبُ أَيْضًا.

(فَائِدَةٌ) : مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَضَاءُ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ وَتَفْرِيجُ الْكُرَبِ عَنْهُمْ وَالتَّجَاوُزُ لَهُمْ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ أَخْذًا وَعَطَاءً، وَكَذَا إشْبَاعُ الْجَائِعِ وَكُسْوَةُ الْعُرْيَانِ وَإِيوَاءُ ابْنِ السَّبِيلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ رِفْقٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَمَّا كَانَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَرَتِّبَةً، أَوَّلُهَا: الْبَعْثُ وَهُوَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَإِعَادَتُهُمْ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ النُّشُورُ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَشِرُونَ حِينَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَثَانِيهَا: الْحَشْرُ وَالْجَمْعُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47] ثَالِثُهَا: الْقِيَامُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. رَابِعُهَا: الْعَرْضُ عَلَى الرَّبِّ. خَامِسُهَا: تَطَايُرُ الصُّحُفِ وَأَخْذُهَا بِالْأَيْمَانِ وَالشَّمَائِلِ الَّتِي يَقُولُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] . سَادِسُهَا: السُّؤَالُ وَالْحِسَابُ.

وَسَابِعُهَا: الْمِيزَانُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَتُوضَعُ الْمَوَازِينُ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَزْنُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ الَّذِينَ يُحَاسَبُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] . وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: 8] (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) أَيْ مَوْزُونَاتُهُ (فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) أَيْ النَّاجُونَ، وَقَدْ بَلَغَتْ أَحَادِيثُهُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ مِيزَانٌ حِسِّيٌّ لَهُ كِفَّتَانِ وَلِسَانٌ تُوضَعُ فِيهِ صُحُفُ الْأَعْمَالِ أَوْ أَعْيَانُهَا بَعْدَ تَجْسِيمِهَا لِيَظْهَرَ الرَّاجِحُ وَالْخَاسِرُ.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:
وَمِثْلُ هَذَا الْوَزْنُ وَالْمِيزَانُ ... فَتُوزَنُ الْكُتُبُ أَوْ الْأَعْيَانُ
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: إنَّمَا قَيَّدْنَا بِاَلَّذِينَ يُحَاسَبُونَ لِمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الْمِيزَانَ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ فِيهِ: «يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أُدْخِلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِك مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ» وَأُجْزِي الْأَنْبِيَاءَ فَاَلَّذِي لَا يُحَاسَبُ لَا تُوزَنُ أَعْمَالُهُ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ: أَهْلُ الصَّبْرِ أَيْضًا لَا تُوزَنُ أَعْمَالُهُمْ وَإِنَّمَا يُصَبُّ لَهُمْ الْأَجْرُ صَبًّا.
الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: الْعِبَادُ شُمُولُ الْكُفَّارِ وَفِيهِمْ قَوْلَانِ. فَمَنْ قَالَ بِدُخُولِهِمْ نَظَرَ لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ فَقَدْ نَظَرَ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] وَأَوَّلُهَا مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الصِّفَةِ أَيْ نَافِعًا، وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
الثَّالِثُ: وَقْتُ الْوَزْنِ بَعْدَ الْحِسَابِ كَمَا ذَكَرْنَا وَمَكَانُهُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِحْدَى كِفَّتَيْهِ عَلَى الْجَنَّةِ وَالْأُخْرَى عَلَى النَّارِ، وَالْمُنْتَصِبُ لِذَلِكَ جِبْرِيلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَأْخُذُ بِعَمُودِهِ مُسْتَقْبِلًا بِهِ الْعَرْشَ وَمِيكَائِيلُ أَمِينٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مِيزَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، وَقِيلَ مُتَعَدِّدٌ بِتَعَدُّدِ الْأُمَمِ، وَقِيلَ بِعَدَدِ الْمُكَلَّفِينَ.
الرَّابِعُ: ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْوَزْنِ خِفَّةً وَثِقَلًا فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ كَيْفِيَّتِهِ فِي الدُّنْيَا مَا ثَقُلَ وَرَجَحَ نَزَلَ إلَى أَسْفَلَ ثُمَّ يُرْفَعُ إلَى عِلِّيِّينَ، وَمَا خَفَّ طَاشَ إلَى أَعْلَى ثُمَّ نَزَلَ إلَى سِجِّينٍ، وَعَلَامَةُ الرُّجْحَانِ ظُهُورُ نُورٍ وَعَلَامَةُ عَدَمِهِ ظُهُورُ ظُلْمَةٍ، وَقِيلَ: يَخْلُقُ اللَّهُ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَعْرِفُ بِهِ الرَّاجِحَ مِنْ الْحَسَنَاتِ أَوْ السَّيِّئَاتِ.
الْخَامِسُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُقَابِلِ: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 8] وَهُوَ {مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 8] ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ وَيُحْمَلُ عَلَى الْكَافِرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَمَّنْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ قِيلَ: وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَهُوَ سُوَرٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ فَمَنَعَتْهُمْ الْحَسَنَاتُ مِنْ النَّارِ وَالسَّيِّئَاتُ مِنْ الْجَنَّةِ فَيَقُومُونَ فِي سُوَرِ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُدْخِلُهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ وَهُمْ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 88
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست