responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 78
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ الْقُرْآنِ غُفْرَانُ الصَّغَائِرِ بِمُجَرَّدِ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُ الِامْتِثَالِ يَحْصُلُ بِهِ الْخَلَاصُ مِنْ عُهْدَةِ الْكَبِيرَةِ، وَالثَّوَابُ بِخِلَافِ التَّرْكِ الْمُجَرَّدِ عَنْ قَصْدِ الِامْتِثَالِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ الْمُكَلَّفُ مِنْ عُهْدَةِ الْكَبِيرَةِ فَقَطْ دُونَ ثَوَابِ الِامْتِثَالِ، خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَ فِي تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ بِالِاجْتِنَابِ قَصْدَ الِامْتِثَالِ.
الثَّانِي: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي انْقِسَامِ الذُّنُوبِ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ كُلُّهَا كَبَائِرُ وَمَا سُمِّيَ مِنْهَا صَغِيرًا فَبِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ.
قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:
ثُمَّ الذُّنُوبُ عِنْدَنَا قِسْمَانِ ... صَغِيرَةٌ كَبِيرَةٌ فَالثَّانِي
مِنْهُ الْمَتَابُ وَاجِبٌ فِي الْحَالِ ... وَلَا انْتِقَاضَ إنْ يَعُدْ لِلْحَالِ.
1 -
وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي عَدِّ الْكَبَائِرِ، وَالْحَقُّ عَدَمُ حَصْرِ الْكَبَائِرِ فِي عَدَدٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَى السَّمْعِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» لِكَوْنِهَا مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَمَيْلِ النَّفْسِ إلَيْهَا وَارْتِكَابِ الْمُكَلَّفِ لَهَا، وَكَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ حَصْرِهَا بِالْعَدِّ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ ضَبْطِهَا بِالْحَدِّ بَلْ يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى نَصِّ الْعُلَمَاءِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنُصَّ اللَّهُ عَلَى أَعْيَانِهَا لِيَكُونَ الْعَبْدُ مُمْتَنِعًا مِنْ جَمِيعِهَا مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْكَبَائِرِ، كَمَا أَخْفَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي انْتِظَارِهَا وَسَاعَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ وَالْوَلِيَّ مِنْ النَّاسِ لِلْحِرْصِ عَلَى الدُّعَاءِ فِي كُلِّ الْيَوْمِ وَبِكُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَعَلَى الِاعْتِقَادِ فِي كُلِّ النَّاسِ.
الثَّالِثُ: أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ الْكُفْرُ وَيَلِيه قَتْلُ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، وَقِيلَ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ كُفْرِهِ بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهُ بِحَسَبِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ فِي الْكَيْلِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ جُمْلَةً وَكَذَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمُهَا مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، وَكَضَرْبِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَسَبِّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ مِثْلُ الْخَضِرِ وَهَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَقَبُولِ الرِّشْوَةِ. وَالصَّغِيرَةُ أَفْرَادُهَا كَثِيرَةٌ وَلْنُنَبِّهْ مِنْهَا عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ كَبِيرَةً مَعَ كَوْنِهِ صَغِيرَةً، كَقُبْلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَعْنِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ بَهِيمَةً وَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا إفْسَادُ بَدَنٍ وَلَا مَالٍ وَلَا ضَرُورَةَ وَهَجْرِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ تَعْرِيضًا وَهَجْرِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالنَّوْحِ وَالْجُلُوسِ مَعَ الْفَاسِقِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ وَالنَّجْشِ وَالِاحْتِكَارِ الْمُضِرِّ وَبَيْعِ مَا عَلِمَهُ مَعِيبًا كَاتِمًا عَيْبَهُ وَالْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ.
وَالصَّغِيرَةُ تَنْقَلِبُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَالتَّهَاوُنِ بِهَا وَالْفَرَحِ بِهَا وَصُدُورِهَا مِنْ عَالِمٍ فَيُقْتَدَى بِهِ فِيهَا، وَحَقِيقَةُ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ الْإِقَامَةُ عَلَيْهِ وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ.
الرَّابِعُ: غُفْرَانُ الصَّغَائِرِ بِالِاجْتِنَابِ الْمَذْكُورِ قَطْعِيٌّ وَقِيلَ ظَنِّيٌّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ، وَعَلَى الثَّانِي أَئِمَّةُ الْكَلَامِ وَلِكُلٍّ دَلِيلٌ، وَيَحْصُلُ غُفْرَانُ الصَّغَائِرِ وَلَوْ بِاجْتِنَابِ كَبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الظَّاهِرِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَرُبَّمَا يُعَارِضُهُ تَفْسِيرُ الِاجْتِنَابِ بِأَنَّهُ عَدَمُ مُفَارَقَةِ الْكَبِيرَةِ أَوْ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْهَا إنْ صَدَرَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَتَابَ مِنْهَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ الِاجْتِنَابُ إنْ ارْتَكَبَ أُخْرَى وَلَمْ يَتُبْ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ الْآيَةِ عَدَمُ الْإِصْرَارِ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَلَوْ وَاحِدَةً وَحَرَّرَهُ.
الْخَامِسُ: نَشَأَ سُؤَالٌ مِمَّا قَدَّمْنَا وَمِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُحَصِّلُهُ: إذَا كَانَتْ الصَّغَائِرُ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالْكَبَائِرُ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ مَحْضُ الْعَفْوِ فَمَاذَا يُكَفِّرُهُ نَحْوُ الْوُضُوءِ؟ وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ مَا قَالَهُ السَّيِّدُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ الذُّنُوبَ كَالْأَمْرَاضِ وَالْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ كَالْأَدْوِيَةِ، فَكَمَا أَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْرَاضِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَدْوِيَةِ لَا يَنْفَعُ فِي غَيْرِهِ كَذَلِكَ الْمُكَفِّرَاتُ مَعَ الذُّنُوبِ وَتَوْزِيعُ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى عِلْمِ اللَّهِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ: «إنَّ مِنْ الذُّنُوبِ ذُنُوبًا لَا يُكَفِّرُهَا صَوْمٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا جِهَادٌ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهَا السَّعْيُ عَلَى الْعِيَالِ» وَأَمَّا مَنْ لَا صَغَائِرَ لَهُ وَلَا كَبَائِرَ فَيَحْصُلُ لَهُ بِهَا رَفْعُ دَرَجَاتٍ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ مَحْضُ كَبَائِرَ وَفَعَلَ بَعْضَ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: فَتَنْشَطِرُ كَبَائِرُهُ، وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَائِلًا: لَا بُدَّ لِكَبَائِرِهِ مِنْ التَّوْبَةِ إلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَفْوِ، وَالْقَوْلُ بِالتَّشْطِيرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ.
1 -
السَّادِسُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِالْحَسَنَاتِ وَبِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَالصَّلَوَاتِ وَالْحَجِّ وَهَذَا مَعَ بَقَاءِ ثَوَابِهَا الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ التَّائِبَ عَنْ كَبَائِرِهِ يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّ الْمُجْتَنِبَ لِلْكَبَائِرِ لَا يُعَاقَبُ عَلَى صَغَائِرِهِ ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ غَيْرَ الْمُكَفَّرَةِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لَهَا وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، وَتُعْرَفُ مَسْأَلَتُهُ بِمَسْأَلَةِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ فَقَالَ: (وَجَعَلَ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (مَنْ لَمْ يَتُبْ) مِنْ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ (مِنْ الْكَبَائِرِ صَائِرًا) أَيْ رَاجِعًا (إلَى مَشِيئَتِهِ)

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 78
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست