responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 64
وَالنُّبُوَّةَ بِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَهُ آخِرَ الْمُرْسَلِينَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَأَنْزَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّبْلِيغُ كَمَا أُمِرُوا بِتَبْلِيغِهِ، وَيَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِمْ أَضْدَادُهَا، وَيَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ كَالْأَكْلِ وَالنِّكَاحِ وَسَائِرِ الْأَعْرَاضِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي لَا تَنْقُصُ مِنْ مَرَاتِبِهِمْ الْعَلِيَّةِ.
الرَّابِعُ: سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا رُسُلًا مَعْصُومُونَ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَلَوْ صَغِيرَةً لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ.
قَالَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ وَتَبِعَهُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ.
وَجَوَّزَ الْأَكْثَرُونَ وُقُوعَ الصَّغِيرَةِ مِنْهُمْ سَهْوًا وَلَكِنْ يُنَبَّهُونَ عَلَيْهَا إلَّا الدَّالَّةَ عَلَى الْخِسَّةِ كَتَطْفِيفِ حَبَّةٍ فَلَا تَصْدُرُ عَنْهُمْ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ صُدُورِ الذَّنْبِ عَنْهُمْ مُطْلَقًا يَحْمِلُ مَا وَرَدَ عَنْهُمْ مِمَّا يَقْتَضِي الصُّدُورَ عَنْهُمْ عَلَى صُدُورِهِ عَلَى جِهَةِ التَّأْوِيلِ.
قَالَ بَعْضٌ: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ يَجِبُ اعْتِقَادُهَا وَطَرْحُ مَا عَدَاهُ.
وَفِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ لِلْعَلَّامَةِ اللَّقَانِيِّ: يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ النِّسْيَانُ فِي الْبَلَاغِيَّاتِ قَبْلَ تَبْلِيغِهَا قَوْلِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً، وَأَمَّا بَعْدَ التَّبْلِيغِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ حَفِظَهَا وَضَبَطَهَا وَيُبَلِّغُهَا، وَأَمَّا السَّهْوُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْأَخْبَارِ مُطْلَقًا بَلَاغِيَّةً كَانَتْ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَوْ لَا، وَفِي الْأَقْوَالِ الدِّينِيَّةِ الْإِنْشَائِيَّةِ، وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَفْعَالِ الْبَلَاغِيَّةِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِقَوْمٍ، وَالسَّهْوُ فِي السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلٌ بَلَاغِيٌّ فِي فِعْلِهِ وَإِيقَاعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا فِي لَفْظِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ أَنَّ السَّهْوَ زَوَالُ الصُّورَةِ مِنْ الْقُوَّةِ الْمُدْرِكَةِ لَا مِنْ الْقُوَّةِ الْحَافِظَةِ، وَالنِّسْيَانَ زَوَالُهُ مِنْهُمَا فَيَكُونُ النِّسْيَانُ أَخَصَّ، وَقِيلَ: النِّسْيَانُ يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ وَالسَّهْوُ أَعَمُّ، فَقَدْ اتَّضَحَ لَك جَوَازُ السَّهْوِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي الْأَفْعَالِ الْبَلَاغِيَّةِ، كَمَا وَقَعَ الْقِيَامُ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَتَرَكَ الْجُلُوسَ وَقَامَ أَيْضًا لِخَامِسَةٍ وَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ بِخِلَافِ السَّهْوِ فِي الْأَخْبَارِ مُطْلَقًا.
الْخَامِسُ: كَمَا تَجِبُ لِلْأَنْبِيَاءِ الْعِصْمَةُ تَجِبُ لِلْمَلَائِكَةِ أَيْضًا، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الذَّنْبُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] وَمَنْ قَالَ فِي أَعْرَاضِهِمْ شَيْئًا وَلَوْ بِالتَّعْرِيضِ فَقَدْ كَفَرَ كَالْأَنْبِيَاءِ.
1 -
، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ فَقِيلَ: مَلَكَانِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا السِّحْرَ ابْتِلَاءً لِلنَّاسِ، فَمَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ تَجَنَّبَهُ أَوْ تَعَلَّمَهُ لِيَتَوَقَّاهُ وَلَا يَضُرُّ بِهِ أَحَدًا فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَهُمَا كَانَا يَعِظَانِ النَّاسَ وَيَقُولَانِ: إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ وَابْتِلَاءٌ فَلَا تَكْفُرْ أَيْ لَا تَعْتَقِدْ وَلَا تَعْمَلْ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ بِبَابِلَ لِارْتِكَابِهِمَا السِّحْرَ فَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ، بَلْ الْحَقُّ حُرْمَةُ اعْتِقَادِ ارْتِكَابِهِمَا الْعَمَلَ بِالسِّحْرِ أَوْ اعْتِقَادِ تَأْثِيرِهِ، وَتَعْذِيبُهُمَا إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاتَبَةِ كَمَا تُعَاتَبُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَى السَّهْوِ وَالزَّلَّةِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابٍ مِنْهُمَا لِكَبِيرَةٍ فَضْلًا عَنْ كُفْرٍ وَاعْتِقَادِ سِحْرٍ أَوْ عَمِلَ بِهِ، وَقِيلَ: هُمَا رَجُلَانِ عِلْجَانِ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ، وَقِيلَ: رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل. وَمُحَصَّلُ قِصَّةِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ عَلَى مَا قَالَهُ السُّيُوطِيّ أَنَّهُمَا مَلَكَانِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ رَكَّبَ اللَّهُ فِيهِمَا الشَّهْوَةَ اخْتِيَارًا لَهُمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا فِي الْأَرْضِ، فَنَزَلَا عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ وَحَكَمَا بِالْعَدْلِ مَرَّةً، ثُمَّ افْتَتَنَا بِامْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ فَعُوقِبَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بِأَنْ حُبِسَا فِي بِئْرِ بَابِلَ مُنَكَّسَيْنِ وَابْتُلِيَا بِالنُّطْقِ بِتَعْلِيمِ السِّحْرِ فَصَارَ يَقْصِدُهُمَا مَنْ طَلَبَ ذَلِكَ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَهُمَا قَدْ عَرَفَا ذَلِكَ، وَلَا يَنْطِقَانِ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ حَتَّى يُحَذِّرَاهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْخِلَافُ فِي مَلَكِيَّتِهِمَا فَلَا يُقْتَلُ مَنْ سَبَّهُمَا وَلَوْ مَعَ اعْتِقَادِ مَلَكِيَّتِهِمَا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ فِيمَنْ يُشَدَّدُ فِي أَدَبِهِ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ، أَوْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى مَلَكِيَّتِهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ وَلَوْ مَعَ اعْتِقَادِ نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ.

وَلَمَّا أَخْبَرَ بِكَثْرَةِ الرُّسُلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ بَعْضِ مَا خُصَّ بِهِ الْمُصْطَفَى دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الرُّسُلِ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ خَتَمَ الرِّسَالَةَ وَالنِّذَارَةَ وَالنُّبُوَّةَ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نَزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ، هَذَا هُوَ نَسَبُ الْمُصْطَفَى الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، حَتَّى كَانَ إذَا بَلَغَهُ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يُمْسِكُ وَيَقُولُ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ، وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ اعْتِقَادُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، فَمَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَالْخَتْمُ الطَّبْعُ، وَخِتَامُ الشَّيْءِ آخِرُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] أَيْ آخِرُهُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:؛ لِأَنَّ آخِرَ مَا يَجِدُونَهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ، وَلَمَّا كَانَتْ رِسَالَةُ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَانِعَةً مِنْ ابْتِدَاءِ نُبُوَّةٍ وَرِسَالَةٍ بَعْدَهُ شُبِّهَتْ بِالْخَتْمِ الْمَانِعِ مِنْ ظُهُورِ مَا خُتِمَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَتْمِ هُنَا التَّمَامُ أَيْ تَمَّمَ الرِّسَالَةَ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا الْعَاقِبُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» .
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ وَهُوَ الْجَاهِلُ وَيَظْهَرُ عَدَمُ كُفْرِهِ، وَبِقَوْلِنَا مِنْ ابْتِدَاءِ نُبُوَّةٍ وَرِسَالَةٍ انْدَفَعَ إيرَادُهُ نُبُوَّةَ وَرِسَالَةَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِتَقَدُّمِهِمَا؛ لِأَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعْزَلْ عَنْهُمَا، لَكِنْ لَا يُتَعَبَّدُ بَعْدَ نُزُولِهِ بِشَرِيعَتِهِ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 64
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست