responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 63
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعْنَى لَا يَسْتَقْدِمُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَأْخِرُونَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ تَغْيِيرَهُ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ لَا يَسْتَأْخِرُونَ، فَمَجْمُوعُ الْجُمْلَتَيْنِ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ عَلَى حَدِّ: الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ، فَإِنَّ مَجْمُوعَ حُلْوٍ حَامِضٍ هُوَ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُزٌّ أَيْ أَخَذَ طَرَفًا مِنْ الْحَلَاوَةِ وَطَرَفًا مِنْ الْحُمُوضَةِ، وَكَذَلِكَ هُنَا إذَا جَاءَ الْأَجَلُ لَا يَسْتَطِيعُونَ تَغْيِيرَهُ، وَاحْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى قَبُولِ الْعُمُرِ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الصَّدَقَةَ وَالصِّلَةَ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْعُمُرِ» .
وَبِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] وَبِوُجُوبِ الدِّيَةِ أَوْ الْقِصَاصِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْفَاعِلِ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ فِي الْجِنَايَةِ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ: إنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْبَرَكَةِ أَوْ عَلَى حَقِيقَتِهَا، لَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَكْتُوبًا فِيهِ الْعُمُرُ لِفُلَانٍ عِشْرُونَ سَنَةً وَيَكُونُ فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً بِسَبَبِ صِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ صَدَقَةٍ، وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ يَتَّجِهُ جَوَازُ الدُّعَاءِ بِطُولِ الْعُمُرِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الدَّاعِي طَلَبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَدْعُوُّ لَهُ بِمَنْ قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ زِيَادَةً عَلَى عُمُرِ أَمْثَالِهِ بِسَبَبِ صَدَقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، وَأُجِيبَ عَنْ وُجُوهِ الْعِقَابِ أَوْ الدِّيَةِ أَوْ الْقِصَاصِ: بِأَنَّهُ بِسَبَبِ ارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بِكَسْبِهِ الَّذِي يَخْلُقُ اللَّهُ عَقِبَهُ الْمَوْتَ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تُنْسَبُ إلَيْهِ كَسْبًا وَإِلَى اللَّهِ خَلْقًا وَإِيجَادًا، وَالْحُدُودُ وَالدِّيَاتُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِحَسَبِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ الْمَيْلِ وَصُورَةُ الْفِعْلِ الْوَاقِعَةُ مِنْهُ الَّتِي تُسَمَّى كَسْبًا وَالْأَحْكَامُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ هُوَ الْبَارِئُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْأَحْكَامَ مَنُوطَةٌ بِالْأَفْعَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَصْحَابِهَا تَأْثِيرٌ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَأَمَّا حَدِيثُ: «إنَّ الْمَقْتُولَ يَتَعَلَّقُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ رَبِّ قَتَلَنِي فُلَانٌ وَظَلَمَنِي وَقَطَعَ أَجَلِي» فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ فَيُحْتَمَلُ عَلَى مَقْتُولٍ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَكَانَ يُعْطَى أَجَلًا زَائِدًا، هَذَا هُوَ الِاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ، وَحَاصِلُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَدَ سَائِرَ الْكَائِنَاتِ بِقُدْرَتِهِ، وَتَخْصِيصُ إرَادَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ، وَلَا خَالِقَ سِوَاهُ فَهُوَ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ، وَجَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، شَرَعَ فِيمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عَقْلًا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا شَرْعًا وَهُوَ إرْسَالُ رُسُلِ الْبَشَرِ إلَى خَلْقِهِ فَقَالَ: (الْبَاعِثُ الرُّسُلَ إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْعِبَادِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ بِإِرْسَالِ رُسُلِ الْبَشَرِ مِنْ آدَمَ إلَى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى خَلْقِهِ لِيُبْلِغُوهُمْ عَنْهُ نَهْيَهُ وَأَمْرَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، وَيُبَيِّنُوا لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِمَّا جَاءُوا بِهِ مِنْ شَرَائِعِهِمْ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كُتُبِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ تَعَالَى رُسُلَهُ إلَيْهِمْ (لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ) أَيْ الْمُكَلَّفِينَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ لَمْ يُرْسِلْ لَهُمْ لَقَالُوا: " هَلَّا أَرْسَلْت إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِك؟ " وَقَدْ تَفَضَّلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذَ إلَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ حَيْثُ قَالَ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وَاَلَّذِي تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الَّذِي بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ، فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ فَلَا تُقَامُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةٌ تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ مَحْضُ صِدْقٍ لِتَأْيِيدِهِ بِالْمُعْجِزَةِ النَّازِلَةِ مَنْزِلَةَ قَوْلِ اللَّهِ: «صَدَقَ عَبْدِي فِي كُلِّ مَا يُبَلِّغُ عَنِّي» ، وَأَعْظَمُ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا الْقُرْآنُ، وَاخْتُلِفَ فِي أَهْلِ الْفَتْرَةِ هَلْ فِي الْمَشِيئَةِ أَوْ فِي النَّارِ أَوْ مَعْذُورُونَ أَقْوَالٌ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَأَعْذَرُ إلَيْهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ، وَمِنْ قَوْلِهِ هُنَا: الْبَاعِثُ الرُّسُلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ الْجَائِزَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْوَاجِبَاتِ السَّمْعِيَّةِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَوْجَبَهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ، وَعَلَى مَنْ أَحَالَهُ كَالسُّمَنِيَّةِ، وَعَلَى مَنْ عَدَّهُ عَبَثًا كَالْبَرَاهِمَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ طَرِيقُ الْأَشَاعِرَةِ، وَفِيهِ رَدٌّ أَيْضًا عَلَى مَنْ قَصَرَ الرِّسَالَةَ عَلَى آدَمَ فَقَطْ أَوْ عَلَى آدَمَ وَإِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى مَنْ قَصَرَهَا عَلَى مُوسَى وَعِيسَى كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
الثَّانِي: ذَكَرَ الرُّسُلَ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى كَثْرَتِهِمْ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ فِي عِدَّتِهِمْ فَقِيلَ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَصَرَ فِيهِمْ كَالْأَنْبِيَاءِ عَلَى عَدَدٍ لِآيَةِ: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] . وَالْحَدِيثُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ عَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى حَدٍّ فِي عَدَدِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ.
الثَّالِثُ: كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَةُ مَا يَجِبُ لِلَّهِ وَمَا يَجُوزُ وَمَا يَسْتَحِيلُ، يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْوَاجِبِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْجَائِزِ وَالْمُسْتَحِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا رُسُلًا، فَالْوَاجِبُ فِي حَقِّهِمْ الصِّدْقُ وَالْأَمَانَةُ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 63
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست