responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 51
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ مَزْبُورٌ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، فَالِاسْتِثْنَاءُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ فِيهِ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ مَا دَقَّ وَمَا جَلَّ حَتَّى سُقُوطِ الْوَرَقَةِ وَالْحَبَّةِ وَهِيَ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا. فَمَا بَالُك بِالْأَعْمَالِ الْمُجَازَى عَلَيْهَا بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْغُفْرَانَ إنَّهُ جَوَّادٌ كَرِيمٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُبِينَ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] كَالتَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا يَعْلَمُهَا} [الأنعام: 59] ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ جَارٍ مَجْرَى التَّوْكِيدِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا حَبَّةٍ وَمَا بَعْدَهَا مَعْطُوفَانِ عَلَى وَرَقَةٍ، فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهَا كَمَا تَقُولُ: مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ إلَّا أَكْرَمْته وَلَا امْرَأَةٍ إلَّا أَكْرَمْتهَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ أُعِيدَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ أَعْنِي قَوْلَهُ: إلَّا فِي كِتَابٍ بَدَلٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ أَعْنِي قَوْلَهُ: إلَّا يَعْلَمُهَا بَدَلٌ مُطَابِقٌ إنْ فُسِّرَ الْكِتَابُ بِعِلْمِهِ تَعَالَى، وَاشْتِمَالٌ إنْ فُسِّرَ الْكِتَابُ بِاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِاشْتِمَالِ الْعِلْمِ عَلَى اللَّوْحِ كَنَفَعَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَهَذَا الْإِعْرَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَطْفِ رَطْبٍ وَيَابِسٍ عَلَى لَفْظِ حَبَّةٍ بِنَاءً عَلَى جَرِّهِمَا أَوْ عَلَى مَحَلِّهِمَا عَلَى رَفْعِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى رَفْعِهِمَا بِالِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى: {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] خَبَرًا لَا بَدَلًا. هَذَا مُحَصَّلُ كَلَامِ أَبِي السُّعُودِ فِي تَفْسِيرِهِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ وَحُكْمِهِ فَقَالَ: (عَلَى الْعَرْشِ) وَهُوَ لُغَةً كُلُّ مَا عَلَا، وَشَرْعًا جِسْمٌ عَظِيمٌ نُورَانِيٌّ عُلْوِيٌّ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ لَا قَطْعَ لَنَا بِتَعْيِينِ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ غَيْرُ الْكُرْسِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ (اسْتَوَى) أَيْ اسْتَوْلَى بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ اسْتِيلَاءَ مَلِكٍ قَاهِرٍ وَإِلَهٍ قَادِرٍ، وَيَلْزَمُ مِنْ اسْتِيلَائِهِ تَعَالَى عَلَى أَعْظَمِ الْأَشْيَاءِ وَأَعْلَاهَا اسْتِيلَاؤُهُ عَلَى مَا دُونَهُ، وَلَفْظُ الِاسْتِوَاءِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَشَابِهِ كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَالْأَصَابِعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ظَاهِرُهُ مُسْتَحِيلٌ عَلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ عَلَى الْقَطْعِ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَقَدْ اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ حَقِيقَةِ وُرُودِهِ عَلَى وُجُوبِ تَنْزِيهِ الْبَارِي عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُسْتَحِيلِ وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ: طَرِيقُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِصِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ تَعَالَى زَائِدَةٍ عَلَى صِفَاتِ الْمَعَانِي الثَّمَانِيَةِ أَوْ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِدْرَاكُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّتِهَا، وَالدَّلِيلُ عِنْدَهُ عَلَى ثُبُوتِهَا السَّمْعُ لِوُرُودِهَا إمَّا فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ لِذَلِكَ تُسَمَّى عَلَى مَذْهَبِهِ صِفَاتٌ سَمْعِيَّةٌ.
وَطَرِيقُ السَّلَفِ كَابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ الْإِمَامِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ تَمْنَعُ تَأْوِيلَهَا عَنْ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ وَقَالَ أَهْلُهَا انْقَطَعَ بِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ تَعَالَى اسْتِوَاءً وَيَدًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ إلَّا اللَّهُ.
وَكَذَلِكَ تُسَمَّى الْمَعْنَوِيَّةُ، وَطَرِيقُ الْخَلَفِ تُؤَوِّلُ الْمُتَشَابِهَ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ قَصْدًا لِلْإِيضَاحِ وَلِذَلِكَ تُسَمَّى الْمُؤَوِّلَةُ، فَأَوَّلُوا الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْيَدَ بِالْقُدْرَةِ وَالْعَيْنَ بِالْبَصَرِ وَالْأَصَابِعَ بِإِرَادَاتِ الْقَلْبِ وَإِلَى طَرِيقِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَشَارَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ:
وَكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا ... أَوِّلْهُ أَوْ فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهَا
فَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقَتَيْنِ تُؤَوِّلُ الْمُتَشَابِهَ بِصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ، وَافْتَرَقَا بَعْدَ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُسْتَحِيلِ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ عَلَى التَّعْيِينِ وَالتَّفْصِيلِ، فَالسَّلَفُ يُفَوِّضُونَ عِلْمَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْخَلَفُ تُؤَوِّلُهُ تَأْوِيلًا تَفْصِيلِيًّا بِحَمْلِ كُلِّ لَفْظٍ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ خَاصٍّ كَمَا قَدَّمْنَا.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ: وَمَذْهَبُ السَّلَفِ أَسْلَمُ فَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَيَكْفِيَك فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ ذَهَابُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إلَيْهِ، فَإِنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الِاسْتِوَاءِ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَلَمَّا سُئِلَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: اسْتَوَى بِلَا تَشْبِيهٍ وَصَدَّقْت بِلَا تَمْثِيلٍ وَاتَّهَمْت نَفْسِي فِي الْإِدْرَاكِ وَأُمْسِكُ عَنْ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ كُلَّ الْإِمْسَاكِ.
وَلَمَّا سُئِلَ عَنْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: اسْتَوَى كَمَا أَخْبَرَ لَا كَمَا يَخْطُرُ لِلْبَشَرِ، وَلَمَّا سُئِلَ عَنْهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ قَالَ لَا أَعْرِفُ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ كَفَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُوهِمُ أَنَّ لِلْحَقِّ مَكَانًا، وَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ لِلْحَقِّ مَكَانًا فَهُوَ مُشَبِّهٌ.
وَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ أَنَّ عُقُولَنَا دَلَّتْنَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ اللَّائِقَ بِاَللَّهِ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ دُونَ الِاسْتِقْرَارِ وَالْجُلُوسِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، وَقَوْلُهُ: وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ لَا تُوصَفُ بِالْأَحْوَالِ الْمُتَعَقِّلَةِ وَالْهَيْئَاتِ الْحِسِّيَّةِ مِنْ التَّرَبُّعِ وَنَحْوِهِ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ لِوُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ مِنْ السَّلَفِ بَلْ يُفَوِّضُونَ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 51
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست