responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 50
ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَعَلَى الْمُلْكِ احْتَوَى.

، وَلَهُ الْأَسْمَاءُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْقُرْبِ مِنْهُ كَحَبْلِ الْوَرِيدِ، وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَعْلَمُ وَهُوَ الْعِلْمُ عَلَى حَدِّ: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] وَحَبْلُ الْوَرِيدِ الْمُرَادُ بِهِ عِلْمُ صَاحِبِ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ بِهَا، أَيْ وَعِلْمُ اللَّهِ بِمَا تُوَسْوِسُ بِهِ النَّفْسُ أَقْرَبُ مِنْ عِلْمِ صَاحِبِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْقُرْبِ هُنَا قُرْبُ عِلْمٍ لَا قُرْبَ مَسَافَةٍ، فَهُوَ مَثَلٌ فِي فَرْطِ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَعْلُومَاتِ الْعِبَادِ وَسَرَائِرِهِمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَأَنَّ ذَاتَه قَرِيبَةٌ مِنْهُ كَمَا يُقَالُ: اللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَان، وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَالْوَرِيدُ عِرْقٌ بِبَاطِنِ الْعُنُقِ، وَكُلُّ إنْسَانٍ لَهُ وَرِيدَانِ مُكْتَنِفَانِ بِصَفْحَتَيْ الْعُنُقِ مِنْ الْمُقَدِّمِ وَمُتَّصِلَانِ بِالْوَتِينِ يَرِدَانِ مِنْ الرَّأْسِ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْوَتِينِ وَهُوَ نِيَاطُ الْقَلْبِ وَهُوَ عِرْقٌ مُتَّصِلٌ بِهِ إذَا انْقَطَعَ مَاتَ صَاحِبُهُ، وَالْحَبْلُ الْعِرْقُ شُبِّهَ بِالْحَبْلِ وَاسْتُعِيرَ لَهُ لَفْظُ الْحَبْلِ مِنْ حَيْثُ اشْتِدَادِ اللَّحْمِ بِالْعِرْقِ مِثْلُ الْحَبْلِ، وَتِلْكَ الِاسْتِعَارَةُ تُسَمَّى تَصْرِيحِيَّةً لِلتَّصْرِيحِ بِاللَّفْظِ الْمُسْتَعَارِ، وَإِضَافَةُ الْحَبْلِ إلَى الْوَرِيدِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى مُرَادِفِهِ، وَيُقَالُ لَهَا الْإِضَافَةُ الْبَيَانِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَبْلَ بِمَعْنَى الْعِرْقِ هُوَ الْوَرِيدُ، وَقِيلَ مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ إلَى نَوْعِهِ كَقَوْلِهِمْ: حَيُّ الطَّيْرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَحْمِهِ.
تَنْبِيهٌ: فِي إتْيَانِهِ بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ دُونَ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ تَغْيِيرٌ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ، إذْ لَفْظُ الْقُرْآنِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وَهَذَا التَّغْيِيرُ يُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ الْبَيَانِ بِالِاقْتِبَاسِ، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يُذْكَرَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ فِي كَلَامٍ لَا بِلَفْظِ: قَالَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ، بَلْ عَلَى وَجْهٍ يُتَوَهَّمُ مَعَهُ أَنَّهُ غَيْرُ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ، وَيُغْتَفَرُ فِيهِ التَّغْيِيرُ الْيَسِيرُ لِنَحْوِ تَفْقِيهٍ أَوْ إبْهَامٍ مَا لَا يَصِحُّ كَمَا هُنَا، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ فَعَزَا بَعْضُ الشُّيُوخِ لِمَالِكٍ التَّشْدِيدَ فِي مَنْعِهِ وَهُوَ السُّيُوطِيّ حَيْثُ قَالَ:
وَأَمَّا حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ ... فَمَالِكٌ مُشَدِّدٌ فِي الْمَنْعِ
وَنُسِبَ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَابْنِ الْمُنِيرِ تَجْوِيزُهُ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَأْيُهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الِاقْتِبَاسِ، وَلَيْسَ مِنْ نَقْلِ الْقُرْآنِ بِالْمَعْنَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَقَوْلُنَا فِي حَدِّ الِاقْتِبَاسِ عَلَى وَجْهٍ يُتَوَهَّمُ مَعَهُ أَنَّهُ غَيْرُ الْقُرْآنِ إشَارَةٌ إلَى شَرْطِ جَوَازِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ؛ لِأَنَّ مَا تَغَيَّرَ بَعْضُ لَفْظِهِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ قُرْآنٌ أَوْ حَدِيثٌ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا شَدَّدَ مَالِكٌ فِي مَنْعِ الِاقْتِبَاسِ وَإِنْ خَلَا مِنْ التَّغْيِيرِ لِإِيهَامِ السَّامِعِ عَدَمَ كَوْنِهِ قُرْآنًا أَوْ حَدِيثًا، وَإِنَّمَا حَرُمَ نَقْلُ الْمُغَيَّرِ عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْمُغَيَّرَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ، وَالْإِيهَامُ الْمُقْتَضِي لِتَغْيِيرِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيهَامُ عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُصَنِّفِ لَوْ قَالَ: وَنَحْنُ كَمَا فِي التِّلَاوَةِ.
وَهُوَ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَهُوَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي رُجُوعِهِ لِلَّهِ هُوَ فَاعِلُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَيَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَلَيْسَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْ نَقْلِ الْقُرْآنِ بِالْمَعْنَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِهِ، بِخِلَافِ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى فَفِيهِ خِلَافٌ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَالْحَدِيثَ كَلَامُ رَسُولِهِ، وَأَمَّا نَقْلُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي نَحْوِ الدُّعَاءِ أَوْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ أَوْ الْخُطَبِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرِ لَفْظِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ عَدَمُ الْقُرْآنِيَّةِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، فَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: « {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام: 79] الْآيَةُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا اقْضِ عَنِّي دَيْنِي وَأَمِّنِّي مِنْ الْفَقْرِ» وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الصَّحَابَةِ، فَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ: إنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ التِّلَاوَةِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَرِيحٍ.
(وَ) إذَا عَلِمْت أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ أَنَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَان بِعِلْمِهِ فَيَجِبُ عَلَيْك أَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّهُ (مَا تَسْقُطُ) أَيْ تَقَعُ (مِنْ) زَائِدَةً قِيَاسًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَفَاعِلُ تَسْقُطُ (وَرَقَةٍ) فَمَحَلُّهَا رَفْعٌ وَالْمَعْنَى: مَا تَسْقُطُ سَاقِطَةٌ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لَا خُصُوصَ الْوَرَقَةِ (إلَّا يَعْلَمُهَا) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ بِسَائِرِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا. (وَلَا حَبَّةٍ) عُطِفَ عَلَى لَفْظِ وَرَقَةٍ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ أَوْ عَلَى مَحَلِّهَا عَلَى رَفْعِ حَبَّةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْحَبَّةِ أَقَلُّ قَلِيلٍ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْحَبَّةِ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ وَصِلَةُ تَسْقُطُ (فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَسْقُطُ تَغِيبُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ أَيْ بُطُونِهَا. (وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الْمُرَادُ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ فِيهِ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سُقُوطِ الْحَبَّةِ وَالْوَرَقَةِ وَالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَهُمَا مَعْرُوفَانِ، وَقِيلَ: الرَّطْبُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَالْيَابِسُ قَلْبُ الْكَافِرِ، وَالْقَصْدُ مِنْ ذِكْرِ الْآيَةِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 50
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست