responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 5
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQذَاتُ الشَّيْءِ فَهُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ بِالِاسْمِ الصِّفَةُ لَانْقَسَمَ انْقِسَامَهَا فَيَكُونُ عَيْنُ الْمُسَمَّى فِي الْوَاحِدِ وَالْقَدِيمِ وَغَيْرِهِ فِي كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ، وَيَكُونُ لَا عَيْنًا وَلَا غَيْرًا فِي نَحْوِ الْحَيِّ وَالسَّمِيعِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الذَّاتِ.
(اللَّهُ) عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ فَهُوَ جُزْئِيٌّ، وَقَوْلُنَا: الْوَاجِبُ الْوُجُودِ إلَخْ تَعْيِينٌ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ، فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْوَاجِبَ الْوُجُودِ كُلِّيٌّ فَلَا يَكُونُ الْمَوْضُوعُ لَهُ مُعِينًا، فَلَا تُفِيدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ التَّوْحِيدَ وَهُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ أَيْضًا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَدَمُ الِاسْتِجَابَةِ لِكَثِيرِينَ لِعَدَمِ اسْتِجْمَاعِهِمْ شُرُوطَ الدُّعَاءِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا أَكْلُ الْحَلَالِ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى، وَيُقَالُ: إنَّ بَعْضَ الْجَبَّارِينَ عَزَمَ أَنْ يُسَمِّيَ وَلَدَهُ بِلَفْظِ اللَّهِ فَابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَصْلِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ الَّذِي تَرَكَّبَتْ مِنْهُ، فَقِيلَ: أَصْلُهُ لَاهٍ بِالتَّنْوِينِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ مَصْدَرُ لَاهٍ يَلِيهِ لَيْهًا وَلَاهَا إذَا احْتَجَبَ أَوْ ارْتَفَعَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى مَحْجُوبٌ عَنْ إدْرَاكِ الْأَبْصَارِ وَمُرْتَفِعٌ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَعَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَأُدْغِمَ وَفُخِّمَ فَصَارَ اللَّهَ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ.
وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إلَهٌ بِالتَّنْوِينِ فَيَكُونُ وَصْفًا لِأَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَمَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مُشْتَقًّا، ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ أَلْ فَصَارَ الْإِلَهُ، ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ وَأُدْغِمَ وَفُخِّمَ، وَمَعْنَاهُ قَبْلَ دُخُولِ أَلْ عَلَيْهِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْبُودِ مُطْلَقًا، وَبَعْدَ دُخُولِهَا يَصِيرُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، لَكِنْ قَبْلَ الْإِدْغَامِ وَالْحَذْفِ غَلَبَتْهُ تَحْقِيقِيَّةٌ وَبَعْدَهُمَا تَقْدِيرِيَّةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّحْقِيقِيَّةَ اللَّفْظُ أُطْلِقَ بِالْفِعْلِيِّ عَلَى غَيْرِ مَا غَلَبَ فِيهِ مِنْ الْأَفْرَادِ، وَالتَّقْدِيرِيَّة اللَّفْظُ فِيهَا صَالِحٌ لِإِطْلَاقِهِ عَلَى أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا، لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْفَرْدُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ اللَّفْظُ كَلَفْظِ الْجَلَالَةِ، فَإِنَّ ذَاتَ الْبَارِّي وَاحِدَةٌ وَحَقِيقَةُ الْغَلَبَةِ قَصْرُ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَعَلَى أَنَّ أَصْلَ اللَّهِ إلَهٌ وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ وَإِنَّهُ وَصْفٌ، فَاخْتُلِفَ فِيمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ فَقِيلَ مِنْ أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَاهَةً وَأُلُوهَةً بِمَعْنَى عَبَدَ، وَقِيلَ مِنْ أَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ؛ لِأَنَّ الْعُقُولَ تَتَحَيَّرُ فِي مَعْرِفَتِهِ، أَوْ مِنْ أَلْهَمْت إلَى فُلَانٍ أَيْ سَكَنْت إلَيْهِ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تَطْمَئِنُّ بِذَكَرِهِ وَالْأَرْوَاحَ تَسْكُنُ إلَى مَعْرِفَتِهِ، أَوْ مِنْ أَلِهَ إذَا فَرَغَ مِنْ أَمْرٍ نَزَلَ إلَيْهِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ، فَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِالِاشْتِقَاقِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ أَصْلُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ لَا لَفْظِهَا، خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْأَلْسِنَةُ وَفِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ، وَنَقْلِ الْأُسْتَاذِ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ أَنَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى صَالِحَةٌ لِلتَّخَلُّقِ بِهَا أَوْ التَّعَلُّقِ إلَّا لَفْظَ الْجَلَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا لِلتَّعَلُّقِ، وَمَعْنَى التَّعَلُّقِ الِاعْتِمَادُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَالِافْتِقَارُ إلَيْهِ، وَمَعْنَى التَّخَلُّقِ.
الِاتِّصَافُ فَإِنَّ نَحْوَ الرَّحْمَنِ وَالْحَلِيمِ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّصِفَ بِمَعْنَاهُمَا بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ نَحْوُ فُلَانٌ حَلِيمٌ أَوْ عِنْدَهُ رَحْمَةٌ.
(الرَّحْمَنِ) أَيْ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ وَالْإِنْعَامِ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ (الرَّحِيمِ) الْمُنْعِمِ بِدَقَائِقِ النِّعَمِ، وَالرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ كَالْعَلِيمِ مِنْ عَلِمَ، وَاسْتُعْمِلَتَا مَجَازًا فِي الْكَثْرَةِ كَسَائِرِ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي عَلَى صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَغَفُورٍ وَشَكُورٍ وَلَا مُبَالَغَةَ فِيهَا، لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ الْحَقِيقِيَّةَ إثْبَاتُك لِلشَّيْءِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ، وَصِفَاتُهُ تَعَالَى مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ لِبُلُوغِهَا الْغَايَةَ، وَلَا يُقَالُ: الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ إنَّمَا تُصَاغُ مِنْ اللَّازِمِ وَرَحِمَ مُتَعَدٍّ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْفِعْلُ الْمُتَعَدَّى إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَدْحُ أَوْ الذَّمُّ يُجْعَلُ لَازِمًا بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ الْغَرِيزَةِ، فَيُنْقَلُ إلَى بَابِ فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ ثُمَّ تُشْتَقُّ مِنْهُ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ أَوْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَزَلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ وَمَا جُعِلَ لَازِمًا أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَدٍّ لِلْمَفْعُولِ لَكِنْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَفْعُولِهِ فَلَا يُذْكَرُ وَلَا يُقَدَّرُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالرَّحْمَةُ الْمَفْهُومَةُ مِنْ رَحْمَنٍ وَرَحِيمٍ لُغَةً رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ وَانْعِطَافٌ تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِحْسَانَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُحَالٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، فَيَجِبُ حَمْلُهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى الْغَايَةِ لَا عَلَى الْمَبْدَأِ، فَالتَّفَضُّلُ وَالْإِحْسَانُ غَايَةُ الرَّحْمَةِ وَالرِّقَّةُ مَبْدَؤُهَا، وَكَذَا سَائِرُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تُؤْخَذُ فِي حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ دُونَ الْمَبَادِئِ الَّتِي هِيَ انْفِعَالَاتٌ، فَالرَّحْمَةُ فِي حَقِّهِ إرَادَةُ التَّفَضُّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ ذَاتٍ أَوْ نَفْسِ التَّفَضُّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ فِعْلٍ، فَهِيَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ فِي الْإِحْسَانِ أَوْ فِي إرَادَتِهِ بِإِطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ أَوْ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، وَهِيَ مَا يَكُونُ وَجْهُ الشَّبَهِ فِيهَا مُنْتَزَعًا مِنْ عِدَّةِ أُمُورٍ، بِأَنْ يُمَثَّلَ حَالُهُ تَعَالَى بِحَالِ مَلِكٍ عَطَفَ عَلَى رَعِيَّتِهِ وَرَقَّ لَهُمْ فَعَمَّهُمْ مَعْرُوفُهُ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَأُرِيدَ غَايَتُهُ الَّتِي هِيَ الْإِحْسَانُ أَوْ إرَادَتُهُ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ الرَّحْمَنَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ عَلَى نِزَاعٍ بَيْنَهُمْ مِنْ فَنِّ الْبَيَانِ يَطُولُ ذِكْرُهُ.
وَإِنَّمَا قُدِّمَ اللَّهُ عَلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأَنَّهُ اسْمٌ.
بِخِلَافِهِمَا، وَالذَّاتُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الصِّفَاتِ، وَقَدَّمَ الرَّحْمَنَ عَلَى الرَّحِيمِ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 5
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست