responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 397
مِنَّا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَّا أَنْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا، وَإِلَّا قُوتِلُوا.

وَالْفِرَارُ مِنْ الْعَدُوِّ مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا كَانُوا مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلَّ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

وَيُقَاتَلُ الْعَدُوُّ مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ الْوُلَاةِ.

وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مَنْ أُسِرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (إذَا كَانُوا) فِي مَحَلٍّ قَرِيبٍ (بِحَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا) وَتَمْضِي عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ يَدْفَعُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ، وَهُمْ صَاغِرُونَ. (فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا مِنَّا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ) لِتَعَذُّرِ أَخْذِهَا مِنْهُمْ (إلَّا أَنْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا، وَإِلَّا قُوتِلُوا) ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ الرِّضَا بِالْجِزْيَةِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَا لَزِمَ الْكَافِرَ مِنْ مَالٍ لِأَمْنِهِ بِاسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَصَوْنِهِ، وَأَمَّا الصُّلْحِيَّةُ، وَهِيَ مَا الْتَزَمَ الْكَافِرَ الَّذِي مَنَعَ نَفْسَهُ أَدَاءَهُ عَلَى إبْقَائِهِ بِبَلَدِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ فَتُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَلَوْ بَعُدَتْ أَمَاكِنُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ صَالَحُونَا عَلَى الْبَقَاءِ فِيهَا.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: فُهِمَ مِنْ جَوَازِ أَخْذٍ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ بِشَرْطِهِ جَوَازُ الْمُهَادَنَةِ، وَيُقَالُ لَهَا الْمُسَالَمَةُ وَالْمُتَارَكَةُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً بِالْأَوْلَى، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهَا مِنْ الْإِمَامِ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ عَجْزٌ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَأَنْ يُخْلُوا عَقْدَهَا عَنْ ارْتِكَابِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، كَشَرْطِهِمْ بَقَاءَ أَسِيرٍ مُسْلِمٍ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، أَوْ قَرْيَةً لِلْمُسْلِمِينَ تَبْقَى تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، إلَّا أَنْ يَعْظُمَ الْخَوْفُ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يُهَاجِرُ مِنْهَا إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ؟ وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَسْلَمَ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَإِنْ كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الِارْتِحَالُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَحِلُوا مِنْهُ يَكُونُوا عَاصِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِسْلَامُهُمْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» ، وَكَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا يَتِمُّ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ حَتَّى يَرْتَحِلَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ.»

وَلَمَّا كَانَ لِلْجِهَادِ فَرَائِضُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا، وَهِيَ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَتَرْكُ الْغُلُولِ، وَالْوَفَاءُ بِالْأَمَانِ، وَالثَّبَاتُ عِنْدَ الزَّحْفِ، وَأَنْ لَا يَفِرَّ أَحَدٌ مِنْ اثْنَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَالْفِرَارُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ الْهُرُوبُ (مِنْ الْعَدُوِّ) أَيْ الْكَافِرِ مَعْدُودٌ (مِنْ الْكَبَائِرِ) ؛ لِأَنَّ الذُّنُوبَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ قِسْمَانِ، وَالْفِرَارُ مِنْ الْمُوبِقَاتِ السَّبْعِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْتَنِبُوا الْمُوبِقَاتِ السَّبْعَ» أَيْ الْمُهْلِكَاتِ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مِنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ. (إذَا كَانُوا) أَيْ الْكُفَّارُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ بِالْعَدُوِّ (مِثْلَ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلَّ) قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْحَرَامِ: وَفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ يَحْرُمُ الْفِرَارُ مِنْ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65] الْآيَةَ. ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الْآيَةَ.
فَتَكَرَّرَ فِيهِ النَّسْخُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُرَاعَى الْعَدَدُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَضْعَفَ قُوَّةً مِنْ الْكُفَّارِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرِ الْآيَةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي التَّقْيِيدُ بِمَا إذَا كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سِلَاحٌ، وَكَانَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَبِأَنْ لَا يَتَّصِلَ مَدَدُ الْكُفَّارِ مَعَ انْقِطَاعِ مَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِأَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذَا جَازَ الْفِرَارُ. ثُمَّ بَيَّنَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ (فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ الْفِرَارُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَلَغَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقَيَّدُ الْجَوَازُ بِأَنْ لَا يَبْلُغَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِلَّا حَرُمَ الْفِرَارُ مُطْلَقًا، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ خَلِيلٍ: وَفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ، وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا إلَّا تَحَرُّفًا وَتَحَيُّزًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَبْلُغُوا رَاجِعٌ إلَى مَفْهُومِ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْعَارِفِ بِكَلَامِ خَلِيلٍ وَغَيْرِهِ، وَحُرْمَةُ الْفِرَارِ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مُقَيَّدَةٌ أَيْضًا بِالْقُيُودِ السَّابِقَةِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَدْ ذَكَرْنَا لَك أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بُلُوغِ الْمُسْلِمِينَ نِصْفَ الْكُفَّارِ أَوْ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا الْعَدَدُ لَا الْقُوَّةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْجُمْهُورِ، وَيَكْفِي بُلُوغُهُمْ هَذَا الْعَدَدَ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ وَهَنِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ حُرْمَةُ الْفِرَارِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ عَدَدٍ.
الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَوْنُ الْجَمِيعِ مِمَّنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ الْجِهَادِ، بَلْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ عَبِيدٌ أَوْ صِبْيَانٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْجِهَادِ.
قَالَ جَمِيعَهُ الْأُجْهُورِيُّ.
الثَّالِثُ: قَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَيْضًا: وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَارٍ فِي الْجِهَادِ، وَلَوْ كَانَ مَنْدُوبًا، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا سُدَّتْ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 397
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست