responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 396
يُعَاجِلُونَا فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَإِلَّا قُوتِلُوا.

وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَخَلِيلٍ فَرْضِيَّةُ الْجِهَادِ، وَلَوْ سَدَّ الْمُسْلِمُونَ ثُغُورَهُمْ وَحُصُونَهُمْ، خِلَافًا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَصَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ أَنَّهُ إذَا حُمِيَتْ أَطْرَافُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَسُدَّتْ ثُغُورُهُمْ سَقَطَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَنْ سَائِرِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْمَشْهُورِ أَنَّ عَدَمَ الْجِهَادِ يُؤَدِّي إلَى قِيَامِ الْحَرْبِيِّينَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
الثَّانِي: يُشَارِكُ الْجِهَادَ فِي الْفَرْضِيَّةِ الْكِفَائِيَّةِ إقَامَةُ الْمَوْسِمِ أَيْ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَمِثْلُهُ الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَالْفِقْهِ، وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَأُصُولٍ، وَكَلَامٍ وَنَحْوٍ وَالْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ، وَفَكِّ الْأُسَارَى وَتَجْهِيزِ الْأَمْوَاتِ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى عَلَى مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُهَا، وَلَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ السُّلْطَانِ إلَّا إذَا تَنَاءَتْ الْأَقْطَارُ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ كَالْحِيَاكَةِ وَالْخِبَازَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صَلَاحُ الْعَامَّةِ.
الثَّالِثُ: الدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] أَيْ الْجَنَّةَ، فَلَمَّا وَعَدَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْقَاعِدَ وَالْمُجَاهِدَ بِالْحُسْنَى، عُلِمَ أَنَّ الْخِطَابَ بِهِ لِلْجَمِيعِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِيَّةِ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ لَكَانَ الْقَاعِدُ بِلَا ضَرُورَةٍ عَاصِيًا، وَمَا تَوَاتَرَ فِي السُّنَّةِ مِنْ «إرْسَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ» .
الرَّابِعُ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ مُخَاطَبٌ بِهِ الْجَمِيعُ حَتَّى يَقُومَ بِهِ الْبَعْضُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْرٌ قَوْلَانِ، هَكَذَا قَالَ بَعْضٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ آيَةُ: {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَجْرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْفِعْلِ.
الْخَامِسُ: مَحَلُّ كَوْنِ الْجِهَادِ فَرْضَ كِفَايَةٍ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ إذَا غَزَا الْعَدُوُّ عَلَى قَوْمٍ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى النِّسَاءِ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا وَبِتَعْيِينِ الْإِمَامِ وَبِالنَّذْرِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَيَّنَ بِفَجْأِ الْعَدُوِّ، وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا أَوْ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ جَوَازُ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ ابْتِدَاءً بِقَوْلِهِ: (وَأَحَبُّ إلَيْنَا) مَعَاشِرَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (أَنْ لَا يُقَاتَلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالنَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ (الْعَدُوُّ) عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى قِتَالِهِمْ (حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ يُطْلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران: 64] ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ: إنَّك سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَقِصَّةُ سُلَيْمَانَ مَعَ بِلْقِيسَ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ مَلِكَةَ سَبَأٍ، وَكِتَابُهُ إلَيْهَا مَعَ الْهُدْهُدِ: {أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] وَصِفَةُ الدَّعْوَى مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ كُفْرِ الْكَافِرِ، فَمَنْ أَنْكَرَ الْإِلَهَ يُدْعَى إلَى الْإِقْرَارِ بِهِ، وَمَنْ اعْتَقَدَ الشُّرَكَاءَ يُدْعَى إلَى الِاعْتِرَافِ بِالتَّوْحِيدِ، وَمَنْ أَنْكَرَ عُمُومَ الرِّسَالَةِ يُدْعَى إلَى الِاعْتِرَافِ بِعُمُومِهَا، وَمَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ يُدْعَى إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَفَرَ بِشَيْءٍ يُدْعَى إلَى الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَلَا تُفَصَّلَ لَهُ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ إلَّا أَنْ يَسْأَلَ عَنْ تَفْصِيلِهَا.
وَوُجُوبُ الدَّعْوَى مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (مَا لَمْ يُعَاجِلُونَا) بِالْقِتَالِ، وَإِلَّا قُوتِلُوا. وَالْقَيْدِ الثَّانِي أَنْ يَكُونُوا بِمَحَلٍّ تُؤْمَنُ غَوْلَتُهُمْ، وَإِلَّا قُوتِلُوا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ جِزْيَةٌ بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ، وَإِلَّا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا إلَّا الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ، وَمَا مَعَهُمَا مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إلَخْ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأَحَبُّ إلَيْنَا إلَخْ أَنَّ الدَّعْوَةَ مُسْتَحَبَّةٌ مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْأَحَبَّ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَحْبُوبٌ، كَمَا أَنَّ الْجَائِزَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ لَا الْأَحَبِّ بِمَعْنَى الْمَنْدُوبِ حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، وَلَمْ يُجِبْ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا فِي حَقِّهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ هَلْ تُكَرَّرُ الدَّعْوَةُ أَوْ لَا، وَبَيَّنَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِقَوْلِهِ: وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ كَالْمُرْتَدِّ، وَيُفْهَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْمُرْتَدِّ أَنَّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِذَا دُعُوا (فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا) فَيَجِبُ كَفُّنَا عَنْهُمْ لِعِصْمَةِ دِمَائِهِمْ كَأَمْوَالِهِمْ بِالْإِسْلَامِ. (أَوْ) يَرْضُوَا بِأَنْ (يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ) فَيَجِبُ كَفُّنَا عَنْهُمْ أَيْضًا.
(وَإِلَّا) يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ (قُوتِلُوا) وَقُتِلُوا بِالْفِعْلِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقِتَالِ، وَلَوْ بِقَطْعِ الْمَاءِ وَرَمْيِ النَّارِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ دَعْوَتُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَطْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي قِتَالِهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا مِنْهُ يُدْعَوْا إلَى الْجِزْيَةِ لَا أَنَّا نُخَيِّرُهُمْ ابْتِدَاءً بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْجِزْيَةِ، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ جِزْيَةٌ بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ، وَإِلَّا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ وَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ إلَى آخِرِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ.

(وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ) عِنْدَ رِضَاهُمْ بِدَفْعِهَا

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 396
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست