responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 39
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلْمُعْتَزِلَةِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْأَعْمَالِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا أَنَّهَا رُكْنٌ مِنْهُ بِدَلِيلِ تَصْرِيحِهِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالْعَمَلِ، لِلْقَاعِدَةِ مِنْ رَدِّ الْمُحْتَمِلِ لِغَيْرِهِ فَيَصِيرُ كَلَامُهُ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فَيَجْعَلُونَ الْأَعْمَالَ رُكْنًا حَقِيقِيًّا لِلْإِيمَانِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُ شُيُوخِنَا اللَّقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: الْأَعْمَالُ عِنْدَ السَّلَفِ شَرْطٌ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ.
وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ رُكْنٌ فِيهِ، هَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي فَهْمُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ لَا مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ التَّحْقِيقِ مِنْ نِسْبَةِ الْآتِي لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُحَدِّثِينَ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ الْمُتَخَالِفَةَ إذَا أَمْكَنَ رَدُّهَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ يُصَارُ إلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَمَا يُعَيَّنُ ذَلِكَ كَمَا هُنَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالْعَمَلِ شَاهِدُ صِدْقٍ فِيمَا قُلْنَا، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّة عَدَمُ تَرَكُّبِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ بِكُلِّ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَصَارَ الْعِلْمُ بِهِ يُشَابِهُ الْعِلْمَ الْحَاصِلَ بِالضَّرُورَةِ بِحَيْثُ يَعْلَمُهُ الْعَامَّةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ نَظَرِيًّا كَوَحْدَةِ الصَّانِعِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ تَصْدِيقِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبُولُ مَا جَاءَ بِهِ مَعَ الرِّضَا بِتَرْكِ التَّكَبُّرِ وَالْعِنَادِ وَالِامْتِثَالِ لِبِنَاءِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ، لَا مُجَرَّدَ نِسْبَةِ الصِّدْقِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إذْعَانٍ، حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ إيمَانُ كَثِيرٍ مِنْ الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ بِحَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ وَلَكِنْ لَمْ يُذْعِنُوا لِذَلِكَ كَأَبِي طَالِبٍ وَمَنْ شَابَهَهُ، وَأَمَّا النُّطْقُ بِاللِّسَانِ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَجْعَلُهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ أَوْ شَطْرًا مِنْهُ.
وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ حَيْثُ قَالَ
وَفَسَّرَ الْإِيمَانَ بِالتَّصْدِيقِ ... وَالنُّطْقَ فِيهِ الْخُلْفَ بِالتَّحْقِيقِ
فَقِيلَ شَرْطٌ كَالْعَمَلِ وَقِيلَ بَلْ ... شَطْرٌ وَالْإِسْلَامُ اشْرَحَنَّ بِالْعَمَلِ
وَأَمَّا أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ فَهِيَ شَرْطٌ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالْعَمَلِ، فَالتَّارِكُ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ وَلَا عِنَادٍ، وَلَا شَكٍّ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا مُؤْمِنٌ مُفَوِّتٌ عَلَى نَفْسِهِ الْكَمَالَ وَالْآتِي بِهَا مُمْتَثِلًا مُحَصِّلًا لِأَكْمَلِ الْخِصَالِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَأَمَّا النُّطْقُ بِاللِّسَانِ فَهُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ فَهِيَ شَرْطٌ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ، وَعَلَيْهِ فَمَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ لَا لِعُذْرٍ وَلَا لِإِبَاءٍ فَهُوَ مُؤْمِنٌ نَاجٍ عِنْدَ اللَّهِ غَيْرُ مُؤْمِنٍ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَمَنْ أَقَرَّ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْ بِقَلْبِهِ فَبِالْعَكْسِ وَيُقَالُ لَهُ مُنَافِقٌ وَزِنْدِيقٌ، وَأَمَّا الْآبِي مِنْ النُّطْقِ فَكَافِرٌ فِي الدَّارَيْنِ، وَالْمَعْذُورُ مُؤْمِنٌ فِيهِمَا؛ فَتَلَخَّصَ مِمَّا ذَكَرْنَا ثَلَاثُ مَذَاهِبَ: مَذْهَبُ السَّلَفِ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّة وَهُوَ مَا صَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ، وَمَذْهَبُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَقَدْ وَضَّحْنَا جَمِيعَهَا.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ النُّطْقَ بِخُصُوصِ أَشْهَدُ بَلْ الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ خُصُوصُ لَفْظِ أَشْهَدُ فِي الْإِقْرَارِ بِالرِّسَالَةِ، وَاعْتَمَدَ هَذَا الْأَبِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مُخَالِفًا لِشَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ أَشْهَدُ عَلَى الْقَادِرِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ تَعَبَّدَنَا الشَّارِعُ بِهَا فَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا بِهَا، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَوْ أَتَى بِمَا يَجِبُ النُّطْقُ بِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَالْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ فَيُكْتَفَى مِنْهُ بِمَا أَتَى بِهِ بِلُغَتِهِ اتِّفَاقًا.
الثَّانِي: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْإِيمَانِ حَيْثُ قَالَ: مِنْ ذَلِكَ الْإِيمَانُ بِالْقَلْبِ إلَخْ وَسَكَتَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَعَلَّهُ مَشَى عَلَى طَرِيقِ جُمْهُورِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَبَعْضِ مُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ بِاتِّحَادِ مَفْهُومِيهِمَا بِمَعْنَى وَحْدَةِ مَا يُرَادُ مِنْهُمَا شَرْعًا وَتَلَازُمُهُمَا فِي الْخَارِجِ، وَأَمَّا طَرِيقُ جُمْهُورِ الْأَشَاعِرَةِ فَالْإِيمَانُ يُغَايِرُ الْإِسْلَامَ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي الْخَارِجِ، وَإِنْ تَلَازَمَا شَرْعًا فَالْإِيمَانُ حَقِيقَتُهُ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ وَالْإِسْلَامُ حَقِيقَتُهُ الِانْقِيَادُ الظَّاهِرِيُّ بِفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا ذَاتًا وَمَفْهُومًا آيَةُ {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ بِأَنَّهُ فَسَّرَ الْإِيمَانَ بِمَا يُغَايِرُ الْإِسْلَامَ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي خَلْقِ الْإِيمَانِ وَعَدَمِ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ؛ لِأَنَّهُ التَّصْدِيقُ وَهُوَ مَخْلُوقٌ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ إلَى آخَرِ الْحَدِيثِ.
الثَّالِثُ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْعَقْلُ، فَالْكِتَابُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَالسُّنَّةُ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ إلَخْ، وَالْإِجْمَاعُ قَوْلُ الْأُمَّةِ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، وَالْعَقْلُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِبُرْهَانِ التَّمَانُعِ وَيُقَالُ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 39
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست