responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 38
مِنْ ذَلِكَ: الْإِيمَانُ بِالْقَلْبِ، وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ، لَا إلَهَ غَيْرُهُ.

وَلَا شَبِيهَ لَهُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ، وَأَشَارَ إلَى الْجَائِزِ بِقَوْلِ: الْبَاعِثُ الرُّسُلَ إلَخْ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَوَّلَ الْوَاجِبَاتِ أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ إلَهٌ وَاحِدٌ صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ يَجِبُ اعْتِقَادُهَا لَهُ تَعَالَى. (مُقَدِّمَةٌ) : مِنْ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ وَلَوْ بِرَسْمِهِ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي طَلَبِهِ، وَأَنْ يَعْرِفَ مَوْضُوعَهُ لِيَتَمَيَّزَ عِنْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَعْرِفَ غَايَتَهُ لِئَلَّا يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِهِ عَبَثًا، وَأَنْ يَعْرِفَ اسْتِمْدَادَهُ وَمَنْفَعَتَهُ وَحُكْمَهُ وَوَاضِعَهُ. فَحَدُّهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: عِلْمٌ يُقْتَدَرُ مَعَهُ عَلَى إثْبَاتِ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ عَلَى الْغَيْرِ وَإِلْزَامِهَا إيَّاهُ بِإِيرَادِ الْحُجَجِ وَرَدِّ الشُّبَهِ، وَقَالَ السَّعْدُ: هُوَ الْعِلْمُ بِالْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ أَوْ الْعِلْمُ بِالْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الْمُكْتَسِبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا الْيَقِينِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالدِّينِيَّةِ الْمَنْسُوبَةُ إلَى دِينِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَاعْتُبِرَ فِي أَدِلَّتِهَا الْيَقِينُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ بَلْ فِي الْعَمَلِيَّاتِ، وَخَرَجَ عَنْ التَّعْرِيفِ الْعِلْمُ بِغَيْرِ الشَّرْعِيَّاتِ وَبِالشَّرْعِيَّاتِ الْفَرْعِيَّةِ وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُلْكِ وَعِلْمُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاعْتِقَادِيَّاتِ، وَكَذَا اعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ فِيمَنْ يُسَمِّيه عِلْمًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا لَيْسَتْ عَنْ أَدِلَّةٍ، وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ عِلْمُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ بِالِاعْتِقَادِيَّاتِ فَإِنَّهَا كَلَامٌ وَأُصُولٌ وَعَقَائِدُ وَإِنْ كَانُوا لَا يُسَمُّونَهُ بِعِلْمِ التَّوْحِيدِ فِي زَمَنِهِمْ. وَمَوْضُوعُهُ الْمَعْلُومُ مِنْ حَيْثُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتُ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ، إذْ مَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ مَا يُبْحَثُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُبْحَثُ فِي هَذَا الْعِلْمِ عَنْ أَحْوَالِ الصَّانِعِ مِنْ الْقَدَمِ وَالْوَحْدَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ عَقِيدَةٌ إسْلَامِيَّةٌ لِيَعْتَقِدَ ثُبُوتَهَا لَهُ، وَعَنْ أَحْوَالِ الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ مِنْ الْحُدُوثِ وَالِافْتِقَارِ وَالتَّرْكِيبِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَقَبُولِ الْفَنَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى عَقِيدَةٍ إسْلَامِيَّةٍ، فَإِنَّ تَرْكِيبَ الْجِسْمِ وَقَبُولَهُ لِلْفَنَاءِ دَلِيلٌ عَلَى افْتِقَارِهِ إلَى الْمُوجِدِ لَهُ، وَكُلُّ هَذَا بَحْثٌ عَنْ أَحْوَالِ الْمَعْلُومِ لِإِثْبَاتِ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ وَهُوَ كَالْمَوْجُودِ، إلَّا أَنَّهُ أَوْثَرُ عَلَى الْمَوْجُودِ لِيَصِحَّ عَلَى رَأْيِ، مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَلَا يَعْرِفُ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الصُّورَةِ فِي الْعَقْلِ وَيَرَى مَبَاحِثَ الْمَعْدُومِ وَالْحَالَّ مِنْ مَبَاحِثِ الْكَلَامِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَحْوَالِ الْمُمْكِنَاتِ فِي الْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ عَلَى قَانُونِ الْإِسْلَامِ. وَغَايَتُهُ أَنْ يَصِيرَ الْإِيمَانُ وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مُتْقَنًا مُحْكَمًا لَا تُزَلْزِلُهُ شُبْهَةُ الْمُبْطِلِينَ، وَمَنْفَعَتُهُ فِي الدُّنْيَا انْتِظَامُ أَمْرِ الْمَعَاشِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعَدْلِ وَالْمُعَامَلَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ وَعَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى الْفَسَادِ، وَمَنْفَعَتُهُ فِي الْآخِرَةِ النَّجَاةُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْكُفْرِ وَسُوءِ الِاعْتِقَادِ، وَمَسَائِلُهُ الْقَضَايَا النَّظَرِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ وَالِاحْتِرَازُ بِالْقَضَايَا النَّظَرِيَّةِ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي أَنَّ الْبَدِيهِيَّ لَا يَكُونُ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالْمَطَالِبِ الْعِلْمِيَّةِ، بَلْ لَا مَعْنَى لِلْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا يُسْأَلُ عَنْهُ وَيَطْلُبُ بِالدَّلِيلِ، وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ وَالِامْتِنَاعِ، وَقَالَ بَعْضٌ: اسْتِمْدَادُهُ مِنْ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ وَنَظْرِ الْعَقْلِ، وَلَعَلَّ الْخَلْفَ فِي التَّعْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ وَالْوُجُوبَ وَالِامْتِنَاعَ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ مِمَّا يَرْجِعُ لِلدَّلِيلِ الْجُمَلِيِّ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى طَرِيقِ الْجُمْهُورِ، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ لِلدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَنَقَلَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَظَاهِرُ أَسْئِلَةِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْوُجُوبُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ، وَوَاضِعُهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ أَهْلُ السُّنَّةِ حَتَّى لُقِّبُوا بِالْأَشَاعِرَةِ.
(مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ (الْإِيمَانُ) أَيْ التَّصْدِيقُ (بِالْقَلْبِ) الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْفُؤَادِ. (وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ) وَمَعْمُولُ الْإِيمَانِ وَالنُّطْقِ عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ (أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ غَيْرُهُ) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ.
وَفِي كَلَامِهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُوجَدُ إلَّا إذَا حَصَلَ التَّصْدِيقُ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا حَذَفَ تِلْكَ الْجُمْلَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ لَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: ثُمَّ خَتَمَ الرِّسَالَةَ إلَخْ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ، وَيُعَيِّنُ هَذَا قَوْلُهُ الْآتِي: وَإِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ فَشَرْطٌ فِي كَمَالِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَقَدَّمْنَا قَبْلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَآمَنُوا بِاَللَّهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَاطِقِينَ وَبِقُلُوبِهِمْ مُخْلِصِينَ وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ عَامِلِينَ، أَنَّ هَذَا مَذْهَبَ السَّلَفِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: مِنْ ذَلِكَ الْإِيمَانُ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَه غَيْرُهُ، وَسَكَتَ عَنْ الْأَعْمَالِ إشَارَةً إلَى أَنَّهَا غَيْرُ رُكْنٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطُ كَمَالٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ آخِرَ الْبَابِ: وَإِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ الْمُوهِمِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَنُسِبَ لِجُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ حَبِيبٍ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 38
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست