responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 351
صِحَّةِ الْبَدَنِ

وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ

وَمِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ فَإِنْ مَرُّوا بِالْمَدِينَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ سُنَّةَ الْعُمْرَةِ تَحْصُلُ بِمَرَّةٍ كَمَا يَأْتِي، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَقَعُ نَافِلَةً حَيْثُ حَصَلَتْ فِي عَامٍ آخَرَ،؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ إلَّا لِعَارِضٍ، كَمَنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ الْحَرَمَ وَدَخَلَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ
1 -
، وَاخْتُلِفَ هَلْ فُرِضَ الْحَجُّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] تَأْكِيدًا لَهُ، أَوْ بَعْدَهَا سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ، وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِكْمَالِ أَقْوَالٌ، وَحَجَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ حَجَّ قَبْلَهَا مَرَّاتٍ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَمَا قَالَ أَنَسٌ: «عُمْرَةُ الصَّدِّ عَنْ الْبَيْتِ حِينَ أَحْرَمَ بِهَا وَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، وَعُمْرَتُهُ أَيْضًا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَعُمْرَتُهُ مَعَ حَجَّتِهِ، وَعُمْرَتُهُ حِينَ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ»

[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]
. ثُمَّ بَيَّنَ السَّبِيلَ الَّذِي يَكُونُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ مُسْتَطِيعًا بِقَوْلِهِ: (وَالسَّبِيلُ) : لَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ بَلْ بِمَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ بِدَلِيلِ عَطْفِ الزَّادِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا (الطَّرِيقُ السَّابِلَةُ) : أَيْ الْمَأْمُونَةُ فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ فِيهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَجُّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ مِنْ لِصٍّ أَوْ عَشَّارٍ يَأْخُذُ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يَجْحَفُ بِمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ ثَانِيًا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ، وَأَمَّا إنْ عُلِمَ رُجُوعُهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَهُ الْحَجُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مَشْرُوطَةٌ بِالْأَمْنِ، وَعِنْدَ الشَّكِّ لَا أَمْنَ، وَالْقِلَّةُ بِالنَّظَرِ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ الْمَالُ، وَأَشْعَرَ سُقُوطُ الْحَجِّ بِأَخْذِ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُسْقِطِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ مِنْ الْحُجَّاجِ لِيَدْفَعُوا عَنْهُمْ كُلَّ يَدٍ عَادِيَةٍ جَائِزٌ لِشَبَهِهِ بِالنَّفَقَةِ اللَّازِمَةِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالزَّادِ، ذَكَرَهُ سَنَدٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
(وَ) ثَانِي الْأُمُورِ (الزَّادُ الْمُبَلِّغُ) : أَيْ الْمُوَصِّلُ (إلَى مَكَّةَ) : وَلَوْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًا مِنْ أَمَتِهِ، أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ كَكُتُبِهِ وَلَوْ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا، أَوْ ثَوْبَيْ جُمُعَتِهِ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُمَا، وَدَارِهِ وَمَاشِيَتِهِ، بَلْ وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الزَّادِ الْمُبَلِّغِ مِنْ صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ حَيْثُ كَانَ يَظُنُّ عَدَمَ كَسَادِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ تُزْرِي بِهِ، وَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ الْمُبَلِّغِ إلَى مَكَّةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ مَا يَرِدُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَاعْتُبِرَ مَا يَرِدُ بِهِ إنْ خَشِيَ ضَيَاعًا، وَحِينَئِذٍ فَيُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى مَا يُوَصِّلُهُ وَيَرِدُ بِهِ إلَى أَقْرَبَ مَكَان يُمْكِنُ التَّمَشِّي فِيهِ بِمَا لَا يُزْرِي بِهِ مِنْ الْحِرَفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الزَّادِ الْمُبَلِّغِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ أَعْزَبَ وَيَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ بِمَا مَعَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِمَا مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى إنْفَاقِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ أَبَوَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ وَلَوْ خَشِيَ تَطْلِيقَهُنَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَإِنْ بِافْتِقَارِهِ أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ لِلصَّدَقَةِ إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا قُدْرَتُهُ بِالدَّيْنِ أَوْ قَبُولِ الْعَطِيَّةِ مِنْ الْغَيْرِ وَلَوْ مِنْ الِابْنِ لِأَبِيهِ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ بِالسُّؤَالِ فَلَا تَكُونُ اسْتِطَاعَةً وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ.
قَالَ خَلِيلٌ: لَا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقًا، خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ قَالَ: وَقُدْرَةُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ اسْتِطَاعَةٌ، وَرَجَّحَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ بَلْ هُوَ صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِطَاعَةً، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
(وَ) : ثَالِثُ الْأُمُورِ (الْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ) : عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهَا جُمْلَةً وَإِلَّا سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ غَالِبِ النَّاسِ الْمُسْتَطِيعِينَ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَصْلِ الْمَشَقَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ} [النحل: 7] وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْقُوَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا وَيَجِدُ أُجْرَتَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى الْوُصُولِ جُمْلَةً أَوْ لَهُ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَكُونُ مُسْتَطِيعًا، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ إنْ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَحَجَّ كَمَنْ فَرْضُهُ الصَّلَاةُ مِنْ جُلُوسٍ وَتَكَلَّفَ الْقِيَامَ، وَقَوْلُنَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ بِنَحْوِ طَيَرَانٍ فَلَا يُعَدُّ مُسْتَطِيعًا شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ إنْ فَعَلَ، وَقَوْلُهُ إلَى مَكَّةَ كَانَ الْأَوْلَى إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لِلضَّمِيرِ وَالْقُوَّةِ الْمَذْكُورَةِ. (إمَّا) : بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُولِ (رَاكِبًا) : لِدَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ (أَوْ رَاجِلًا) : أَيْ مَاشِيًا عَلَى رِجْلَيْهِ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عِنْدَ مَالِكٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا وُجُودُ رَاحِلَةٍ بَلْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوُصُولِ مِنْ غَيْرِ عَظِيمِ مَشَقَّةٍ. وَرَابِعُ الْأُمُورِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ (مَعَ صِحَّةِ الْبَدَنِ) : فَالْمَرِيضُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلُهُ: مَعَ صِحَّةِ الْبَدَنِ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ يُشْبِهُ التَّكْرَارَ.

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 351
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست