responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 33
سُبْحَانَهُ عَلَى الْقُلُوبِ: عَمَلًا مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ وَعَلَى الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ: عَمَلًا مِنْ الطَّاعَاتِ.

وَسَأُفَصِّلُ لَك مَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِعْلِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا يَنْبَغِي بِيُسْتَحَبُّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ أَمْرَ الشَّارِعِ لِلْوَلِيِّ بِتَعْلِيمِهِمْ أَمْرَ نَدْبٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي فَرْضِ اللَّهِ وَالضَّمِيرُ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ إلَى الْأَوْلَادِ، وَمَعْنَى تَمَكَّنَ فِي قُلُوبِهِمْ ثَبَتَ وَرَسَخَ فِيهَا، وَمَعْنَى سَكَنَتْ مَالَتْ إلَيْهِ بِحَيْثُ صَارَ مَأْلُوفَهَا فَلَا تَمَلُّ مِنْهُ، وَالنَّفْسُ يُرَادُ بِهَا الرُّوحُ عَلَى الصَّحِيحِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَحَقِيقَةُ الرُّوحِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَنُمْسِكُ عَنْهَا وَلَا نُعَبِّرُ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] أَيْ مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِهِ أَيْ اخْتَصَّ بِعِلْمِهِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ، خِلَافًا لِلْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ كُلَّ جَسَدٍ لَهُ رُوحَانِ: أَحَدُهُمَا رُوحُ الْيَقَظَةِ الَّتِي أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي الْجَسَدِ كَانَ مُسْتَيْقِظًا فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ نَامَ وَرَأَتْ تِلْكَ الرُّوحُ الْمَنَامَاتِ، وَالْأُخْرَى رُوحُ الْحَيَاةِ الَّتِي أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْجَسَدِ كَانَ حَيًّا وَإِذَا فَارَقَتْهُ مَاتَ، وَهَاتَانِ الرُّوحَانِ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ لَا يَعْلَمُ مَقَرَّهُمَا إلَّا اللَّهُ أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُمَا كَجَنِينٍ فِي بَطْنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَعْضٌ خَاضَ فِي حَقِيقَةِ النَّفْسِ وَذَلِكَ الْبَعْضُ الْخَائِضُ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ: إحْدَاهَا تَقُولُ: إنَّهَا جِسْمٌ بِدَلِيلِ وَصْفِهَا بِالْعُرُوجِ وَالْخُرُوجِ.
وَثَانِيَتُهَا تَقُولُ: إنَّهَا عَرَضٌ وَهِيَ الْحَيَاةُ الَّتِي يَصِيرُ الْبَدَنُ بِوُجُودِهَا حَيًّا.
وَثَالِثَتُهَا تَقُولُ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ وَإِنَّمَا هِيَ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَدَنِ يُدَبِّرُهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ الْخَوْضِ.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:
وَلَا تَخُضْ فِي الرُّوحِ إذْ مَا وَرَدَا ... نَصٌّ عَنْ الشَّارِعِ لَكِنْ وُجِدَا
لِمَالِكٍ هِيَ صُورَةٌ كَالْجَسَدِ ... فَحَسْبُك النَّصُّ بِهَذَا السَّنَدِ
(وَأَنِسَتْ) أَيْ اسْتَأْنَسَتْ (بِمَا يَعْمَلُونَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) الْمَفْرُوضِ (جَوَارِحُهُمْ) بِحَيْثُ صَارَتْ لَا تَتَأَلَّمُ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَجَوَارِحُهُمْ فَاعِلُ أَنِسَتْ بِمَعْنَى عَدَمِ تَأَلُّمِهَا مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ التَّأَنُّسُ فِي الْأَصْلِ ضِدُّ التَّوَحُّشِ.
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَاكِهِيُّ: الْعِبَادُ أَصْنَافُ مَلَائِكَةٍ وَأَنْبِيَاءٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ، فَالْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ، وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ مِنْهُمْ مُطِيعٌ وَمِنْهُمْ عَاصٍ، وَالْخَلَائِقُ الْحَيَوَانِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَهُ عَقْلٌ وَلَا شَهْوَةَ لَهُ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَقِسْمٌ لَهُ شَهْوَةٌ وَلَا عَقْلَ لَهُ وَهُمْ الدَّوَابُّ، وَقِسْمٌ لَهُ عَقْلٌ وَشَهْوَةٌ وَهُمْ بَنُو آدَمَ، فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ عَلَى شَهْوَتِهِ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَلَى عَقْلِهِ كَانَ مَعَ الدَّوَابِّ.
الثَّانِي: الْعُقَلَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّكْلِيفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: كُلِّفَ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ قَطْعًا وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَآدَمُ وَحَوَّاءُ وَقِسْمٌ لَمْ يُكَلَّفْ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ قَطْعًا وَهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ، وَقِسْمٌ فِيهِ نِزَاعٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ وَهُمْ الْجِنُّ ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ.

(وَقَدْ فَرَضَ) وَيُرَادِفُهُ أَوْجَبَ وَحَتَّمَ وَكَتَبَ (اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْقُلُوبِ) عَلَى أَصْحَابِهَا أَيْ بَعْدَ تَكْلِيفِهِمْ (عَمَلًا مِنْ) جِنْسِ (الِاعْتِقَادَاتِ) كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ لَهَا.
(وَ) فَرَضَ أَيْضًا (عَلَى الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ عَمَلًا مِنْ) جِنْسِ (الطَّاعَاتِ) كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَشَبَهُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ صُدُورُهُ عَلَى أَعْمَالِ الْجَارِحَةِ وَإِنْ حَصَلَتْ مُشَارَكَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقَلْبِ فِي بَعْضِهَا كَالنِّيَّةِ، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَأَقُولُ: هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ فَالنِّيَّةُ مِمَّا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْقَلْبِ، وَيُفْهَمُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ مَا يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ كَمَا فِي خَبَرِ: إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ: وَقَدْ فَرَضَ إلَخْ بَعْدَ مَا سَبَقَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لِيَأْتِيَ عَلَيْهِمْ الْبُلُوغُ وَقَدْ تَمَكَّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ قِيلَ لَهُ: وَلِمَ طَلَبُ تَمَكُّنِ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فِي قُلُوبِهِمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَى قُلُوبِهِمْ الِاعْتِقَادَاتِ وَعَلَى جَوَارِحِهِمْ الطَّاعَاتِ.
الثَّانِي كَثِيرًا مَا تَتَشَوَّفُ النَّفْسُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يَخْطُرُ بِقَلْبِ الْمُكَلَّفِ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 33
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست