responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 317
الْكَفَّارَةُ

وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَإِنْ قُمْت فِيهِ بِمَا تَيَسَّرَ فَذَلِكَ مَرْجُوٌّ فَضْلُهُ وَتَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِهِ

وَالْقِيَامُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ بِإِمَامٍ وَمَنْ شَاءَ قَامَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ لِمَنْ قَوِيَتْ نِيَّتُهُ وَحْدَهُ

وَكَانَ السَّلَفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى

، وَلَمَّا قَدَّمَ الصَّائِمَ يُنْهَى عَنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَلَوْ مَعَ عِلْمِ السَّلَامَةِ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى مَنْ ارْتَكَبَهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ الْتَذَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِمُبَاشَرَةٍ) وَلَوْ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ كَرِجْلِهِ (أَوْ قُبْلَةٍ فَأَمْذَى لِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وَلَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي رَمَضَانَ، وَقِيلَ لَا قَضَاءَ عَلَى النَّاسِي، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْذِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَنْعَظَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِنْعَاظِ، وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ، وَلَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: قَاعِدَةُ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ تَقْدِيمُ مَا رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا يَقُولُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِهَا وَمِثْلُ الْإِمْذَاءِ بِالْمُبَاشَرَةِ الْإِمْذَاءُ بِالْفِكْرِ وَالنَّظَرِ وَلَوْ لَمْ يُدِمْهُمَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَفِي الْأُجْهُورِيِّ هُنَا، فَإِنْ كَانَ عَنْ فِكْرٍ غَيْرِ مُسْتَدَامٍ أَوْ نَظَرٍ غَيْرِ مُسْتَدَامٍ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ.
قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: وَأَقُولُ ظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ لُزُومُ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْفِكْرِ وَالْقُبْلَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إنْ أَمَذَى قَضَى مِنْ غَيْرِ شَرْطِ اسْتِدَامَةٍ.
(وَ) مَفْهُومُ أَمَذَى أَنَّهُ (إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ (حَتَّى أَمْنَى فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) مَعَ الْقَضَاءِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَتَعْبِيرُهُ بِحَتَّى يُوهِمُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِمُجَرَّدِ الْقُبْلَةِ أَوْ الْمُبَاشَرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمُعْتَمَدُ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَمُّدِ إخْرَاجِ الْمَنِيِّ بِالْقُبْلَةِ أَوْ الْمُبَاشَرَةِ أَوْ الْمُلَاعَبَةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَادَةٍ وَلَا اسْتِدَامَةٍ، وَأَمَّا تَعَمُّدُ إخْرَاجِهِ بِنَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِدَامَةِ مِمَّنْ عَادَتُهُ الْإِنْزَالُ بِهِمَا أَوْ اسْتَوَتْ حَالَتَاهُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السَّلَامَةُ مَعَ إدَامَتِهِمَا فَتَخَلَّفَتْ وَأَمْنَى فَقَوْلَانِ اسْتَظْهَرَ اللَّخْمِيُّ مِنْهُمَا عَدَمَ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ، وَنَقَلَ بَعْضَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ عَامًّا فِي جَمِيعِ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَأَمَّا مَنْ أَمْنَى بِتَعَمُّدِ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ لِلْقَابِسِيِّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ عَادَتُهُ الْإِمْنَاءُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَعَ بَيَانِ الرَّاجِحِ

[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]
. ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ التَّرَاوِيحِ الْمَعْرُوفَةِ بِقِيَامِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ) أَيْ صَلَّى فِيهِ التَّرَاوِيحَ وَيُقَالُ لَهَا الْقِيَامُ (إيمَانًا) أَيْ مُصَدِّقًا بِالْأَجْرِ الْمَوْعُودِ عَلَيْهِ (وَاحْتِسَابًا) أَيْ مُخْلِصًا فِي فِعْلِهِ وَمُحْتَسِبًا أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَفْعَلْهُ لِرِيَاءٍ وَلَا سُمْعَةٍ (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) هَذَا جَوَابُ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَالْمُرَادُ ذُنُوبُهُ الصَّغَائِرُ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ عَفْوُ اللَّهِ، وَأَمَّا تَبِعَاتُ الْعِبَادِ فَلَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْلَالِ أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا يُقَالُ لَهَا ذُنُوبٌ إنَّمَا الذَّنْبُ إثْمُ الْجُرْأَةِ، فَهَذَا يُكَفَّرُ بِالتَّوْبَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَحْوِ الْحَجِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ، لَكِنَّ حَمْلَ الذُّنُوبِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لِأَنَّهَا الَّتِي تُكَفَّرُ بِالْقِيَامِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّغَائِرَ تُغْفَرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ بِالْوُضُوءِ وَبِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَغَيْرِهَا مِمَّا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ، فَأَيْنَ الصَّغَائِرُ الَّتِي يُكَفِّرُهَا الْقِيَامُ؟ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْإِشْكَالُ بِعَيْنِهِ فِي بَحْثِ الْعَقِيدَةِ، وَأَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنْ يُقَالَ: الذُّنُوبُ كَالْأَمْرَاضِ وَالْمُكَفِّرَاتُ كَالْأَدْوِيَةِ لَهَا، فَمِنْ الذُّنُوبِ مَا لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا الْوُضُوءُ، وَمِنْهَا مَا لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا الصَّوْمُ، وَمِنْهَا مَا لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا الْقِيَامُ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْجَوَابِ حَدِيثُ: «إنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَا يُكَفِّرُهُ الصَّوْمُ وَلَا الصَّلَاةُ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهُ السَّعْيُ عَلَى الْعِيَالِ» وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الذُّنُوبِ يُرْفَعُ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٌ، وَحُكْمُ الْقِيَامِ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ النَّدْبُ وَيَتَأَكَّدُ النَّدْبُ فِي رَمَضَانَ حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ حُكْمَهُ السُّنِّيَّةُ، وَلَكِنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ خَلِيلٌ النَّدْبُ حَيْثُ قَالَ: وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْوِتْرِ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ، فَلَا يُصَلَّى قَبْلَ الْعِشَاءِ وَلَا بَعْدَ عِشَاءٍ مُقَدَّمَةٍ عَلَى مَحَلِّهَا الضَّرُورِيِّ، وَاخْتُلِفَ هَلْ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ أَوْ مُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ وَفِعْلُهُ مُسْتَحَبٌّ قَوْلَانِ وَلَمَّا شَاعَ فِي الْأَمْصَارِ تَحْدِيدُهُ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرِ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَكَانَ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ حُصُولِ ذَلِكَ الثَّوَابِ بِأَقَلَّ مِنْهَا دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ قُمْت فِيهِ) أَيْ فِي رَمَضَانَ (بِمَا تَيَسَّرَ) مِنْ الصَّلَاةِ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ رَكْعَةً (فَذَلِكَ) الَّذِي تَيَسَّرَ لَك (مَرْجُوٌّ فَضْلُهُ) أَيْ ثَوَابُهُ لِاشْتِمَالِ كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى قِيَامٍ وَسُجُودٍ وَقِرَاءَةٍ: وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) وَرَجَاءُ الْفَضْلِ مِنْ الْقِيَامِ الْقَلِيلِ لَا يُنَافِي أَنَّ الْكَثِيرَ أَكْثَرُ ثَوَابًا (وَ) مَرْجُوٌّ (تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِهِ) وَإِنَّمَا قَالَ: مَرْجُوٌّ فَضْلُهُ وَلَمْ يَجْزِمْ بِحُصُولِهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِثَابَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا، إذْ الْإِثَابَةُ عَلَيْهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَالْقَبُولِ، وَلِذَلِكَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 317
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست