responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 21
مِنْ ذَلِكَ مِنْ السُّنَنِ: مِنْ مُؤَكَّدِهَا، وَنَوَافِلِهَا، وَرَغَائِبِهَا.

الْمُرَادِ بِهِ وَشَيْءٍ مِنْ الْآدَابِ مِنْهَا.

وَجُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُنُونِهِ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُكَلَّفُ غَافِلًا عَنْ نِيَّةِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهَا وَقَعَتْ وَاجِبَةً مُبَرِّئَةً لِلذِّمَّةِ، وَلَا يُثَابُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى يَنْوِيَ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ، قِيلَ: وَمِنْ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الثَّوَابَ يَتَّبِعُ النِّيَّةَ وَالنِّيَّةَ هُنَا مَمْنُوعَةٌ، لِأَنَّ وُجُوبَ الشَّيْءِ بِالشَّرْعِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يَتَصَوَّرُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِالنِّيَّةِ امْتِثَالًا، وَإِذَا انْتَفَى فِعْلُهُ بِالنِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ انْتَفَى الثَّوَابُ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَقَالَ اللَّقَانِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: لَا تَحْتَاجُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ إلَى نِيَّةٍ بَلْ لَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُهَا عَلَيْهَا لِأَنَّ النِّيَّةَ قَصْدُ الْمَنْوِيِّ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْعَاقِلُ مَا يَعْرِفُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ فِيهِ قَائِلًا: إنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَشْعُرُ بِأَنَّ لَهُ مَنْ يُدَبِّرُهُ فَإِذَا نَظَرَ فِي الدَّلِيلِ لِيَتَحَقَّقَهُ لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُحَالَةً، وَنُقِلَ عَنْ السَّعْدِ أَنَّ الْحَقَّ تَرَتَّبَ الثَّوَابُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ أَسْبَابِهَا فَإِنَّهَا اخْتِيَارِيَّةٌ وَحُصُولُهَا بَعْدَ النَّظَرِ عَادِيٌّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ، وَالْمُحَرَّمُ الَّذِي لَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَقَتْلُ النَّفْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَتِهَا بِتَرْكِهَا وَلَا يُثَابُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِالتَّرْكِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا كَانَ وَاجِبُ أُمُورِ الدِّيَانَةِ مُبْهَمًا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسُنُ) كَالشَّهَادَتَيْنِ لِلْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ بِهِمَا، وَكَقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، وَالْأَلْسِنَةُ جَمْعُ لِسَانٍ آلَةُ النُّطْقِ الْمَعْرُوفَةِ.
(وَ) مِمَّا (تَعْتَقِدُهُ) أَيْ تَجْزِمُ بِهِ وَتُصَمِّمُ عَلَيْهِ (الْقُلُوبُ) كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: الْأَفْئِدَةُ بَدَلُ الْقُلُوبِ جَمْعُ قَلْبٍ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ.
(وَ) مِمَّا (تَعْمَلُهُ) أَيْ تَكْتَسِبُهُ (الْجَوَارِحُ) وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْفَرْجُ وَالْبَطْنُ، وَتُسَمَّى الْكَوَاسِبُ لِأَنَّ بِهَا يَكْتَسِبُ الْإِنْسَانُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ.
ثُمَّ عَطَفَ عَلَى وَاجِبٍ قَوْلَهُ: (وَمَا يَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ) أَظْهَرَ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ أَيْ فَإِنَّك سَأَلْتَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ. (مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ رَاجِعَةٌ لِلثَّلَاثَةِ، وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِمَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ فَقَطْ بِدَلِيلِ بَيَانِ الْمُتَّصِلِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: مِنْ السُّنَنِ وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا تَتَّصِلُ بِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ بِخِلَافِ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ فَلَا تَتَّصِلُ بِهِ رَغِيبَةٌ، وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ لَا تَتَّصِلُ بِهِ سُنَّةٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ مِنْهَا مَا هُوَ سُنَّةٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ رَغِيبَةٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ فَضِيلَةٌ، فَيَتَّصِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِالْوَاجِبِ مِنْهَا، وَمَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ فِيهِ السُّنَّةُ وَالْفَضِيلَةُ، فَالْمُتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ مِنْهُ فِيهِ السُّنَّةُ وَالْفَضِيلَةُ فَقَطْ، وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْوَاجِبُ وَالْفَضِيلَةُ، وَالْمُتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ فِيهِ الْفَضِيلَةُ فَقَطْ، كَاعْتِقَادِ فَضْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يَنْفَعُ عِلْمُهُ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَمَعْنَى الِاتِّصَالِ بِالْوَاجِبِ فِعْلُهُ عَقِبَ فِعْلِهِ، وَيَحْتَمِلُ انْخِفَاضَ رُتْبَتِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَإِنْ فُعِلَ قَبْلَهُ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْأَحْسَنُ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ لَا يُفْعَلُ بَعْدَ فَرْضٍ كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ يَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ أَيْ يَلِيهِ فِي رُتْبَتِهِ.
ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ السُّنَنِ) جَمْعُ سُنَّةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي كَلَامِهِ مَا قَابَلَ الْفَرْدَ بِقَرِينَةِ الْإِبْدَالِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (مِنْ مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا) وَأَمَّا مَعْنَى السُّنَّةِ فِي غَيْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَنْ تُضَافُ إلَيْهِ، فَفِي اللُّغَةِ الطَّرِيقَةُ.
وَفِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ أَقْوَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ وَتَقْرِيرَاتُهُ وَهَمُّهُ، وَيُزَادُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ وَصِفَتُهُ.
وَفِي اصْطِلَاحِ عُلَمَائِنَا مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَاوَمَ عَلَيْهِ أَوْ فُهِمَ مِنْ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْخُسُوفِ وَاقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَقِيلَ: مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي تَدْخُلُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُمَا وَدَاوَمَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُظْهِرْهُمَا فِي جَمَاعَةٍ، وَإِطْلَاقُ السُّنَّةِ عَلَى مَا قَابَلَ الْفَرْضَ اصْطِلَاحُ الْبَغْدَادِيِّينَ لِأَنَّ كُلَّ مَا طُلِبَ شَرْعًا مِنْ الْعِبَادَاتِ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ، وَإِطْلَاقُ السُّنَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اصْطِلَاحُ غَيْرِ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَكَّدِ مِنْهَا مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ وَهُوَ السُّنَّةُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الَّتِي هِيَ قِسْمُ الرَّغِيبَةِ، وَالْمَنْدُوبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالنَّافِلَةِ كَالْعِيدَيْنِ وَالْوِتْرِ وَالْكُسُوفِ، وَالنَّوَافِلُ جَمْعُ نَافِلَةٍ وَهِيَ لُغَةً الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَرْضِ وَاصْطِلَاحًا مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ سِوَى الَّذِي لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ أَوْ دَاوَمَ عَلَيْهِ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالضُّحَى وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالرَّغَائِبُ جَمْعُ رَغِيبَةٍ وَهِيَ كُلُّ مَا حَضَّ عَلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فِي جَمَاعَةٍ خَرَجَتْ السُّنَّةُ وَتَمَحَّضَ التَّعْرِيفُ لِلرَّغِيبَةِ.
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ تَعْرِيفَ السُّنَّةِ بِمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَاوَمَ عَلَيْهِ وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ مُتَعَيِّنٌ عَلَى طَرِيقِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ السُّنَّةِ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 21
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست