responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 105
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ وَأَنْ لَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْ صَحَابَةِ الرَّسُولِ إلَّا بِأَحْسَنِ ذِكْرٍ، وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ أَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ أَحْسَنُ الْمَخَارِجِ، وَيُظَنَّ بِهِمْ أَحْسَنُ الْمَذَاهِبِ.

، وَالطَّاعَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وُلَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَاوِيَةُ وَلَمَّا تَوَلَّى قَالَ: أَنَا أَوَّلُ الْمُلُوكِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ، وَلَمَّا دَخَلَ عُمَرُ الشَّامَ رَأَى جَمْعًا كَثِيرًا وَجَيْشًا عَظِيمًا قَدْ سَالَتْ الْأَوْدِيَةُ بِهِ وَنَقَعَ غُبَارُ الْخَيْلِ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا نَائِبُك مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: هَذَا كِسْرَى الْعَرَبِ.
وَلَمَّا حَكَمَ عَلَى الصَّحَابَةِ الْمُكَرَّمِينَ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ أَجْمَعِينَ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُطْلَبُ مِنَّا فِي حَقِّهِمْ بِقَوْلِهِ: (وَ) مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ (أَنْ لَا يُذْكَرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ نَائِبُهُ (أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِأَحْسَنَ ذِكْرٍ) لِخَبَرِ: «إذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ: مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُذْكَرُوا إلَّا بِخَيْرٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَظَّمَهُمْ، وَقَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُؤْذُونِي فِي أَصْحَابِي» .
وَقَالَ أَيْضًا: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» أَيْ لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَقِيلَ لَا صَدَقَةً وَلَا قُرْبَةً.
وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدْ اسْتَضَاءَ بِنُورِ اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا احْتِرَامُهُمْ وَتَعْظِيمُهُمْ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْقَاضِي: مَنْ سَبَّ غَيْرَ الزَّوْجَاتِ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً وَيُؤَدَّبُ حَيْثُ اشْتَمَلَ سَبُّهُ عَلَى قَذْفٍ.
قَالَ: وَمَنْ قَالَ إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، وَعَنْ سَحْنُونٍ مِثْلُهُ فِيمَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَيُنَكَّلُ فِي غَيْرِهِمْ، وَذُكِرَ فِي الشِّفَاءِ خِلَافًا فِيمَنْ كَفَّرَ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيًّا. وَجَزَمَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيُّ بِعَدَمِ التَّكْفِيرِ، وَلَفْظُ الْقُرْطُبِيِّ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ: إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً وَكَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُسْتَتَابُ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَالْمُرْتَدِّ أَوْ لَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَالزِّنْدِيقِ إنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ سَبَّهُمْ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْقَذْفِ حُدَّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُنَكَّلُ النَّكَالَ الشَّدِيدَ، وَإِنْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ جُلِدَ الْجَلْدَ الشَّدِيدَ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَخْلُدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَأَمَّا أَذِيَّةُ الزَّوْجَاتِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ سَبَّ وَاحِدَةً فَلَا تَوْبَةَ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ عَائِشَةَ أَوْ غَيْرَهَا، وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي غَيْرِ عَائِشَةَ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ وَالْعُقُوبَةُ فِي غَيْرِهِ.
قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا: قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ عَائِشَةَ فِي الْقَذْفِ بِغَيْرِ مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَيُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ.
وَلَمَّا حَكَمَ عَلَى الصَّحَابَةِ الْمُكَرَّمِينَ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَكَانَ قَدْ حَصَلَ بَيْنَهُمْ بَعْضُ مُنَازَعَاتٍ وَمُحَارَبَاتٍ لَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِمْ لَمْ تَنْقُصْ عَنْ التَّفْسِيقِ، خَشِيَ مِنْ إسَاءَةِ الظَّنِّ بِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَ) مِمَّا يُطْلَبُ مِنَّا فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا (الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ) أَيْ وَقَعَ (بَيْنَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْمُحَارَبَاتِ وَالْمُخَاصَمَاتِ.
(وَ) إنْ احْتَجْنَا إلَى الْخَوْضِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَقِدَ (أَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ أَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ أَحْسَنُ الْمَخَارِجِ) وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَ) أَنْ (يَظُنَّ) أَيْ يَسْلُكَ (بِهِمْ أَحْسَنَ الْمَذَاهِبِ) أَيْ الْمَسَالِكِ.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:
وَأَوِّلْ التَّشَاجُرَ الَّذِي وَرَدَ ... إنْ خُضْت فِيهِ وَاجْتَنِبْ دَاءَ الْحَسَدَ
فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَطْلُبَ لَهُمْ أَحْسَنَ التَّأْوِيلَاتِ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُمْ نَقْلًا صَحِيحًا مِنْ الْقِتَالِ وَغَيْرِهِ، وَيَعْتَقِدَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَشَاجِرَيْنِ لَمْ يَصْدُرْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَعْتَقِدُ فِيهِ الصَّوَابَ، فَمِنْ ذَلِكَ وَقْعَةُ صِفِّينَ اسْمُ مَوْضِعٍ أَوْ مَاءٍ بِالشَّامِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلِيٌّ فِيهَا حَتَّى قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَجَرَّدَ ذَا الْفَقَارِ وَقَتَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلْفًا وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَمَا فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ بِالْعِرَاقِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ فَتَأَوَّلْ مَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، عَلَى أَنَّ عَلِيًّا طَلَبَ انْعِقَادَ الْبَيْعَةِ أَوَّلًا بَعْدَ عُثْمَانَ قَبْلَ الْقِصَاصِ مِنْ الَّذِينَ قَتَلُوهُ لِيَحْصُلَ التَّمَكُّنُ مِمَّا يُرِيدُهُ، إذْ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ إلَّا بِالْإِمَامِ، وَتَأَوَّلْ مَا وَقَعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنَّهُ طَلَبَ الْقِصَاصَ مِنْ الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ، فَكُلٌّ قَصَدَ مَقْصِدًا حَسَنًا فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ مَا وَقَعَ، وَتَعْتَقِدَ أَنَّ وُقُوفَ عَلِيٍّ عَنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ إنَّمَا كَانَتْ عَتَبًا، ثُمَّ لَمَّا أَعْتَبَهُ أَبُو بَكْرٍ بَايَعَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ.
كَمَا أَنَّ مُنَازَعَتَهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَوُقُوفَهُ عَنْ الْقِصَاصِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إنَّمَا ذَلِكَ لِطَلَبِ انْعِقَادِ الْبَيْعَةِ لِيَسْتَقِيمَ الْأَمْرُ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاقْتِصَاصِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ وَسَائِرَ مَصَالِحِ الْعِبَادِ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْهَا إلَّا مَعَ نَصْبِ الْإِمَامِ، وَاَلَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ أَنَّ عَلِيًّا اجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُعَاوِيَةَ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصِيبَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ السَّعْدُ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ عَلِيٌّ، وَالْمُخْطِئَ مُعَاوِيَةُ،

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 105
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست