responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 40
بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لِمَوْلَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ وَلَا يَدْفَعُ إلَى وَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِهِ فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِ دَفْعًا إلَى نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَقَعُ تَمْلِيكًا مُطْلَقًا؛ لِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ وَلَا يَدْفَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ زَكَاتَهُ إلَى الْآخَرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَدْفَعُ الزَّوْجَةُ زَكَاتَهَا إلَى زَوْجِهَا احْتَجَّا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّدَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَكِ أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ يَنْتَفِعُ بِمَالِ صَاحِبِهِ كَمَا يَنْتَفِعُ بِمَالِ نَفْسِهِ عُرْفًا وَعَادَةً فَلَا يَتَكَامَلُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى زَوْجَتِهِ كَذَا الزَّوْجَةُ وَتُخَرَّجُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ سَنَذْكُرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ شَرَائِطُ رُكْنِ الزَّكَاةِ]
[الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُؤَدِّي]
وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُؤَدِّي وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُؤَدَّى وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُؤَدَّى إلَيْهِ أَمَّا.
الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُؤَدِّي فَنِيَّةُ الزَّكَاةِ وَالْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي بَيَانِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَفِي بَيَانِ وَقْتِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ» وَقَوْلُهُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى فَقِيرٍ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ النِّيَّةِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النِّيَّةَ وُجِدَتْ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَا يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَيَغْفُلُ عَنْ نِيَّةِ الزَّكَاةِ فَكَانَتْ النِّيَّةُ مَوْجُودَةً دَلَالَةً، وَعَلَى هَذَا إذَا وَهَبَ جَمِيعَ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ أَوْ نَوَى تَطَوُّعًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَتَصَدَّقَ شَيْئًا فَشَيْئًا أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ ضَمِنَ الزَّكَاة؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ بَقِيَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ بَعْدَمَا تَصَدَّقَ بِبَعْضِ الْمَالِ فَلَا تَسْقُطُ بِالتَّصَدُّقِ بِالْبَاقِي.
وَلَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ حَتَّى لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ زَكَاةِ الْكُلِّ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ زَكَاةِ الْقَدْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْجَمِيعَ، وَقَالَ: مُحَمَّدٌ يُجْزِئُهُ عَنْ زَكَاةِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَيُزَكِّي مَا بَقِيَ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَدَّى خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ لَا يَنْوِي الزَّكَاةَ أَوْ نَوَى تَطَوُّعًا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْخَمْسَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْكُلِّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْخَمْسَةِ وَهُوَ ثُمُنُ دِرْهَمٍ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْبَاقِي.
وَكَذَا لَوْ أَدَّى مِائَةً لَا يَنْوِي الزَّكَاةَ وَنَوَى تَطَوُّعًا لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْمِائَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْكُلَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ مَا تَصَدَّقَ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْبَاقِي كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الْخِلَافَ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيُّ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْقَدْرِ الْمُؤَدَّى وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ الْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ لَجَازَ عَنْ زَكَاةِ الْكُلِّ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ يَجُوزُ عَنْ زَكَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ النِّصَابِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ سُقُوطَ الزَّكَاةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَنْ الْمَالِ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي التَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ يَنْوِي بِجَمِيعِهَا الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ كَانَتْ مِنْ الزَّكَاةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ مِنْ التَّطَوُّعِ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النِّيَّتَيْنِ تَعَارَضَتَا فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ لِلتَّعَارُضِ فَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ التَّصَدُّقُ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَيَقَعُ عَنْ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى وَالْأَدْنَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عِنْدَ تَعَارُضِ الْجِهَتَيْنِ يُعْمَلُ بِالْأَقْوَى وَهُوَ الْفَرْضُ كَمَا فِي تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِأَقْوَاهُمَا، وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ يُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ لَا فِي التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ إطْلَاقَ الصَّدَقَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ فَلَغَا تَعْيِينُهُ وَبَقِيَتْ الزَّكَاةُ مُتَعَيِّنَةً؟ فَيَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّفْعِ نِيَّةُ الْآمِرِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ خَمْسَةً إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَدَفَعَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ عِنْدَ الدَّفْعِ جَازَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ الْمُؤَدِّي وَالْمُؤَدِّي هُوَ الْآمِرُ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الْمَأْمُورُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّي فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُسْلِمُ، وَذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا دَرَاهِمَ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى الْآمِرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ ثُمَّ تَصَدَّقَ الْمَأْمُورُ جَازَ عَنْ زَكَاةِ مَالِ الْآمِرِ.
وَكَذَا

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 40
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست