responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 248
فَصَارَ عَقْدُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِهِ بِنَفْسِهِ.
(وَجْهُ) مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَنَّ وُقُوفَ الْعَقْدِ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ كَانَ لِحَقِّ الْوَلِيِّ لَا لِحَقِّهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَلَا حَقَّ لِلْوَلِيِّ، فَكَانَ الْحَقُّ لَهَا خَاصَّةً، فَإِذَا عَقَدَتْ فَقَدْ تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا فَنَفَذَ وَأَمَّا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ وَبَلَغَ الْوَلِيَّ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِجَازَةِ فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُجِيزُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسْتَأْنَفُ الْعَقْدُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِجَازَةِ فَقَدْ رَدَّهُ فَيَرْتَدُّ وَيَبْطُلُ مِنْ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْنَافِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ صَارَ عَاضِلًا إذْ لَا يَحِلُّ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِجَازَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ فَإِذَا امْتَنَعَ فَقَدْ عَضَلَهَا فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا وَانْقَلَبَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْحَاكِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَالسَّنَةُ وَالِاسْتِدْلَالُ أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] فَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ نَصٌّ عَلَى انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِعِبَارَتِهَا وَانْعِقَادِهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْمُخَالِفِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهَا فَيَقْتَضِي تَصَوُّرَ النِّكَاحِ مِنْهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ غَايَةَ الْحُرْمَةِ فَيَقْتَضِي انْتِهَاءَ الْحُرْمَةِ عِنْدَ نِكَاحِهَا نَفْسِهَا وَعِنْدَهُ لَا تَنْتَهِي، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] أَيْ: يَتَنَاكَحَا أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَلِيِّ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] الْآيَةُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهِنَّ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بِعِبَارَتِهِنَّ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْوَلِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَهَى الْأَوْلِيَاءَ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ نِكَاحِهِنَّ أَنْفُسَهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ إذَا تَرَاضَى الزَّوْجَانِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي تَصْوِيرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» وَهَذَا قَطْعُ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ عَنْهَا.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَالْأَيِّمُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا.
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال فَهُوَ: أَنَّهَا لَمَّا بَلَغَتْ عَنْ عَقْلٍ وَحُرِّيَّةٍ فَقَدْ صَارَتْ وَلِيَّةَ نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ فَلَا تَبْقَى مُولَيًا عَلَيْهَا كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا بَلَغَ، وَالْجَامِعُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِلْأَبِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهَا شَرْعًا لِكَوْنِ النِّكَاحِ تَصَرُّفًا نَافِعًا مُتَضَمِّنًا مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَحَاجَتَهَا إلَيْهِ حَالًا وَمَآلًا وَكَوْنِهَا عَاجِزَةً عَنْ إحْرَازِ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا، وَكَوْنِ الْأَبِ قَادِرًا عَلَيْهِ وَبِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ زَالَ الْعَجْزُ حَقِيقَةً وَقَدَرَتْ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهَا حَقِيقَةً فَتَزُولُ وِلَايَةُ الْغَيْرِ عَنْهَا وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لَهَا؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ نَظَرًا فَتَزُولُ بِزَوَالِ الضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُنَافِيَةٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ، وَثُبُوتُ الشَّيْءِ مَعَ الْمُنَافِي لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى زَالَتْ الْوِلَايَةُ عَنْ إنْكَاحِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ إذَا بَلَغَ، وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْفَرْعِ وَلِهَذَا زَالَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا، وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لَهَا كَذَا هَذَا وَإِذَا صَارَتْ وَلِيَّ نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ لَا تَبْقَى مُولَيًا عَلَيْهَا بِالضَّرُورَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ: فَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْإِنْكَاحِ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ شَرْطُ جَوَازِ الْإِنْكَاحِ بَلْ عَلَى وِفَاقِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَتَوَلَّيْنَ النِّكَاحَ بِأَنْفُسِهِنَّ عَادَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْخُرُوجِ إلَى مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَفِيهِ نِسْبَتُهُنَّ إلَى الْوَقَاحَةِ بَلْ الْأَوْلِيَاءُ هُمْ الَّذِينَ يَتَوَلُّونَ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ بِرِضَاهُنَّ فَخَرَجَ الْخِطَابُ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْكَاحِ مَخْرَجَ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَقِيبَهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ثُمَّ لَمْ يَكُنْ الصَّلَاحُ شَرْطَ الْجَوَازِ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] أَوْ تُحْمَلُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى إنْكَاحِ الصِّغَارِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ كُلِّهَا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ» أَنَّ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» مَعَ مَا حُكِيَ عَنْ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 248
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست