responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 249
بَعْضِ النَّقَلَةِ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ لَمْ تَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُدَّ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا وَلِهَذَا لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ لَمَّا قُلْتُمْ أَنَّ هَذَا إنْكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بَلْ الْمَرْأَةُ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النِّكَاحُ عَقْدُ ضَرَرٍ» فَمَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ عَقْدُ مَنْفَعَةٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ السَّكَنِ وَالْإِلْفِ وَالْمَوَدَّةِ وَالتَّنَاسُلِ وَالْعِفَّةِ عَنْ الزِّنَا وَاسْتِيفَاءِ الْمَرْأَةِ بِالنَّفَقَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمَصَالِحَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِضَرْبِ مِلْكٍ عَلَيْهَا إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَا تَصِيرُ مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَالتَّزْوِيجِ بِزَوْجٍ آخَرَ وَفِي الْخُرُوجِ وَالْبُرُوز فَسَادُ السَّكَنِ؛ لِأَنَّ قَلْبَ الرَّجُلِ لَا يَطْمَئِنُّ إلَيْهَا وَفِي التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ فَسَادُ الْفِرَاشِ؛ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَشْتَبِهُ النَّسَبُ وَيَضِيعُ الْوَلَدُ فَالشَّرْعُ ضَرَبَ عَلَيْهَا نَوْعَ مِلْكٍ ضَرُورَةَ حُصُولِ الْمَصَالِحِ، فَكَانَ الْمِلْكُ وَسِيلَةً إلَى الْمَصَالِحِ وَالْوَسِيلَةُ إلَى الْمَصْلَحَةِ مَصْلَحَةٌ، وَتَسْمِيَةُ النِّكَاحِ رِقًّا بِطَرِيقِ التَّمْثِيلِ لَا بِطَرِيقِ التَّحْقِيقِ لِانْعِدَامِ حَقِيقَةِ الرِّقِّ وَقَوْلُهُ: " عَقْلُهَا نَاقِصٌ " قُلْنَا هَذَا النَّوْعُ مِنْ النُّقْصَانِ لَا يَمْنَعُ الْعِلْمَ بِمَصَالِحِ النِّكَاحِ فَلَا يَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِبْدَادِ وَإِنْ كَانَتْ تَجْرِي فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ خِيَانَاتٌ خَفِيَّةٌ لَا تُدْرَكُ إلَّا بِالتَّأَمُّلِ، وَيَصِحُّ مِنْهَا الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَيُؤْخَذُ عَلَيْهَا الْخِطَابُ بِالْأَيْمَانِ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ فَدَلَّ أَنَّ مَا لَهَا مِنْ الْعَقْلِ كَافٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ عَقْلُهَا فِي اخْتِيَارِ الْأَزْوَاجِ حَتَّى لَوْ طَلَبَتْ مِنْ الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ التَّزْوِيجُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ يَصِيرُ عَاضِلًا وَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّزْوِيجِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَدْ قِيلَ: إنَّ مَدَارَهُ عَلَى الزُّهْرِيِّ فَعُرِضَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ وَهَذَا يُوجِبُ ضَعْفًا فِي الثُّبُوتِ، يُحَقِّقُ الضَّعْفَ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمِنْ مَذْهَبِهَا: جَوَازُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: مَا رُوِيَ أَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِذَا كَانَ مَذْهَبُهَا فِي هَذَا الْبَابِ هَذَا فَكَيْفَ تَرْوِي حَدِيثًا لَا تَعْمَلُ بِهِ؟ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَنَحْمِلُهُ عَلَى الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا» دَلَّ ذِكْرُ الْمَوَالِي عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَمَةُ فَيَكُونُ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ أَجْمَعَ وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ: إنَّ لِلْوَلِيِّ حَقًّا فِي النِّكَاحِ فَنَقُولُ: الْحَقُّ فِي النِّكَاحِ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ لَا لِلْوَلِيِّ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُزَوَّجُ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَإِذَا كَانَ حَاضِرًا يُجْبَرُ عَلَى التَّزْوِيجِ إذَا أَبَى وَعَضَلَ تُزَوَّجُ عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ إذَا أَبَتْ وَأَرَادَ الْوَلِيُّ فَدَلَّ أَنَّ الْحَقَّ لَهَا عَلَيْهِ.
وَمَنْ تَرَكَ حَقَّ نَفْسِهِ فِي عَقْدٍ لَهُ قِبَلَ غَيْرِهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فَسَادَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ ضَرْبُ حَقٍّ لَكِنَّ أَثَرَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ اللُّزُومِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّفَاذِ وَالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ صِيَانَتُهُمْ عَمَّا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الشَّيْنِ وَالْعَارِ بِنِسْبَةِ عَدَا الْكُفْءِ إلَيْهِمْ بِالصِّهْرِيَّةِ فَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الصِّيَانَةُ فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ اللُّزُومِ فَيَلْزَمُ، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَفِي النَّفَاذِ إنْ كَانَ ضَرَرٌ بِالْأَوْلِيَاءِ وَفِي عَدَمِ النَّفَاذِ ضَرَرٌ بِهَا بِإِبْطَالِ أَهْلِيَّتِهَا وَالْأَصْلُ فِي الضَّرَرَيْنِ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَدْفَعَا مَا أَمْكَنَ وَهَهُنَا أَمْكَنَ دَفْعُهُمَا بِأَنْ نَقُولَ بِنَفَاذِ النِّكَاحِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَبِعَدَمِ اللُّزُومِ وَثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاعْتِرَاضِ لِلْأَوْلِيَاءِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ، وَلِهَذَا نَظِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا كَاتَبَ أَحَدَهُمَا نَصِيبَهُ فَقَدْ دَفَعَ الضَّرَرَ عَنْهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ يُعْتَقُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى كَانَ لِلشَّرِيكِ الْآخِرِ حَقُّ فَسْخِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ.
وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ صَحَّ إحْرَامُهُ حَتَّى لَوْ أُعْتِقَ يَمْضِي فِي إحْرَامِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَكَذَا لِلشَّفِيعِ حَقُّ تَمَلُّكِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ لَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ نَفَذَتْ هِبَتُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ لَكِنَّهَا لَا تَلْزَمُ حَتَّى لِلشَّفِيعِ حَقُّ قَبْضِ الْهِبَةِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَذَا هَذَا.

[فَصْلٌ شَرْطُ التَّقَدُّمِ الْوِلَايَة فِي النِّكَاحِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرْطُ التَّقَدُّمِ فَشَيْئَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْعُصُوبَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَتُقَدَّمُ الْعَصَبَةُ عَلَى ذَوِي الرَّحِمِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 249
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست