responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 218
فَمَا أَوْجَبُوا إلَّا دَمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْوُجُوبِ اجْتَمَعَتْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيُكْتَفَى بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْأَفْعَالَ الْمُتَفَرِّقَةَ كَمَا يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ الْمُتَفَرِّقَةَ كَإِيلَاجَاتٍ فِي جِمَاعٍ وَاحِدٍ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ إلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ كُلُّ إيلَاجَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ أَوْجَبَتْ الْكَفَّارَةَ كَذَا هَذَا.
وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَجِبُ دَمَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا كَانَ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ جَزَاءً لِهَتْكِ حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْحُرْمَةُ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا انْهَتَكَتْ مَرَّةً لَا يُتَصَوَّرُ انْهِتَاكُهَا ثَانِيًا كَمَا فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَمَا إذَا جَامَعَ ثُمَّ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَفَّرَ فَقَدْ جَبَرَ الْهَتْكَ فَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْهَتْكُ ثَانِيًا، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَعَدَّدَتْ الْجِنَايَةُ فَيَتَعَدَّدُ الْحُكْمُ - وَهُوَ الْأَصْلُ - إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ يُوجِبُ جَعْلَ الْجِنَايَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ حَقِيقَةً مُتَّحِدَةً حُكْمًا - وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ - وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِلصَّوْمِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ بَلْ جَبْرًا لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجِمَاعِ الثَّانِي إلَّا شَاةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجِبْ إلَّا شَاةً وَاحِدَةً فَالثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَادَفَ إحْرَامًا صَحِيحًا، وَالثَّانِي صَادَفَ إحْرَامًا مَجْرُوحًا فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ لِلْأَوَّلِ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَالثَّانِي أَوْلَى.

وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ جَامَعَ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي شَاةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ بَدَنَةً يَجِبُ لِلثَّانِي شَاةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ، وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ هَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْجِمَاعِ بَعْدَ الْجِمَاعِ رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَ بِهِ رَفْضَ الْإِحْرَامِ، وَالْإِحْلَالِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ، لِأَنَّ الْكُلَّ مَفْعُولٌ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجِبُ بِهَا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْإِيلَاجَاتِ فِي الْجِمَاعِ الْوَاحِدِ.

وَمِنْهَا وُجُوبُ الْمُضِيِّ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَمْضِيَا فِي إحْرَامِهِمَا، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ لِضَرُورَةِ الْإِحْصَارِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا، فَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِيهِ فَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَجَّةِ الصَّحِيحَةِ وَيَجْتَنِبُ جَمِيعَ مَا يَجْتَنِبُهُ فِي الْحَجَّةِ الصَّحِيحَةِ.

وَمِنْهَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ؛ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَقْضِيَانِهِ مِنْ قَابِلٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِحَجٍّ خَالٍ عَنْ الْجِمَاعِ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَائِتِ الْحَجِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ أَفْعَالُ الْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ بِذَبْحِ الْهَدْيِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ أَمَّا قَضَاءُ الْحَجَّةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ فَلِفَوَاتِ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ.
وَهَلْ يَلْزَمُهُمَا الِافْتِرَاقُ فِي الْقَضَاءِ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: لَا يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا إنْ خَافَا الْمُعَاوَدَةَ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا.
وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَفْتَرِقَانِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَفْتَرِقَانِ؛ وَلِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الْجِمَاعِ ثَانِيًا فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِالِافْتِرَاقِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ الِافْتِرَاقِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا خَرَجَا مِنْ بَلَدِهِمَا يَفْتَرِقَانِ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا بَلَغَا الْمَوْضِعَ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَكَّرَانِ ذَلِكَ فَرُبَّمَا يَقَعَانِ فِيهِ وَقَالَ زُفَرُ: يَفْتَرِقَانِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْإِحْرَامِ؛ هُوَ الَّذِي حَظَرَ عَلَيْهِ الْجِمَاعَ.
فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ مُبَاحًا، وَلَنَا أَنَّهُمَا زَوْجَانِ، وَالزَّوْجِيَّةُ عِلَّةُ الِاجْتِمَاعِ لَا الِافْتِرَاقِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ خَوْفِ الْوُقُوعِ، يَبْطُلُ بِالِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ الِافْتِرَاقُ فِي الِابْتِدَاءِ مَعَ خَوْفِ الْوُقُوعِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: (يَتَذَكَّرَانِ مَا فَعَلَا فِيهِ) فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَذَكَّرَانِ، وَقَدْ لَا يَتَذَكَّرَانِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلًا فِي مَكَان يَتَذَكَّرُ ذَلِكَ الْفِعْلَ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ، ثُمَّ إنْ كَانَا يَتَذَكَّرَانِ مَا فَعَلَا فِيهِ يَتَذَكَّرَانِ مَا لَزِمَهُمَا مِنْ وَبَالِ فِعْلِهِمَا فِيهِ أَيْضًا فَيَمْنَعُهُمَا ذَلِكَ عَنْ الْفِعْلِ، ثُمَّ يَبْطُلُ هَذَا بِلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ فَإِنَّهُ إذَا لَبِسَ الْمِخْيَطَ أَوْ تَطَيَّبَ حَتَّى لَزِمَهُ الدَّمُ يُبَاحُ لَهُ إمْسَاكُ الثَّوْبِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُذَكِّرُهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ، فَدَلَّ أَنَّ الِافْتِرَاقَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لَكِنَّهُ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 218
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست