responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 192
لَا تَطُولَ الْمُدَّةُ بَيْنَ التِّلَاوَةِ وَبَيْنَ السَّجْدَةِ، فَأَمَّا إذَا طَالَتْ فَقَدْ دَخَلَتْ فِي حَيِّزِ الْقَضَاءِ وَصَارَ آثِمًا بِالتَّفْوِيتِ عَنْ الْوَقْتِ، ثُمَّ الْأَمْرُ فِي مِقْدَارِ الطُّولِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ.

[فَصْلٌ فِي سُنَنِ السُّجُودِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا سُنَنُ السُّجُودِ فَمِنْهَا، أَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ السُّجُودِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السُّجُودِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلِانْتِقَالِ مِنْ الرُّكْنِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ وَوُجِدَ عِنْدَ الرَّفْعِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِلتَّالِي: إذَا قَرَأْت سَجْدَةً فَكَبِّرْ وَاسْجُدْ وَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك فَكَبِّرْ، وَلَوْ تَرَكَ التَّحْرِيمَةَ يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَتَأَدَّى بِدُونِ التَّحْرِيمَةِ كَالْقِيَامِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ جَمِيعُ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؟ وَيُفْسِدُهَا الْكَلَامُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَحُرْمَةُ مَا وَرَاءَهَا مِنْ الْأَفْعَالِ أَنْ يَكُونَ بِدُونِ التَّحْرِيمَةِ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ السُّجُودِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا شَيْئًا آخَرَ لَزِدْنَا عَلَى النَّصِّ وَلِأَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَخُضُوعًا لَهُ، وَتَرْكُ التَّحْرِيمَةِ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلتَّعْظِيمِ.
وَأَمَّا انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ، وَاسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ، وَالتَّكَلُّمُ بِمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَيُنَافِي التَّعْظِيمَ وَالْخُشُوعَ.
وَحُرْمَةُ الْكَلَامِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ لَا يُعْتَدُّ بِالسُّجُودِ مَعَ الْكَلَامِ لِانْعِدَامِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ؛ وَلِأَنَّ السُّجُودَ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَالتَّحْرِيمَةُ تَجْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُخْتَلِفَةَ عِبَادَةً وَاحِدَةً وَهَهُنَا الْفِعْلُ وَاحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كُلُّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ عَلَى مَا يُعْرَفُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ مِنْ التَّسْبِيحِ مَا يَقُولُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ.
وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَحَبُّوا أَنْ يَقُولَ: فِيهَا سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا} [الإسراء: 108] الْآيَةَ، وَاسْتَحَبُّوا أَيْضًا أَنْ يَقُومَ فَيَسْجُدَ؛ لِأَنَّ الْخُرُورَ سُقُوطٌ مِنْ الْقِيَامِ، وَالْقُرْآنُ وَرَدَ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَضُرَّهُ.
وَمِنْهَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَمَعَهُ قَوْمٌ فَسَمِعُوهَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْجُدُوا مَعَهُ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْوَضْعِ وَلَا بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّ التَّالِيَ إمَامُ السَّامِعِينَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلتَّالِي: كُنْتَ إمَامَنَا لَوْ سَجَدْتَ لَسَجَدْنَا مَعَكَ وَإِنْ فَعَلُوا أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَسَدَتْ سَجْدَتُهُ بِسَبَبٍ لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِمْ وَلَا تَشَهُّدَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ وَكَذَا لَا تَسْلِيمَ فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ تَحْلِيلٌ وَلَا تَحْرِيمَةَ لَهَا عِنْدَنَا فَلَا يُعْقَلُ التَّحْلِيلُ، وَعَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُسَلِّمُ لِلْخُرُوجِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ وَيُكْرَه لِلرَّجُلِ تَرْكُ آيَةِ السَّجْدَةِ مِنْ سُورَةٍ يَقْرَؤُهَا؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَتَغْيِيرٌ لِتَأْلِيفِهِ وَاتِّبَاعُ النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ مَأْمُورٌ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أَيْ تَأْلِيفَهُ فَكَانَ التَّغْيِيرُ مَكْرُوهًا، وَلِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْفِرَارِ عَنْ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ تَحْصِيلِهَا بِالْفِعْلِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَكَذَا فِيهِ صُورَةُ هَجْرِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ مَهْجُورًا، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ بَيْنِ السُّورَةِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةُ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ طَاعَةٌ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهَا آيَاتٍ لِتَكُونَ أَدَلَّ عَلَى مُرَادِ الْآيَةِ وَلِيَحْصُلَ بِحَقِّ الْقِرَاءَةِ لَا بِحَقِّ إيجَابِ السَّجْدَةِ إذْ الْقِرَاءَةُ لِلسُّجُودِ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَبَّةٍ فَيَقْرَأُ مَعَهَا آيَاتٍ لِيَكُونَ قَصْدُهُ إلَى التِّلَاوَةِ لَا إلَى إلْزَامِ السُّجُودِ.
وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَعِنْدَهُ نَاسٌ فَإِنْ كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ مُتَهَيِّئِينَ لِلسَّجْدَةِ قَرَأَهَا فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَهَيِّئِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْفِضَ قِرَاءَتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا لَصَارَ مُوجِبًا عَلَيْهِمْ شَيْئًا بِمَا يَتَكَاسَلُونَ عَنْ أَدَائِهِ فَيَقَعُونَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْلُوَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلَاةٍ يُخَافَتُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُكْرَهُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «سَجَدَ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ إمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْعَصْرُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَرَأَ الم السَّجْدَةِ» وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَلَنَا) إنَّ هَذَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَلَا وَلَمْ يَسْجُدْ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، وَإِنْ سَجَدَ فَقَدْ لَبَّسَ عَلَى الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ سَهَا عَنْ الرُّكُوعِ وَاشْتَغَلَ بِالسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ فَيُسَبِّحُونَ وَلَا يُتَابِعُونَهُ وَذَا مَكْرُوهٌ، وَمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ مَكْرُوهٍ كَانَ مَكْرُوهًا.
وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ فَلَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا وَإِنْ تَلَاهَا مَعَ ذَلِكَ سَجَدَ بِهَا لِتُقَرَّ وَالسَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ التِّلَاوَةُ وَسَجَدَ الْقَوْمُ مَعَهُ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَجَدَ الْقَوْمُ مَعَهُ؟

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 192
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست