responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 193
وَلَوْ تَلَاهَا الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَجَدَهَا وَسَجَدَ مَعَهُ مَنْ سَمِعَهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ تَلَا سَجْدَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ» ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّامِعَ يَتْبَعُ التَّالِيَ فِي السَّجْدَةِ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَوَاضِعِ السَّجْدَةِ فِي الْقُرْآنِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَوَاضِعِ السَّجْدَةِ فِي الْقُرْآنِ فَنَقُولُ: إنَّهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ الْقُرْآنِ، أَرْبَعٌ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ، وَفِي الرَّعْدِ، وَفِي النَّحْلِ، وَفِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَعَشْرٌ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فِي مَرْيَمَ، وَفِي الْحَجِّ فِي الْأُولَى، وَفِي الْفُرْقَانِ، وَفِي النَّمْلِ، وَفِي الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي (ص) وَفِي حم السَّجْدَةِ، وَفِي النَّجْمِ، وَفِي إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَفِي اقْرَأْ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا: أَحَدُهَا، أَنَّ فِي سُورَةِ الْحَجِّ عِنْدَنَا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَجْدَتَانِ إحْدَاهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ: فُضِّلَتْ الْحَجُّ بِسَجْدَتَيْنِ مَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا لَمْ يَقْرَأْهَا» .
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «عَدَّ السَّجَدَاتِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَّ فِي الْحَجِّ سَجْدَةً وَاحِدَةً» ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فِي الْحَجِّ هِيَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ سَجْدَةُ الصَّلَاة، وَهُوَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ مَتَى قُرِنَتْ بِالرُّكُوعِ كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43] ، وَالثَّانِي أَنَّ فِي سُورَةِ (ص) عِنْدَنَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَجْدَةُ الشُّكْرِ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ سَجَدَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا يَسْجُدُهَا وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي ص وَسَجَدَهَا ثُمَّ قَالَ: سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ ص فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ قَرَأَهَا فَتَشَوَّفَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ أَنْ أَسْجُدَهَا فَإِنَّهَا تَوْبَةُ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا سَجَدْتُ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَوَّفْتُمْ لِلسُّجُودِ» .
(وَلَنَا) حَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ سُورَةَ (ص) وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لَمَا جَازَ إدْخَالُهَا فِي الصَّلَاةِ.
وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ كَمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أَكْتُبُ سُورَةَ ص فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَى مَوْضِعِ السَّجْدَةِ سَجَدَتْ الدَّوَاةُ وَالْقَلَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ فَأَمَرَ حَتَّى تُلِيَتْ فِي مَجْلِسِهِ وَسَجَدَهَا مَعَ أَصْحَابِهِ» .
وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فَهُوَ دَلِيلُنَا فَإِنَّا نَقُولُ نَحْنُ نَسْجُدُ ذَلِكَ شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى دَاوُد بِالْغُفْرَانِ وَالْوَعْدِ بِالزُّلْفَى وَحُسْنِ الْمَآبِ، وَلِهَذَا لَا يُسْجَدُ عِنْدَنَا عَقِيبَ قَوْلِهِ " وَأَنَابَ " بَلْ عَقِيبَ قَوْلِهِ " مَآبٍ "، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي حَقِّنَا فَإِنَّهُ يُطْمِعُنَا فِي إقَالَةِ عَثَرَاتِنَا وَغُفْرَانِ خَطَايَانَا وَزَلَّاتِنَا فَكَانَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مَا كَانَ سَبَبُهَا التِّلَاوَةَ، وَسَبَبُ وُجُوبِ هَذِهِ السَّجْدَةِ تِلَاوَةُ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِخْبَارُ عَنْ هَذِهِ النِّعَمِ عَلَى دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَطْمَاعُنَا فِي نَيْلِ مِثْلِهِ.
وَكَذَا سَجْدَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَتَرْكُ الْخُطْبَةِ لِأَجْلِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ، وَتَرْكُهُ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ بَلْ كَانَ يُرِيدُ التَّأْخِيرَ.
وَهِيَ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فَكَانَ يُرِيدُ أَنْ لَا يَسْجُدَهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ فِي الْمُفَصَّلِ عِنْدَنَا ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا سَجْدَةَ فِي الْمُفَصَّلِ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَسْجُدْ فِي الْمُفَصَّلِ بَعْدَمَا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ» .
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: «أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، ثَلَاثٌ مِنْهَا فِي الْمُفَصَّلِ» ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: عَزَائِمُ السُّجُودِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةٌ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وحم السَّجْدَةِ، وَالنَّجْمُ، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ إلَّا شَيْخًا وَضَعَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ عَلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ هَذَا يَكْفِينِي فَلَقِيتُهُ قُتِلَ كَافِرًا» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ» ؛ وَلِأَنَّهُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فِي سُورَةِ النَّجْمِ، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 193
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست