responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 105
الْمُقِيمِينَ، فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْمِصْرَ أَنَّ الْمَاءَ أَمَامَهُ فَمَشَى إلَيْهِ فَتَوَضَّأَ - صَلَّى أَرْبَعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِالنِّيَّةِ صَارَ مُقِيمًا، فَبِالْمَشْيِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَمَامَهُ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا فِي حَقِّ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنْ حَصَلَتْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِفِعْلِ السَّفَرِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مُسَافِرًا لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ عَمَلٌ، فَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ مَنَعَتْهُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ شَرْعًا، بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ السَّفَرِ، وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَوْ تَكَلَّمَ حِينَ عَلِمَ بِالْمَاءِ أَمَامَهُ، أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي مَكَانِهِ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا، وَلَوْ مَشَى أَمَامَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَافِرًا ثَانِيًا بِالْمَشْيِ إلَى الْمَاءِ بِنِيَّةِ السَّفَرِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَيُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ، بِخِلَافِ الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ أَخْرَجَتْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَفَرًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.

[فَصْلٌ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا أَرْكَانُهَا فَسِتَّةٌ: مِنْهَا الْقِيَامُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مُتَرَكِّب مِنْ مَعَانٍ مُتَغَايِرَةٍ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْمُرَكَّبِ عَلَيْهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا كَانَ كُلُّ مَعْنًى مِنْهَا رُكْنًا لِلْمُرَكَّبِ كَأَرْكَانِ الْبَيْتِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، وَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي بَابِ الْبَيْعِ فِي الْمَشْرُوعَاتِ وَكُلُّ مَا يَتَغَيَّرُ الشَّيْءُ بِهِ، وَلَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ - كَانَ شَرْطًا، كَالشُّهُودِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَهَذَا تَعْرِيفُ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ بِالتَّحْدِيدِ.
وَأَمَّا تَعْرِيفُهُمَا بِالْعَلَامَةِ فِي هَذَا الْبَابِ: فَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدُومُ مِنْ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ إلَى انْتِهَائِهَا كَانَ شَرْطًا، وَمَا يَنْقَضِي ثُمَّ يُوجَدُ غَيْرُهُ فَهُوَ رُكْنٌ، وَقَدْ وُجِدَ حَدُّ الرُّكْنِ وَعَلَامَتُهُ فِي الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ مَعَ الْمَعَانِي الْأُخَرِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اسْمُ الصَّلَاةِ، وَكَذَا لَا يَدُومُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا، بَلْ يَنْقَضِي ثُمَّ يُوجَدُ غَيْرُهُ فَكَانَ رُكْنًا.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ (وَمِنْهَا) الرُّكُوعُ، (وَمِنْهَا) السُّجُودُ، لِوُجُودِ حَدِّ الرُّكْنِ وَعَلَامَتِهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] ، وَالْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الرُّكُوعِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ، وَمِنْ السُّجُودِ أَصْلُ الْوَضْعِ، فَأَمَّا الطُّمَأْنِينَةُ عَلَيْهِمَا فَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرْضٌ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ فَرْضٌ، وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ ذِكْرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ سُنَنِهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ إقَامَةِ فَرْضِ السُّجُودِ، قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: هُوَ بَعْضُ الْوَجْهِ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: السُّجُودُ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ: الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ: الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» .
(وَلَنَا) أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِالسُّجُودِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عُضْوٍ، ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَعْيِينِ بَعْضِ الْوَجْهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْيِينُ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ فَنَحْمِلُهُ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ الْجَبْهَةُ أَوْ الْأَنْفُ غَيْرَ عَيْنٍ، حَتَّى لَوْ وَضَعَ أَحَدَهُمَا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يُجْزِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْجَبْهَةَ وَحْدَهَا جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلَوْ وَضَعَ الْأَنْفَ وَحْدَهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: هُوَ الْجَبْهَةُ عَلَى التَّعْيِينِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ السُّجُودَ عَلَيْهَا حَالَ الِاخْتِيَارِ لَا يُجْزِيهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْأَنْفَ وَحْدَهُ فِي حَالِ الْعُذْرِ يُجْزِيهِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَالَةَ الِاخْتِيَارِ.
احْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَكِّنْ جَبْهَتَكَ وَأَنْفَكَ مِنْ الْأَرْضِ» ، أَمَرَ بِوَضْعِهِمَا جَمِيعًا، إلَّا أَنَّهُ إذَا وَضَعَ الْجَبْهَةَ وَحْدَهَا وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَبْهَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ، وَالْأَنْفُ تَابِعٌ، وَلَا عِبْرَةَ لِفَوَاتِ التَّابِعِ عِنْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَكْثَرِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ السُّجُودُ مُطْلَقًا عَنْ التَّعْيِينِ ثُمَّ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَعْيِينِ بَعْضِ الْوَجْهِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا؛ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَمَا سِوَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ غَيْرُ مُرَادٍ، وَالْأَنْفُ بَعْضُ الْوَجْهِ كَالْجَبْهَةِ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى تَعْيِينِ الْجَبْهَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْيِينُهَا، وَتَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّدِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
هَذَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ: فَإِنْ كَانَ عَجْزُهُ عَنْهُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ - يَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الْفِعْلِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَكَذَا إذَا خَافَ زِيَادَةَ الْعِلَّةِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَفِيهِ أَيْضًا حَرَجٌ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، فَإِنْ عَجَزَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 105
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست