responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 106
عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ، وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ يَسْتَلْقِي وَيُومِئُ إيمَاءً؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لِمَكَانِ الْعُذْرِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعُذْرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103] قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْآيَةِ هُوَ الصَّلَاةُ أَيْ: صَلُّوا، وَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِي رُخْصَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا إنْ اسْتَطَاعَ، وَإِلَّا فَقَاعِدًا، وَإِلَّا فَمُضْطَجِعًا، كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَرِضْتُ فَعَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِكَ تُومِئُ إيمَاءً» ، وَإِنَّمَا جُعِلَ السُّجُودُ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَحَدَهُمَا أَخْفَضُ مِنْ الْآخَرِ، كَذَا الْإِيمَاءُ بِهِمَا وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ: «إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ» .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ فَلْيَجْعَلْ سُجُودَهُ رُكُوعًا وَرُكُوعَهُ إيمَاءً» وَالرُّكُوعُ أَخْفَضُ مِنْ الْإِيمَاءِ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّلَاةِ مُسْتَلْقِيًا جَوَابُ الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَاتِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ يُصَلِّي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.
(وَجْهُ) هَذَا الْقَوْلِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103] .
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «فَعَلَى جَنْبِكَ تُومِئُ إيمَاءً» ؛ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا قُلْنَا، وَلِهَذَا يُوضَعُ فِي اللَّحْدِ هَكَذَا لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ.
فَأَمَّا الْمُسْتَلْقِي يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ رِجْلَاهُ فَقَطْ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فِي الْمَرِيضِ: إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَاعِدًا فَعَلَى الْقَفَا يُومِئُ إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِقَبُولِ الْعُذْرِ» ، وَلِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ فَرْضٌ وَذَلِكَ فِي الِاسْتِلْقَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ هُوَ تَحْرِيكُ الرَّأْسِ، فَإِذَا صَلَّى مُسْتَلْقِيًا يَقَعُ إيمَاؤُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَإِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنْبِ يَقَعُ مُنْحَرِفًا عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَخْذَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَوْلَى.
وَقِيلَ: إنَّ الْمَرَضَ الَّذِي كَانَ بِعِمْرَانَ كَانَ بَاسُورًا، فَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ الِاضْطِجَاعُ، يُقَالُ: فُلَانٌ وَضَعَ جَنْبَهُ إذَا نَامَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ التَّعَلُّقِ بِالْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ دَلِيلُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُسْتَلْقٍ فَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى الْجَنْبِ؛ لِأَنَّ الظَّهْرَ مُتَرَكِّبٌ مِنْ الضُّلُوعِ فَكَانَ لَهُ النِّصْفُ مِنْ الْجَنْبَيْنِ جَمِيعًا، وَعَلَى مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَقْرَبَ إلَى مَعْنَى الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فَكَانَ أَوْلَى.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي اللَّحْدِ فِعْلٌ يُوجِبُ تَوْجِيهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِيُوضَعَ مُسْتَلْقِيًا، فَكَانَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْوَضْعِ عَلَى الْجَنْبِ فَوُضِعَ كَذَلِكَ.
وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ، لَكِنْ نُزِعَ الْمَاءُ مِنْ عَيْنَيْهِ فَأُمِرَ أَنْ يَسْتَلْقِيَ أَيَّامًا عَلَى ظَهْرِهِ وَنُهِيَ عَنْ الْقُعُودِ وَالسُّجُودِ - أَجْزَأَهُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ وَيُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ، (وَاحْتُجَّ) بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ طَبِيبًا قَالَ لَهُ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ: لَوْ صَبَرْتَ أَيَّامًا مُسْتَلْقِيًا صَحَّتْ عَيْنَاكَ، فَشَاوَرَ عَائِشَةَ وَجَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَمْ يُرَخِّصُوا لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ مِتَّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِصَلَاتِكَ.
(وَلَنَا) أَنَّ حُرْمَةَ الْأَعْضَاء كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، وَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبْعٍ لَوْ قَعَدَ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالِاسْتِلْقَاءِ، فَكَذَا إذَا خَافَ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ صِدْقُ ذَلِكَ الطَّبِيبِ فِيمَا يَدَّعِي، ثُمَّ إذَا صَلَّى الْمَرِيضُ قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ كَيْفَ يَقْعُدُ؟ أَمَّا فِي حَالِ التَّشَهُّدِ: فَإِنَّهُ يَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ وَفِي حَالِ الرُّكُوعِ: رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا، وَإِنْ شَاءَ مُتَرَبِّعًا، وَإِنْ شَاءَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ تَرَبَّعَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَيْهَا.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنَّمَا يُنْقَضُ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ السَّجْدَةَ وَقَالَ زُفَرُ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عُذْرَ الْمَرَضِ أَسْقَطَ عَنْهُ الْأَرْكَانَ فَلَأَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْهَيْئَاتِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 106
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست